ماكينات الإلهاء! - هانى هنداوى - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 11:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماكينات الإلهاء!

نشر فى : الخميس 3 مارس 2016 - 11:25 م | آخر تحديث : الخميس 3 مارس 2016 - 11:25 م
لا تزال الساحة تضج بالفوضى، ولا شىء حقيقيا، عقول فارغة تدور فى فلك من الفراغ، والجميع مستمتع وسعيد بحالة العبث واللامنطق.

فى مصر، هناك مساحات رحيبة من أحاديث الهراء، الكل يتكلم فى آن واحد، ولا أحد ينصت، الكل يتقمص دور المنظر، ولا أحد يفكر، الكل يعيش فى ملهاة، ولا أحد يجرؤ على الصراخ معترضا بكلمة «كفى».

الكل مغموس حتى أذنيه فى أمور ثانوية، تافهة، وليس من حقك أن تخرج من دائرة الإلهاء للحظات، بل أنت مجبر على أن تتنفس هواءهم، وتلوك أحاديثهم، وإلا أهملوك ونعتوك بالمعتوه.

صغيرا، كنت أظن أن هناك فى الأعلى من يدير تلك الماكينات، هناك من يتعمد أن يضع لنا المطبات حتى نتعثر، ولكنى بحكم التجارب، وتقدم العمر، آمنت بأننا أعداء أنفسنا، فنحن من يعشق القشور.

يقولون إننا مجتمع الجهلاء، نقدس الخرافة ونمقت العلم، نهتم بالصغائر ولا نقدر أصحاب الفكر، نسير فوق قضبان التخلف، وهى التى ستقودنا حتما فى نهاية المطاف إلى كارثة مروعة.

فى بلادى، صار العبث منهجا، والسطحية شعارا، الكل يفخر بهما ويزايد عليهما، فاليوم حرام فيه الجد، حلال فيه الهزل واللغو، وغدا لنا موعد آخر مع عجائب الأقدار.

فى بلادى، نكرم السفيه، ونحط من قدر الكريم، فالأشباه صاروا رجالا، والأقزام يتباهون بقاماتهم الطويلة، كل شىء أصبح معكوسا، ولا أحد يدرى من المخطئ ومن هو على صواب.

فى بلادى، صار الحذاء أسلوبا للحوار، وغدا الضارب والمضروب مادة للاختلاف، هذا ينصفه، وذاك يجرسه، البعض يرفعه إلى عنان الأبطال، والبعض الآخر يهيل فوقه التراب، وقلة قليلة هى من يئست من هذا وذاك، وقالت أسفا ووداعا لزمن النضال.

فى بلادى، تتوه الحقيقة وسط غيوم كثيفة من المهاترات، فالحماقة صارت بابا للمجد، وعنوانا للشهرة، وملاذا للبلهاء، ولا عزاء لمن يصفون أنفسهم بالعقلاء.

تدور ماكينات الإلهاء فى مصر من دون أن تتوقف ثانية واحدة، فالجمهور عريض، والطلب عليها أكبر من المعروض، فلا تحاول أن تقف عكس التيار، ولا تحاول أن تغير موازين السوق، لأنهم فى الغالب سينهرونك ويمنعونك، عملا بقاعدة: «الزبون عاوز كده».

إن شئت أن تتلمس الصدق، فابحث عنه فى وطن آخر، أما إن شئت أن تنغمس فى اللهو، فأهلا بك فى بلد غالبيته يسلك الطرق الملتوية، جهابذة فى فن المراوغة والسفسطة، رصيدنا قياسى فى صناعة الركاكة والقضايا الجوفاء.

يا سادة، نسير معصوبى الأعين نحو منحدر الهاوية، السرعة جنونية، ولا منجاة لنا إلا بإعمال العقل، لا الفهلوة، لا منجاة لنا إلا بترتيب الأولويات، لا خلط أوراق السخف و «الهرتلة».

إن كان باق لدينا بعضا من ضمير، من عقل، من بصيرة، فلا بد أن نتوقف، ألا ندع مساحات الهراء تشغلنا، أن نطرد هؤلاء الحمقى من دوائر اهتمامنا، فمن يبغى السير إلى الأمام، إلى المستقبل، يجب أن يتخفف أولا من أثقال الجهل والتخلف، وإلا ظل مراوحا مكانه فى عالم النسيان.
التعليقات