مصنع الأحلام يولد من جديد فى أفلام أبو ظبى - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 10:45 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصنع الأحلام يولد من جديد فى أفلام أبو ظبى

مشهد من فيلم دروب الصليب
مشهد من فيلم دروب الصليب
رسالة أبوظبى خالد محمود
نشر في: الأربعاء 29 أكتوبر 2014 - 10:57 ص | آخر تحديث: الأربعاء 29 أكتوبر 2014 - 11:15 ص

لم أنس يوما ما قالته لى النجمة الايطالية الكبيرة كلوديا كاردينالى، خلال لقائى بها العام الماضى، بمهرجان أبو ظبى السينمائى حيث قالت «السينما هى مصنع الأحلام».. منذ ذلك الحين وأنا أبحث فى كل فيلم أشاهده عن الحلم، حتى لو كان مشروعا أو غير مشروع، واقعيا أم خياليا، قاسيا أم غير ذلك.

وفى مهرجان أبو ظبى هذا العام أمسكت بخيوط كثيرة لأحلام بالقطع ستكون مؤثرة على متلقيها، وأنا منهم، وربما ستغير من مفاهيم كثيرة لمواقفهم فى الحياة، هذا على مستوى حكايات وقصص الأفلام وما توحى به، بينما هناك أحلام أخرى مدهشة لأساليب فنية ورؤى سينمائية ملهمة ومتجددة ومتمردة أيضا على مفردات سينمائية سكنت الفن السابع سنوات.

ومن هذه الأفلام التى قدمها مهرجان أبو ظبى فى مسابقة آفاق جديدة، تحفة المخرج الألمانى ديتريش بروجمان «دروب الصليب» والحائز على جائزة أفضل سيناريو بمهرجان برلين السينمائى الأخير، وقد شهد العمل اقبالا جماهيريا كبيرا بفضل حلمه الذى أطلقه كالسهم فى القلوب المهمومة بالفضيلة لدرجة كبيرة من القدسية، والتى تؤمن إيمانا راسخا بأن الشهوات الدنيوية تقتل الطهارة وبالتالى تظل حائرا بين عالمين مثل بطلتنا ماريا التى حاولت أمها إخضعاها بشكل مبالغ فيه لتعاليم الطقوس الدينية الكاثوليكية بشكل متشدد، وهو ما شكل عائقا نفسيا أمام مراهقتها.

فالفيلم الذى شاهدته للمرة الثانية، وهو يستحق، يصور فتاة «جسدتها باقتدار الممثلة ليا فان اكين.. تحيا حياة معذبة داخل أسرة كاثوليكية تعيش فى جنوب المانيا، حيث تقوم تلك الأسرة بتربية ابنتها فى بيئة دينية صارمة ربما تشعر معها أحيانا بوصولها لدرجة التطرف.

ويعرض الفيلم عبر سيناريو محبك للغاية، الصراع الذى تقع فيه الفتاة الحسناء صغيرة السن بين تعاليم رجل دين صارم وبين صبى يدعوها للتدريب على الموسيقى فى كنيسة أكثر انفتاحا، وذلك عبر أربعة عشر محطة أو دربا أو مشاهد مطولة استعرض فيها السيناريو بقسوة أجوائه وصوره القاسية ووجوم وجوه أبطاله الخلاف بين ما تريده الام لابنتها من حياة كلاسيكية معقدة وملتزمة، وبين رغبة الفتاة وحلمها فى أن تعيش بمشاعرها حياة طبيعية مثل كل البنات، وتكون الصدمة أن يقوى شعور الرفض داخل الفتاة لتموت فى النهاية التى تشكل بحق صدمة للمجتمع، والرسالة الانسانية تتضح معالمها عبر اسلوب بروجمان السينمائى القوى، بإيقاعه البطىء المقصود حتى يمنحك فرصة للتأمل فيما تسمع من حوار وتشاهد من مواقف وهى الرسالة التى تتجلى بشكل اخر فى تصريح المخرج نفسه عندما التقيته فى برلين «نذهب إلى الكنيسة ثم نستمتع بحياتنا ووقتنا».

جسدت فصول الفيلم لغة سينمائية شديدة الحبكة وقد صاغها بروجمان واخته انا بروجمان، وأداء غلب عليه الطابع النفسى بين وعظ الأم وتساؤلات المدرس حول الحياة ورفض البنت للتقاليد، وقد ركزت الكاميرا على تعبيرات الوجوه أكثر وكلها عناصر امتزجت بصورة سينمائية معبرة عن صراع عادات الأجيال، وهو ما تجسد فى رفض الابنة أن تبتسم فى الصورة الجماعية للأسرة التى ارادتها الأم، وكأنها ترفض الانخراط فى واقع أسرتها وبالتالى نهاية الحياة.

الفيلم تحفة سينمائية وأعتقد أن أبطاله ليا فان اكين، وفرانسيسكا فايستر وفلوريان ستير وستيز هانس قد سلموا واستسلموا لنظرية المخرج وإحساسه فى تناول تلك القصة، وربما يقترب العمل من الكمال لأن مخرجه كاتب وموسيقى ومصور.

«المطلوبون الـ١٨»

الحلم الآخر طرحه الفيلم الفلسطينى «المطلوبون الـ١٨»، الذى يشارك فى مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة بمهرجان أبو ظبى، وهذه المرة كان صوت الحلم بالحرية عاليا وجليا، فالقضية هنا ليست قضية شخص بل قضية وطن بأكمله ينتفض ضد الاحتلال، والبطل هو شعب يسعى لإقرار مصيره.

فى الفيلم يستعيد مخرجاه الفلسطينى عامر شوملى والكندى بول أحداثا حقيقية من الانتفاضة الأولى «1987-1991» حيث يلاحق الجيش الإسرائيلى 18 بقرة، اعتُبر انتاجها للحليب من قبل جمعية أهليّة فلسطينية تهديدا للأمن القومى الإسرائيلى، فقد خشت اسرائيل أن تنتشر فكرة مقاطعة المنتجات الاسرائيلية وخلق اقتصاد بديل ومن أن تنمو فى أماكن أخرى من الاراضى المحتلة وتأخذ ابعادا جديدة.

العمل قدم بأسلوب سينمائى ساخر ومرح مزج بين الوثائقى والتحريك، وبصورة تجولت بين الواقعية والفانتازيا لترصد جانبا من المقاومة الشعبية والعصيان المدنى ضد الاحتلال أثناء تلك الفترة، وذلك من خلال قصة الأبقار التى قرر أهالى بلدة بيت ساحور شراءها من كيبوتس اسرائيلى وإنشاء مزرعة ووضعها فيها ابان الانتفاضة بهدف تحقيق نوع من الاستقلال الاقتصادى ومقاطعة البضائع والمنتجات الاسرائيلية كخطوة من سياق العصيان المدنى ضد دفع الضرائب لسلطة الاحتلال، حيث ثار الفلسطينيون وقرروا عدم دفع أى ضريبة لحكومة إسرائيل.

حلم الاستقلال تطلب فكرا وثقافة خاصة فى التعامل، وأيضا تطلب مزيد من التضحيات وقد بدأت الحكاية بتوجه عدد من الأهالى إلى إحدى المزارع الإسرائيلية داخل الأراضى المحتلة عام 48 لشراء الأبقار التى تظهر وهى تقرأ الصحف، وتستمع للإذاعة الإسرائيلية، وتصاب فى البداية بهلع عندما تعلم بصفقة بيعها للفلسطينيين، وتصل الأبقار إلى «بيت ساحور»، ويعلم جيش الاحتلال بخبر المزرعة، ويأمر الحاكم العسكرى بإزالتها كونها تشكل خطرا على أمن الدولة، خاصة بعد أن أطلق على حليبها «حليب الانتفاضة».

لكن أهالى القرية يقومون بتهريب الأبقار التى بدت كبشر لها مشاعر وأحاسيس، لكل منها شخصيتها الخاصة وكذلك عالمها، وإخفائها فى البيوت، ويلجأون لحيل عديدة تجعل المحتل حائرا، ويستعرض الفيلم مشاهد من تصريحات رابين الذى يؤكد أن الفلسطينيين سيخضعون فى النهاية لدفع الضرائب، وهنا يدين الفيلم عبر شهادات أهالى بيت ساحور وأبطال عملية انتاج اللبن من الابقار الـ١٨ اتفاق أوسلو، الذى يظهره الفيلم على أنه أحبط الانتفاضة وكسر روح المقاومة.

وفى مشهد سينمائى رائع يتساءل أحد من يدلون بشهاداتهم عن المرحلة: كيف يقيم الناس احتفالات بالاتفاق الذى قضى على مفهوم الدولة وأخرس الألسنة وأعاق المقاومة؟، وعبر عدة مشاهد ساخرة نجح فيها المخرجان نرى جيش الاحتلال وهو يقوم بتصوير الأبقار قبل اختفائها، وكل واحدة معلق بها رقم مثل المتهمين والملاحقين سياسيا، وفى فترة لاحقة يقومون بلصق بوسترات لصورهم على حوائط كل شوارع الحى، لمن يتعرف عليهم يبلغ عنهم، ويعلنون حظر التجوال مرات عديدة.

ومع رحلة المطاردة يكتشف الأبقار الـ18 التى تعلمت كره الفلسطينيين فى المزرعة الإسرائيلية، أن الفلسطينيين هم من يحاولون إنقاذ حياتها لكن وبعد قرار القضاء عليهن قالت إحداهن: «لقد خذلنا الفلسطينيون مثلما خذلنا الإسرائيليون»، وكان ذلك بعد اعتقالهم.

الحوارات والشخصيات كانت ذكية وذلك الانتقال السلس بين التحريك والواقعى، كما يقول الناقد السينمائى انتشال التميمى، كان مناسبا للغاية وفى محله، وبالقطع منح هذا النهج تشويقا خاصا ونظرة جديدة ورؤية مختلفة فى طرح لقضية سبق أن طرحت مرات عديدة، وهو هنا أيضا بمثابة تحية للنضال الواعى لأهالى المنطقة الذين يملكون ثقافة خاصة تؤهلهم لمثل هذا العمل، الذى من شأنه ان يكسر الاحتلال فى لحظة ما، لأن الشعوب المحتلة تملك الكثير من الذكاء الذى يؤلها للتحرر، وهو ما ظهر فى الفيلم بشهادات وافعال عدد من الشخصيات الحقيقية ممن لا يزالون على قيد الحياة، سواء من الفلسطينيين أو حتى من الاسرائيليين والذين سمعنا احدهم يقول «لو انا مكان الفلسطينيين لفعلت مثلهم».

وثق هذا الفيلم مرحلة مهمة من تاريخ النضال الفلسطينى، لا تزال مستمرة حتى اليوم على الرغم من أن كثيرين اعتقدوا أن اتفاقية أوسلو قد خطّت نهايتها، فى اشارة اخرى لإدانة عرفات، الذى خاض مفاوضات سرية مع اسرائيل برعاية امريكية مباشرة، لوقف الصراع مقابل اعتراف اسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعى والوحيد للقضية الفلسطينية.

وقد اتخذ الشوملى دور الراوى فى الفيلم. فكان راويا من داخل وخارج الحدث. ترك مسافة بينه وما يحصل من وقائع، لكنه فى الوقت نفسه ينتمى إلى القصة باعتباره أحد أحفادها، وما كان منه إلا أن بدأ الرواية من أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فى سوريا، عندما كان طفلا صغيرا يسمع من والده قصصا عن فلسطين تبلورت فى ذهنه بطريقة فانتازية، فرضتها المسافة البعيدة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك