مصر التى ع «الفيسبوك» - هانى هنداوى - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 6:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر التى ع «الفيسبوك»

نشر فى : الخميس 31 مارس 2016 - 9:45 م | آخر تحديث : الخميس 31 مارس 2016 - 9:45 م
ينقسم المصريون على «الفيسبوك» إلى فريقين، أحدهما مؤيد والآخر معارض، أحدهما شامت فى النظام متربص لإخفاقاته، والآخر مروج له مبالغ فى إنجازاته، وباختصار أنت مطالب طيلة الوقت بأن تعلن انحيازاتك بصرامة، فإما أبيض وإما أسود.. «اللون الرمادى ده أنا محبوش».

لو كنت تجلس على يمين«الفيسبوك» سترى الصورة سوداوية، تدهور اقتصادى، انسداد سياسى، قمع للحريات، سجن للأبرياء، انحياز للأغنياء، سحق للفقراء، تضليل وتشويه للحقائق، وغياب تام لمنظومة العدالة.. مصر ستتحول فى نظرك إلى سجن كبير، الإفلات منه سيصبح حلما لا تضاهيه أحلام أخرى.

أما لو كنت جالسا على يسار «الفيسبوك» سترى الصورة معكوسة، وردية إلى حد كبير، فالفساد يتقهقر، والمليارات قادمة، وأفق الحريات بلا حدود، والإنجازات «على قفا مين يشيل»، والقادم أحلى، وكله بفضل الرئيس الذى وضعنا على أول طريق التقدم..«وبكره تشوفوا مصر».

لا يجوز لك أمام هاتين الحالتين أن تقف على الحياد، فإما أن تكون مع أو تكون ضد، إما أن تكون صديقا صدوقا أو عدوا لدودا، هكذا تسير الأمور عادة، فلا تحاول إخفاء ميولك، وقل لى صراحة: لأى الفريقين ستنتمى؟

لو فكرت أن تنضم لفريق الشامتين، سيكون مطلوبا منك أن تفعل الآتى: عرض مستمر لصور المعتقلين، مصحوبا بتعليقات عن دولة الظلم التى تتسع أركانها كل يوم، ومشاهد مكثفة عن العشوائيات وما أكثرها، تكذيب المسئولين وتحقير أعمالهم، السخط على الأوضاع المقلوبة، التحذير من السير نحو المجهول، ولا مانع ــ إمعانا فى المزايدة ــ من ترديد الهتافين الشهيرين: «الداخلية بلطجية» و«يسقط حكم العسكر».

أما لو قررت أن تصبح عضوا فى فريق المداحين، فما عليك إلا مباركة أى خطوة يقوم بها النظام، وتبرير خطئه، وتعظيم مشاريعه، والتخويف من المؤامرة الكونية على مصر، والتبشير بالمستقبل المشرق، وقذف المعارضين بتهم العمالة والأخونة، والترحم على شهداء الإرهاب.. «واحمدوا ربنا إننا أحسن من سوريا والعراق».

فريقان متناقضان، لا يمكن أن يلتقيا عند نقطة سواء، فرغم أن الدم مصرى والحلم مصرى والهم مصرى، فإن الأمل أصبح مفقودا فى أن تتشابك أيدى المصرى مع المصرى، لصناعة دولة «تصون ولا تهدد، تحمى ولا تبدد».

مصر على «الفيسبوك» ممزقة، مبعثرة بين هذا وذاك، فأبناؤها ليسوا فى خندق واحد، مشغولون فى حرب أهلية، عدوانيون، كل طرف مشحون بالرغبة فى هزيمة غريمه، والانتقام منه، والتنكيل به، فإما الانتصار على الخصم أو الموت الزؤام.. «ولا عزاء لشىء اسمه الوطن».

بالتأكيد، نوايا الطرفين حسنة، ولكن الطريق إلى الجحيم مفروش بتلك النوايا.. بالتأكيد، الطرفان يريدان لمصر الخير، ولا يضمران لها شرا، ولكن كم من المصائب تأتى من فرط المحبة.. «الدبة قتلت صاحبها».

مصر على «الفيسبوك» حتما ستخيفك، فالمعركة حامية، ولا صوت يعلو على صوت الانقسام، وفى النهاية لا هازم ولا مهزوم، فالكل سيخسر، والكل سيندم، وأرجوك لا تحاول أن تهدئ من روعى، ولا تحاول أن تصورنى كمن يهذى، أو تفحمنى بعبارة: «بلاش مبالغة بقى يا أخى».

لا أبرئ النظام من الخطأ، ولا أبرئكم من الخطيئة، ولا أبرئ نفسى لأننى يوما كنت طرفا فى هذا الصراع.. أما الآن، فها أنا أعلن توبتى، قاصدا بها وجه الوطن، داعيا القدير أن تكون مصر فى الحقيقة، متجانسة ومتماسكة، وأفضل مائة مرة من مصر التى على الفيسبوك.. وإن كنت أشك!
التعليقات