أوسلو - نيفين مسعد - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 10:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوسلو

نشر فى : الخميس 1 يوليه 2021 - 6:35 م | آخر تحديث : الخميس 1 يوليه 2021 - 6:35 م

ربما لا أبالغ إن قلت إن عرض الفيلم الأمريكي "أوسلو" على منصة OSN تم في توقيت هو الأسوأ على الإطلاق بالنسبة لصنّاع الفيلم، فقد جاء العرض وقد نفض الجميع أياديهم من أوسلو ومخرجاتها، وشهدت الضفة الغربية قبل أيام قليلة مظاهرات جماهيرية حاشدة احتجاجًا على مقتل المعارض الفلسطيني نزار بنات بواسطة أمن السلطة الوطنية، هذه السلطة التي انبثقت عن اتفاق أوسلو، ولأول مرة يتردد في المظاهرات هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام". كان مصرع نزار بنات هو مجرد قشة، أما البعير نفسها فقد انحنى ظهرها قبل المصرع المأساوي لنزار بوقت طويل، فما من مرة ارتفع فيها السقف السياسي حتى عاد لينخفض: الاستعداد للانتخابات التشريعية الفلسطينية ثم إلغاء هذه الانتخابات لغرض في نفس يعقوب، وتوحيد الفلسطينيين إبّان المصادمات في حي الشيخ جراح والعدوان الإسرائيلي على غزة ثم تجدُد المماحكات بين حركتّي فتح وحماس كأن شيئا لم يكن. الشعب أنضج من مسؤوليه وأصفى بصيرة. هكذا، فإن فيلم "أوسلو" وقد أراد التعريف بجهود الزوجين النرويجيين اللذين مهدا الطريق لاتفاق أوسلو، فإنه بعد أن جرت كل هذه المياه من تحت الجسور ما بين الاتفاق في ١٩٩٣ وعام ٢٠٢١ فإن السؤال المهم يصبح هو: هل كان هناك أصلًا داع لأوسلو وهل كانت هناك حاجة لجهود الزوجين النرويجيين من الأساس؟ يصف عبد الباري عطوان أوسلو بأنها كانت "مصيدة"، ويكتب حسن عصفور أحد مهندسي عملية أوسلو كتابًا عن فلسطين كدولة "على قائمة الانتظار"، وهناك مداد آخر كثير في الاتجاه نفسه. بطبيعة الحال قد ينظر البعض لنصف الكوب الملآن على أساس أن كل فيلم عن القضية الفلسطينية يساعد على إبقائها حيّة في الذاكرة ويجّدد الكلام عنها، وللأمانة فإن ابني أخبرني أنه بعد الفيلم قد صار يفهم ماذا يعني اتفاق أوسلو الذي كان يسمع به من قبل ولم يكن يعرف ماهيته بالضبط، نعم حدث هذا فعلًا لكن العبرة برسالة الفيلم، ورسالته أنه كانت هناك فرصة في أوسلو، وأن هذه الفرصة تم تضييعها.
•••
يدور الفيلم حول مونا الموظفة بالخارجية الدانماركية التي كانت في مهمة عمل بغزة وشاهدت فلسطينيًا يرشق جنديًا إسرائيليًا بالحجارة فيرد عليه الأخير بإطلاق الرصاص الحي، هذا المشهد الذي لم يفارق ذاكرتها جعلها تخلص لضرورة الحاجة إلى إنهاء الصراع، وفي الوقت نفسه فإن زوجها لارسين الذي يعمل مديرًا لإحدى مؤسسات الخبرة توصّل إلى أن اللقاءات غير الرسمية والبعيدة عن الإعلام يمكنها تقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن هنا نبعت الفكرة ثم أخذت تتبلور وتتضح معالمها. تناول الفيلم بالتفصيل تطور الإعداد لأول لقاء بين أحمد قريع وزير المالية في منظمة التحرير الفلسطينية والقيادي حسن عصفور من جانب، ويائير هيرشفيلد أستاذ الاقتصاد بجامعة حيفا ومساعده من جانب آخر بأحد القصور النرويجية الفخمة. كان اللقاء باردًا في البداية كما هو متوقع، نفور متبادل ورفض تصديق أن ما يحدث أمر واقع ولا ينتمي لعالم الخيال، تلاسُن وتجريح، شد وجذب بل وشجار ونسخ متتالية من إعلان المبادئ يلغي بعضها بعضًا بعد أن يكون لارسين قد كتبها على الآلة الكاتبة، وفي المجمل تمضي الأمور صحيح في غير سلاسة، لكنها تتقدم.
•••
يتم ترفيع مستوى اللقاءات بضم يوري سافير مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية ممثلًا لإسحاق رابين رئيس الوزارة خلال اجتماعات الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي، وفي هذه المرحلة أيضًا يشرح لنا صنّاع الفيلم العُقد المتتالية في عملية التفاوض، من أول انسحاب إسرائيل من غزة فقط أم من غزة وأريحا، وحتى وضع القدس وما إذا كانت مناقشته تؤجَل لوقت لاحق بتدخل طرف ثالث "محايد" أم لا تخضع هذه النقطة للنقاش أصلًا. أتابع سير التفاوض بتوتر من موقعي البعيد عن أوسلو في الزمان والمكان معًا، وبينما الجدل رايح جاي بين الطرفين أود لو أصرخ فى الوفد الفلسطيني بأعلى صوتي: كيف تقبلون بالتحول من حركة تحرر وطني إلى سلطة تحت الاحتلال؟ هل صادفتم محتلًا يتنازل بإرادته عن الأرض التي يحتلها حتي تصدقون أن إسرائيل سترحل إلى ما قبل حدود ٥ يونيو؟ أثناء التمشية بوّد في الحدائق المحيطة بالقصر لكسر الملل- اكتشف أحمد قريع ويوري سافير أن كلاً منهما له ابنة تحمل نفس الاسم: مايا، يوجد إذن ما هو مشترَك!
•••
عندما عُرِضت الوثيقة، التي توصل إليها المتفاوضون، على المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية اعتبرها بمثابة "هدية لعرفات تفسد السياسة الإسرائيلية في ٤٠ سنة"!، وقام بالرد عليها بطريقته. أعدّ ٢٠٠ سؤالاً بخصوص الوثيقة طرحهم جميعًا على أحمد قريع، وكان السؤال الأول وقحًا واستفزازيًا كما يلي: هل سيجمع الفلسطينيون قمامتهم فقط أم سيجمعون معها قمامة إسرائيل؟، لكن قريع أجاب على السؤال! وبعد ذلك ارتقت الأسئلة! بدأت إثارة مسائل تتعلق بما إذا كانت ستتم الإشارة إلى قرارّي ٢٤٢ و٣٣٨ فى إعلان المبادئ أم لا تتم، وهل يُنّص على الاعتراف بوجود إسرائيل أم على الاعتراف بشرعية وجود إسرائيل، وهل ستتولى إسرائيل كل المسؤوليات الدفاعية في مواجهة التهديدات الخارجية فقط أم تتولى معها التعامل مع التهديدات الإرهابية. وفي مناقشات هذه الأمور يلفت النظر أمران، الأول التقليل من وزن الدور الأمريكي في تيسير مهمة الوفدين، فعندما سأل أحمد قريع المستشار القانوني الإسرائيلي عن الوضع بالنسبة للمحادثات التي كانت تدور في واشنطون حول نفس الموضوع، رد عليه المستشار بأنها لا قيمة لها. أما الأمر الثاني فهو أن المستشار بعدما فرغ من توجيه الأسئلة قام بتغيير الوثيقة المتفق عليها مع الوفد الفلسطيني فحذف القدس وأريحا، صحيح أعيد كلاهما لاحقًا لكن هذا كان هو أول الغيث. فمع تصعيد مستوى التفاوض في المرحلة الأخيرة ليصل إلى شيمون بيريز وزير الخارجية فإنه قال جملة في منتهى الأهمية كان يُفتَرض أن تثير الانتباه، قال بيريز "باسم الغموض البناء سنقبل أن في المرحلة الأخيرة لمفاوضات أخرى طرح مسألة مستقبل القدس"! لكن الجملة لم تثر انتباه أحد.
•••
إن فيلم "أوسلو" وهو أقرب ما يكون إلى الفيلم الوثائقي الذي يحكي عن تفاصيل القناة السرية النرويجية التي انتهت إلى اتفاق أوسلو، حاول صنّاعه أن يلتزموا الحياد في عرض موقفهم من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لكن في الأثناء كانت تتسرب إسقاطات سلبية يلتقطها المشاهد بسهولة، فلقد بدأ الفيلم بإحراق العلم الإسرائيلي ورفع علم فلسطين مع أنه قبل هذه البداية الدرامية يوجد تاريخ طويل معلوم من الصراع. وعندما سافر أحمد قريع لأول مرة إلى أوسلو اشتكى لمونا من أن السفر تم على الدرجة السياحية ومن عدم وجود موكب مصاحب لسيارته، فعقبّت مونا بأن هذه الإجراءات هي من لوازم من التمويه. وحين أخذ الوفدان الفلسطيني والإسرائيلي يتبادلان النكات بعد العشاء، وتهكم مساعد يائير هيرشفيلد على ياسر عرفات كاد قريع وعصفور أن يفتكا به فتدخّل هيرشفيلد قائلًا دعونا نتفق على أن هناك نقاطًا وأشخاصًا لا نناقشهم، أمّن حسن عصفور على كلام هيرشفيلد بجملة "خطوط حمراء" ورفع الجميع كؤوسهم وشربوا في نخب هذا الاتفاق. أما حين كان يدّعي أحمد قريع بين وقت وآخر أنه يتصل بياسر عرفات في تونس ليتشاور معه فإنه في الحقيقة كان يختلي بنفسه ليفكر ولم يكن هناك تشاور مع عرفات ولا يحزنون.
•••
هكذا عشنا مع حكاية أوسلو كما رويت لنا وصورها لنا الفيلم، فهل كان فعلًا أصل الحكاية مجرد فكرة في ذهنّي زوجين محبّين للسلام أم أن الظرف التاريخي في المنطقة بعد غزو الكويت والدعم الفلسطيني له كان لابد له من أوسلو تناسبه؟

نيفين مسعد أستاذة بكليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة جامعة القاهرة. عضو حاليّ فى المجلس القوميّ لحقوق الإنسان. شغلت سابقاً منصب وكيلة معهد البحوث والدراسات العربيّة ثمّ مديرته. وهي أيضاً عضو سابق فى المجلس القوميّ للمرأة. حائزة على درجتي الماجستير والدكتوراه من كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة – جامعة القاهرة، ومتخصّصة فى فرع السياسة المقارنة وبشكلٍ أخصّ في النظم السياسيّة العربيّة. عضو اللجنة التنفيذية ومجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت. عضو لجنة الاقتصاد والعلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة. عضو الهيئة الاستشارية بمجلات المستقبل العربي والسياسة الدولية والديمقراطية
التعليقات