المقال الأخير - هانى هنداوى - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 9:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المقال الأخير

نشر فى : الخميس 7 أبريل 2016 - 11:00 م | آخر تحديث : الخميس 7 أبريل 2016 - 11:00 م
كلما كتبت مقالا ظننته الأخير، فلم يعد ثمة ما يغرينى للكتابة، هى ذاتها الأفكار والأحلام والآلام تتكرر، ولا شىء يتغير.

أسوأ ما يصادف أى كاتب أن يشعر بالإحباط، فالكتابة أصبحت كالحرث فى البحر، وفى نهاية الأمر ستجد نفسك محاطا بسؤال لا مفر منه: وما الجدوى منها إذن؟

أحيانا تكون الكتابة بدافع الهرب من الواقع، وأحيانا أخرى تكتب رغبة فى تغيير الواقع، ولكن تبقى الحقيقة الماثلة أمام الجميع، التى لا ريب فيها، أن الواقع سيظل جامدا، متكلسا، لن تذيبه أو تحركه ولا ملايين الكلمات.

لماذا أكتب إليك إذن؟ لعلك ستسأل، وأجيبك: أكتب لأن الصمت يأس، والانسحاب استسلام، وأنا لا أريد أن أكون هذا أو ذاك، لذا أعاهدك بأننى لن أكف عن الكتابة، ولن أتوقف عن ممارسة حقى فى طرح الأسئلة.
فى مصر، لا شىء يدعو للتفاؤل، الوجوه متجهمة، واليأس طال الغالبية، وأصبح الحلم الذى يتفق عليه الجميع هو الرحيل، فلم يعد الوطن ملكا للمصريين، بل طاردا لهم، ناقما عليهم، والسخط والسحق أصبح مصير أى شخص يدعو لـ«بلد تعلو فيه أصوات الكرامة والحرية».

إن أردت أن تواجه الفساد سيتم التنكيل بك، وإن أردت أن تصرخ بملء الفم طالبا حقك فى العيش بآدمية، سيحاصرونك بتهمة الجحود، وإن أردت أن تترك هذا كله إلى وطن آخر يحترمك ويقدرك، سيقولون: سحقا لهذا الخائن المتآمر.

سيدى، العمر يتقدم بك، والشكوى تأكل أحلامك، والألم يعتصر جسدك، والقلب يملؤه الخوف، والوطن يضيق عليك شيئا فشيئا، فهل ثمة منفذ، هل هناك ضوء فى نهاية هذا النفق المظلم.. أشك!

هذه ليست دعوة للكراهية، فهذا آخر ما أتمناه، ولكن المرارة فى حلقى تدفعنى لأن اعترف لك بأنى لم أعد أشعر هنا بالاطمئنان أو الأمان، بل أحلم كل ليلة بأن أودع هذا كله للأبد، فقد ضجرت حاضرى، ومستقبلى مشكوك فى أمره، ولا أريد أن ينتهى بى المطاف وأنا أصب اللعنات على وطن قسا على مرارا، رغم حبى له.

إن أردت أن تعرف سر حنقى، سأتلو عليك كتابى: ضللت طريق الأمل منذ كنت صغيرا، والمجهول صار عالمى، والحب دهسته صراعات المصالح، والحزن بات رفيقى، والوطن أصبح أغنية ممجوجة.. كل شىء فى رحلتى بات بلا مذاق، فماذا تنتظر منى بعد؟!.

الحياة فى بر مصر قاسية، ستجعل منك إنسانا خاليا من العواطف، من الأخلاق، من المحبة.. كل شىء حولك سيثير مخزون الإحباط داخلك، سيفتح شهيتك على الغضب، على الجنون.

سيدى، أعشق تراب هذا الوطن، ولكنه يشعرنى دوما أننى سجينه ولست ابنا له، كما أننى فقدت أى أمل فى التغيير، فلم تفلح ثورتان فى جعل الوطن ملكا للجميع، يسع أحلامهم، يضمد جراحهم، يكفكف دموعهم، فلا تسألنى الآن: هل ما زلت أحبه؟

خائف أن يأتى يوم وألعنه كما يلعننى هو، خائف أن تحين لحظة تصطدم فيها مشاعر المحبة برغبة جارفة فى فراقه للأبد، ووقتها لا أعرف أيهما سأختار، البقاء مغمومسا فى الآلام، أم الرحيل غير آسف على الذكريات.. أنت قل لى سيدى: ماذا ستختار؟!
التعليقات