أنا اللى أكلت الجبنة! - هانى هنداوى - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 6:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أنا اللى أكلت الجبنة!

نشر فى : الخميس 14 أبريل 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 14 أبريل 2016 - 10:00 م
لا تكف الدولة من قمة رأسها وحتى أخمص قدميها، على وضع الإعلام داخل قفص الاتهام، وبالذات مع كل إخفاق أو سقوط جديد لها.

فالإعلام هو من يعطل المسيرة، ويمنع وصول الدعم لمستحقيه، ويضاعف حالة الغلاء، ويقف حائلًا ضد حرية التعبير، ويتآمر على الشعب، كما أنه ـ لعنه الله فى كل كتاب ـ ضلع رئيسى فى كل عمليات الفساد، وسر الخراب، وأخيرًا قاتل مأجور، يخطف ويعذب لإرضاء أهوائه الذاتية.. باختصار هو اللى أكل الجبنة!

تدعى الدولة بأن الإعلام لن ينجو بفعلته هذه المرة، فالتهمة ثابتة، وحالة التلبس متوفرة، والشهود جاهزون، والورق ورقنا والدفاتر دفاترنا، فلا منجاة له، ولا أمل فى البراءة، إلا إذا أطاعها، وعمل بنصيحتها، وقرر أن يسير على نهجها هى، وليس نهج الحقيقة التى ينشدها.
وما هو نهجها سيدى الفاضل؟!

إكتب عندك يا إعلام: نحن دولة رخاء، ذات سيادة لا تقبل الانتقاص، تصون الحريات، تحارب الفسدة، زاهدة، عادلة، تأخذ من الغنى لتعطى الفقير، تصل الليل بالنهار لخدمة شعبها والعمل على رفاهيته، وفوق ذلك كله.. «مش هيه اللى قتلت ريجينى والله».

بإيجاز، هم يريدون إعلامًا مروضًا، مستأنسًا، مدجنًا، لا يعطى أذنه إلا للدولة، ولا يسمع إلا أحاديث الدولة، ولا يكتب إلا بما ترضاه الدولة، حتى ترضى عنه وتباركه الدولة.

وهل يجوز سيدى أن يفعل الإعلام ما يؤمر به، أن ينقاد ولا يقود، أن يملى عليه، أن يكون مجرد بوق، مروجًا للأكاذيب، خادمًا مخلصًا فى بلاط السلطة.. هل تفعلون؟

لا تندهش إذا اعترفت لك بأن بعضنا يفعل أحيانًا، تستميله السلطة، تعطيه بسخاء، فيكتب لها لا عليها، يسير فى ركابها، يسبح بحمدها أناء الليل وأطراف النهار، ينصرها ظالمة أو مظلومة، ولا عزاء فى قاموسه لشىء اسمه الحقيقة.

وفى المقابل هناك آخرون ـ وهم كثر ـ يدركون أن للحقيقة ثمنًا، يدفعونه من وقتهم وحريتهم، يؤمنون بأن الإعلام رسالة قبل أن يصبح «سبوبة»، يطاردون ويسجنون، ليس لشىء، إلا لأنهم يعملون وفق كتاب خاص بهم اسمه: احترام الذات والمهنة.

الإعلام ليس ملاكًا، وثوبه ليس ناصع البياض كما تظن، بل كغيره، به ثقوب وبقع متسخة، ولكنه فى أغلبه، ليس عميلًا أو مأجورًا، فاعلًا وليس مفعولًا، ناقلًا للواقع وليس صانعًا له، فلا تحملونه بما لا يطيق أو يحتمل.

هذا حسن، ولكن لِمَ تناصبكم الدولة العداء سيدى؟!

تتعامل الدولة مع الإعلام على طريقة «إعلامى الحبيب الحبوب»، طالما ظل ابنًا بارًا لها، ساكنًا مطيعًا، أو بطريقة «ريا وسكينة» إذا ضل عن طريقها، ووقتها لن تتورع عن إخافته وخنقه واتهامه بأنه سبب تعاسة وشقاء المصريين، أو أنه من يحول بين الناس وبين إنجازاتها.

نعم، تريده إعلامًا خاضعًا، لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم إلا بلغة النفاق والزور، فإن لم يفعل، ألقت عليه بثقل فشلها، وعظيم إخفاقاتها، فهو سبب البلاء، مثير للفتن والبغضاء، تحركه أحقاده وأجنداته الخاصة.

سيدى، لم يقتل الإعلام الشاب الإيطالى أو يعذبه، ولم يصنع بمفرده أزمة تيران وصنافير، ولم يسحل أطباء المطرية، ولم يسجن أبرياء، ولم يرفع الأسعار أو قيمة الدولار، بل هى مكابرتهم وسوء إدارتهم، وما يجنونه الآن من تخبط وانهيار، هو باختصار: «بضاعتهم وردت إليهم».

الأفضل لدولتنا الرشيدة ألا تبحث عن مجد زائف يصنعه إعلام مزيف، بل من الأحرى أن تقف بشجاعة لتصارحنا بما أنجزته وبما أخفقته، أن تعترف بالخطأ من دون عناد، وأن تصححه من دون مكابرة، ساعتها فقط، ستجد الجميع مؤازرًا لها، ولن يعبأ أحد وقتها بمعرفة: من هو اللص الذى أكل الجبنة!
التعليقات