هيكل.. كل المرثيات لا تكفيك! - هانى هنداوى - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 11:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هيكل.. كل المرثيات لا تكفيك!

نشر فى : الجمعة 26 فبراير 2016 - 11:15 م | آخر تحديث : الجمعة 26 فبراير 2016 - 11:15 م
تعودت كتابة كلمات الرثاء فيمن أحب ورحلوا، ولكنى هذه المرة أشعر أن يدى مغلولة، رغم أن المغادر ليس قريبا أو صديقا، ولم ألتقه ولو مرة.

كان مجرد وجوده حيا يرزق كافيا لى، ومطمئنا لشخص مثلى يدرك أن الموهبة عملة نادرة، استثنائية، قد نختلف معها، ولكننا أبدا لا نختلف عليها.

كنت أقرأ ما يكتب فأشعر بالغيرة وضآلة موهبتى، كنت أستمع بإنصات لما يقول فأعرف أن أمامى الكثير لأتعلمه، كنت أتصفح تاريخه ومواقفه، وأنا أقول لنفسى بإلحاح: ليتنى كنت هو.

الآن، على أن أقنع نفسى بحقيقة أن هذا كله أصبح ماضيا، فمن هذه اللحظة البائسة، مات من أحب أن أكون، مات الحلم، مات الملهم، مات سيد الكتابات، مات محمد حسنين هيكل!

لا أملك ذكرى تجمعنا سويا، ولن أزعم أنه قال لى وأننى رددت عليه، فلم أكن يوما تلميذه ولا هو أستاذى، بل كنا أقرب، كان هو الأب الروحى، من يحمل لى مشعل المستقبل، القائد الذى يأمر، وكنت أنا الصغير الذى ينصت ويطيع ولا يعصى له أمرا.

يقولون إن الكتابة عنه تستدعى كتابة موازية عن التاريخ، السياسة، الأدب، الثقافة، كتابة موسوعية تليق بالرجل الذى طرق كل هذه الأبواب، وتقلد فيها أدوار البطولة.

عاش هيكل مخلصا لفكرة، لموقف، تبدلت العصور من دون أن يتبدل أو يتلون، بل ظل قابضا على وطنيته، ناصريته، عروبته، وضرب المثال فى الرجال التى لا تلين ولا تخون.

قضى هيكل عمره بين الكتب والأوراق، يقلب فيها شارحا ومفسرا وقارئا، كان يؤمن أن الرجال زائلون والكلمة باقية، فيوما ما سينصرف عنا، لكن كلماته هى من ستبقى خالدة، هى من ستشهد له أن العمر لم يضع هباء.

كنت أحسده على صداقته بجمال عبدالناصر، أو بالأحرى أحسد ناصر عليه، علاقة لم تتبدد أو تأفل بفعل الموت، وإنما ظل أشد المدافعين عن الصديق الذى تخلى عنه فى منتصف الطريق ورحل، وكأنه أراد أن يقول لنا: لهذا خلق الله الأصدقاء.

كان يحب الرجل أن يلقبوه بالجورنالجى، فهى المهنة التى يحب، هى المهنة التى أعطاها بسخاء، هى المهنة التى بادلته الإخلاص بالإخلاص، فلم تبخل عليه، بل جعلته سيدها وأميرها.

قلت لنفسى: وبماذا ستفيد الكتابة عن الأستاذ بعد رحيله؟ فهو لن يقرأ ما أكتب، ولن يدعونى لمقابلته ناصحا ومرشدا، ولكنى أجبت بسرعة: كتب الرجل مشيدا ومنصفا لناصر بعد رحيله أكثر مما كتب فى حياته، من دون أن ينتظر أو يعبأ بكلمات المديح والإطراء، أفلا أقلده؟!.

أعطانا هيكل دون إرادة منه، دروسا فى العمل والصداقة والوفاء، كان كريما معنا إلى حد السخاء، والآن جاء دورنا لنقول له بعيون وقلوب يملؤها الحزن والأسى: لن ننسى صنيعك معنا.

رحل الأستاذ تاركا إرثا من المحبة فى قلوب تلامذته ومحبيه ومريديه.. رحل عنا لكنه أبدا لن يفارق التاريخ، فهو بطله وقائده وملهمه.

لا أملك فى وداع الأستاذ إلا الكلمات، أعرف أنها لن تفيه حقه، فكل المرثيات لا تكفى فى وداع الرجل الذى تمنيت أن أكون.
التعليقات