بين الشعوب والأنظمة: السياسة الإقليمية لمصر منذ ٢٠١١ - ياسمين فاروق - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين الشعوب والأنظمة: السياسة الإقليمية لمصر منذ ٢٠١١

نشر فى : الجمعة 2 يناير 2015 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 2 يناير 2015 - 8:00 ص

٢٠١١-٢٠١٢: العروبة هى الحل

لفترة وجيزة من الزمن، أحل التضامن الشعبى العربى محل العروبة النفعية المزيفة التى اتبعها مبارك لدرجة جعلت البعض يتحدث عن إعادة ميلاد العروبة بإرادة الشعوب وليس بقرار من النظام الحاكم الذى يريد أن يفرض توجهاته على باقى الأنظمة العربية كحال مصر فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى. ولكن اخترقت هذا الشعور العروبى بعض التفاصيل التى تفسر محدودية الدور الذى لعبه التضامن العربى فى السياسة الإقليمية بعد سقوط مبارك.

لعل أهم هذه التفاصيل هو أن اندفاع الشعوب نحو الشعور بأن مصر هى تونس أو سوريا كان فى حدود التعويل على اللحظة التاريخية دون أن يعنى ذلك إعادة تشكيل نظام إقليمى عربى جديد.

فإن الفاعلين الأساسيين فى الحراك السياسى لم يختاروا القالب العربى لربيعهم ولكن فى الكثير من الأحيان وضعوا فيه بعد حدوثه، على خلاف الثورة العربية على الحكم العثمانى خلال الحرب العالمية الأولى أو حركات التحرر من الاستعمار فى الخمسينيات والستينيات. ذلك أن تبادل الخبرات بين النشطاء العرب كان محدودا قبل ٢٠١١، لأن كلا منهم يعيش فى إطار سلطوى لا يسمح بتطوير استراتيجيات تثبت نجاحها وبالتالى تدفع الآخرين نحو الاستفادة منها بما يثرى التبادل بين المجتمعات المدنية العربية عبر الحدود.

كما أن الكثير من النشطاء سمح لهم الانفتاح على العالم الخارجى بالتواصل مع حركات التحول الديمقراطى خارج العالم العربى. وقد خلق ذلك زخما فى العلاقة بين نشطاء عرب وأجانب حول وحدة القضية وهى التحرر من السلطوية وليس الوحدة العربية. أضف إلى ذلك أن الإطار العربى جاء كرد فعل على اتجاهات السياسة الخارجية لدى الأنظمة العربية. فقد اختارت الثورات أن تسير فى الاتجاه المعاكس لاتجاه الأنظمة الحاكمة على المستويات السياسية داخليا وخارجيا. وبالتالى كانت هناك لحظة تقول بأن مصر هى تونس لمعارضة مغذى مقولة نظام مبارك بأن مصر ليست تونس، أى لإثبات العلاقة الممتدة بالثورات الشعبية على السلطوية عبر الحدود.

٢٠١٢-٢٠١٣: الإسلام هو الحل

إن هذا الحيز المحدود للعروبة هو ما سمح للإسلاميين باستغلال هذا الزخم الشعبى وابتلاعه فى مشروع الإسلام السياسى الذى ينادى أيضا بالتماهى بين الشعوب دون الاعتراف بحدود ولا بدول. فلم نسمع إبان حكم الإخوان المسلمين أن مصر ليست تونس أو سوريا. وعلى الرغم من أن تعامل مرسى مع القضايا العربية كان من منظورا إسلاميا، إلا أن مرسى لم يسعى إلى قطيعة مع الدول التى ساندت مبارك أو التى تحكمها أنظمة سلطوية. فقد امتلك نظام الإخوان مشروع الإسلام السياسى كمرجعية أيديولوجية فضفاضة تسمح بالخروج عن إطار الأنظمة الحاكمة للدول أثناء التفكير فى السياسة الخارجية. ذلك أن التعويل على الاتصال المباشر بين المجتمعات والحركات السياسية والأيديولوجية سمح لهم بفتح أبواب للسياسة الخارجية حتى فى الدول التى تحكمها أنظمة معادية للثورات. ولعل سر براجماتية الإخوان المسلمين هو أن العلاقات مع الأنظمة لا تحل محل ولا تتعارض مع العلاقات العابرة للحدود. ولذلك يكون من البراجماتية التعامل مع جميع الأنظمة وعدم المبادرة بتهديدها لأن هناك طرقا أخرى لتحقيق الأهداف لا تمر بالأنظمة الحاكمة. لذلك احتفظ الإخوان بعلاقات ودية مع أنظمة الخليج لأن معادتها أغلى ثمنا من الاستثمار فى العلاقة مع الحركات السياسية والدينية داخل هذه الدول.

٢٠١٣-٢٠١٤: الأنظمة الحاكمة هى الحل؟ الإجابة من سوريا وليبيا والعراق

نشهد اليوم ميلا فى السياسة الخارجية إلى التفكير فى حدود النظام الحاكم فى الدول الأخرى وتجاهل شعوبها. ولكن فى وقت تتحدى فيه المجموعات التى تقوم على الهوية إطار الدولة، تحتاج مصر لأن تتخلى عن تعريف علاقاتها الخارجية فى إطار الأنظمة الحاكمة وأن تنفتح على الحركات الداخلية خصوصا أن كان أقرب حلفائها فى المنطقة تستخدم هذا النمط من العلاقات فى تعميق نفوذها الإقليمى، وإذا كانت القوى الدولية تستخدمه أيضا بل وتعول على الدول التى تجيد استخدامه. لا يجب أن يحرمنا الهوس بعودة هيبة الدولة ونظرية المؤامرة التى تسيطر على التعامل مع المجتمع المدنى والمعارضة السياسية من أداة مهمة من أدوات السياسة الخارجية بشكل يجعلنا أضعف من أن نلعب دور الوسيط.

فبالنظر إلى تجارب لبنان والعراق بل وأفغانستان ندرك أن الدول الإقليمية التى تستمر فى كونها طرفا فى إدارة الصراع على المدى الطويل هى التى تتمكن من أن تبنى علاقات سياسية بل وأيديولوجية مع الفاعلين على الأرض سواء كانوا داخل النظام الحاكم أو خارجه.

وإذا كانت الولايات المتحدة تعول حاليا على الدول العربية التى تساند الضربات العسكرية ضد داعش، فهى لن تعول على نفس هذه الدول بالضرورة فيما يخص الحل السياسى طويل الأجل فى سوريا والعراق وحتى ليبيا.

إن التحرك المصرى الحالى فى هذه الصراعات يعبر عن نظرة مفادها أن اللجوء بالتفكير فى السياسة الخارجية خارج صندوق الأنظمة الحاكمة لا يعنى بالضرورة مساندة طرف بعينه من الأطراف المتنازعة، ولكن يعنى محاولة لعب دور الوسيط الذى تسمح له هويته المركبة من التدخل دون أن يكون محسوبا على أحد أطراف النزاع، على أن يكون هذا التدخل بهدف الاستبقاء على الأنظمة الحاكمة أو إعادة إحيائها. ذلك أن مصر غير قادرة على توفير المال ولا السلاح ولا المجاهدين، ولكنها قادرة على توفير الاعتراف العربى والدولى للترتيبات السياسية داخل مناطق النزاعات.

فهذا هو الدور الذى تحاول مصر أن تلعبه حاليا فى سوريا وليبيا بل والعراق، ولكن السؤال: هل تمتلك مصر مقومات لعب هذا الدور على المدى الطويل؟ إذ يتطلب ذلك تواصلا مع الفاعلين على الأرض فى إطار الدبلوماسية بالتوازى مع المسار الأمنى بما يسمح بأن تكون الوساطة المصرية مقبولة من جميع الأطراف وليس مفروضة عليها بالقوة العسكرية.

•••

لا شك أن سوء علاقة النظام الحالى بالحركات الإسلامية يعيق أدوار الوساطة التى يمكن أن تلعبها مصر فى سوريا والعراق وليبيا على المدى الطويل لأن هذه الحركات عابرة للحدود بطبيعة تكوينها وأيديولوجيتها حتى وإن لم تكن على اتصال تنظيمى مباشر ببعضها البعض. وإذا كان الاعتماد على القوة العسكرية يحقق نجاحات محدودة على المدى القصير فى ليبيا وفى سوريا، فإن مصر لن تكون طرفا فى حل هذه النزاعات على المدى الطويل لأن الجماعات الإسلامية لن تختفى من هذه الدول، على الأقل قبل أن يتم إعادة بناء الدولة بل والأمة على مدار عشرات السنين.

كما أن التعامل مع بعض أبناء القبائل فى مصر لا يجب أن يمثل نموذجا للتعامل مع أبناء القبائل فى ليبيا والتى يرفض الكثير منها، وهم من المسلحين، الاقتراب المصرى فى التعامل معهم. أضف إلى ذلك أن الحركات الإسلامية والقبائل قد تستمر كعنصر فى التحالف الحاكم داخل هذه الدول. وإن استمرت مصر فى حربها على الإسلام السياسى، فإن ذلك سوف يخرجها تدريجيا من المعادلات السياسية على المدى الطويل فى كل من ليبيا وسوريا والعراق ويحولها إلى عبء على الأطراف الإقليمية والدولية التى تبحث عن حل لهذه النزاعات.

فالحروب الأهلية فى سوريا وليبيا هى حروب تم تدويلها وتستثمر فيها أطراف إقليمية ودولية الكثير من المال والسمعة الدولية، فما الذى تمتلكه مصر لتدفع هذه الأطراف نحو التضحية بعائد هذه الاستثمارات بهدف التوصل لتوافق إذا لم تكن مصر قادرة على فرض التسوية التى تطرحها من خلال امتلاكها لشرعية سياسية تعترف بها جميع الأطراف على الأرض؟ وكيف تفرض مصر الحل على أرض الواقع إذا كان الأطراف الفاعلون فى الحرب الأهلية داخل سوريا وليبيا يرون فى النظام المصرى الحالى نموذجا للنظام الذى أسقطوه فى ليبيا ويسعون لإسقاطه فى سوريا؟ وهل تنجح وساطة مصرية تتجاهل الأطراف الإسلامية والقبائل العربية التى تساندها؟ ألن تكتشف الأطراف الدولية والإقليمية أننا لا نمتلك أدوات فرض الحلول التى نطرحها؟ إن الأطراف السورية والليبية قد تقبل الوساطة المصرية لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل مدعمة بقوة السلاح وبالاعتراف الدولى، ولكن قد ينتهى دور مصر عند هذا الحد قبل أن يتحول إلى ما كان عليه إبان حكم مبارك: مفلس وهدام.

ياسمين فاروق أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
التعليقات