عود على بدء...الاستقطاب الحدىُّ من جديد - امال قرامى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عود على بدء...الاستقطاب الحدىُّ من جديد

نشر فى : الإثنين 2 مايو 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : الإثنين 2 مايو 2016 - 9:40 م

واهم من يعتقد أن تونس بحصولها على جائزة نوبل للسلام، قد عبرت شاطئ السلام إن هى إلا فترات من الإشعاع والتألق ثم سرعان ما طفت القضايا الشائكة والمعقدة على السطح. والمتابع للشأن العام يدرك أننا إزاء تأزم شامل انطلق بالمجالين السياسى والاقتصادى ليشمل المجال الاجتماعى فالمجال الثقافى. وكلما بلغ التأزم حده وبدا انسداد الأفق عمت حالة من اليأس والإحباط لدى جميع التونسيين بمن فيهم النخب التى تمتلك سلطة القرار. وقد ترتب عن هذه الحالة النفسية تقوقع المجتمع المدنى على ذاته وكأنه ملَّ وكلَّ فَعِيل صبرُه.
فعلى مستوى ممثلى الشعب فى البرلمان سُجّلت هذا الأسبوع، أهم نسبة غياب للنواب بمن فيهم نواب حزب النهضة الذين كانوا يعدّون أهم كتلة تواظب على الحضور وكأن لسان هؤلاء: لا معنى من مساءلة وزراء الحكومة مادمنا أصحاب السلطة الفعلية فى البلاد بعد أن تشظى حزب النداء. أما المعارضة فإنها ظلت وفية لمقولة «أسمع جعجعة ولا أرى طحنا» غاية ما استطاعت فعله هو اتهام «حزب النداء بعقد نكاح متعة مع حزب النهضة».
وما يسترعى الانتباه فى عمل مختلف الجمعيّات التى تهتم بثقافة المواطنة والجمعيات النسائية والمنظمات الحقوقية وغيرها جنوح أغلبها إلى الانكباب على قضايا خاصة تتصل بمشاريعها الفردية وكأنّها قرّرت خوض غمار الاعتكاف. فهل مَرَدُّ ذلك هو قلّة الموارد بعد أن انسحب دعم الهيئات الدولية؟ هل يعود ذلك إلى الحذر من أجهزة مراقبة تمويلات الجمعيات لاسيما بعد أن أثبتت تورط عدد من الجمعيات «الخيرية» فى النشاط الإرهابى؟ هل يرجع ذلك إلى حالة من الشعور بالإحباط؟...
لقد نجم عن فتور مختلف مكونات المجتمع المدنى وتقلص التحركات المنظمة تحول «المقاومة» إلى ردود فعل جماعية أو فردية فى مواقع التواصل الاجتماعى أو فى إبداء بعض الجامعيين المنخرطين فى «النضال الحقوقى» لوجهات نظرهم فى مختلف وسائل الإعلام. وهذا الشكل من التحرّك غير المهيكل والمدروس تحفّ به مجموعة من المخاطر والمزالق لعل أبرزها استهدافهم من قبل محترفى صناعة الأعداء.
***
إن التفاعل مع وجهات النظر التى يبديها بعض المهتمين أو المهتمات بالشأن العام من موقع الانفعال والهوس الهوى والتحريف وعزل الأقوال عن سياقها العامّ كطريقة التلفظ وحركات الجسد و.. لا معنى له سوى «ضياع البوصلة» وانحسار العقلنة ومن ثم الدخول فى حالة من العنف المتبادل والسقوط الأخلاقى.
ليس استشراء العنف اللفظى والمادى والرمزى فى تقديرنا، إلا علامة على التعصب الفكرى والإرباك الحاصل على مستوى المنظومة القيمية والصراع الواضح بين مختلف الشرائح والفئات. ففى مقابل المثقف يبرز «رجل الدين» الذى يسمح لنفسه بالتشكيك فى منزلة المثقف ومرتبته العلمية وينعته من أعلى المنبر بأنّه «جاهل ودعِىٌّ وعدو الله والهوية وكاره للقرآن... «و هذا الخطاب التجييشى الذى ينتصر فى الظاهر، للقرآن وللإسلام إزاء من عبّروا عن مخاوفهم من تحويل المؤسسات التعليمية فى العطل، إلى «كتاتيب لتلقين القرآن» أو من دافعوا عن حق المثليين فى الانتفاع بحقوقهم التى كفلها الدستور وأولها الحق فى الحياة أو وقفوا منددين بالأسلمة التى تفاقمت مجالاتها بعد انكسار حزب النداء (الصيرفة الإسلامية، صندوق الزكاة...) يفهم فى ضوء الصراع الأيديولوجى حول السلطة. فـ«العلماء» الزيتونيون ومن والاهم يريدون تأسيس سلطة معرفية وتحقيق الهيمنة الكاملة على الجماهير ولن يتحقق لهم ذلك إلا بضرب المؤسسات التى تنتج معرفة مختلفة وتشويه المثقفين الذين يسلكون مناهج بحثية متنوعة.
وهكذا يبدو الرهان اليوم مرتبطا بخلخلة مواقع عدد من الذين برزوا فى وسائل الإعلام واستطاعوا التأثير فى قسم من الجمهور من خلال خطاب فضحوا فيه مأسسة الجهل، وتسلل العنف الناعم عبر قنوات ومسالك مختلفة. وبما أن التناصف وتكافؤ الفرص والمساواة الجندرية مطالب قد «ترسخت» فى تونس فقد بات تكفير النساء والرجال فى جميع الفضاءات ممارسة مُساواتية.

التعليقات