عرس الديمقراطية - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 7:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عرس الديمقراطية

نشر فى : الخميس 2 ديسمبر 2010 - 10:24 ص | آخر تحديث : الخميس 2 ديسمبر 2010 - 10:24 ص

 أحلم منذ سنوات طويلة بعرس للديمقراطية فى بلادى، لا يدب فيه الخلاف بين الحضور فيتقاتلون فيما بينهم بالشوم والأسلحة البيضاء. أحلم بعرس ديمقراطى لا يضل المدعوون طريقهم إليه أو يحال بينهم وبين دخوله ــ مع أنهم أصحابه كغيرهم من المدعوين ــ أو يتم التشكيك فى بطاقات الدعوة التى يحملونها. أحلم بعرس لا يختلف فيه المدعوون حول «شرعية» المأذون، ولا يختلى البعض فيه بموائد الطعام فيسرقها خلسة فى وقاحة يحسد عليها.

منذ أسابيع كتبت فى هذه الصفحة أحذر من مؤشرات عنف ودور تخريبى للمال فى الانتخابات، التى حلت بنا منذ أيام، ولم يكن فيما كتبته أى نوع من «النبوءة»، فالخبرة الماضية والعلامات الراهنة كانت تنطق بما سوف يحدث، وقد حدث بالفعل. سمعت ممن أثق فى موضوعيتهم أن هذه الانتخابات كانت ــ مقارنة بسابقتها ــ أقل عنفا وأكثر تسويدا للبطاقات، لكن السؤال يبقى: لماذا تشهد الانتخابات ولو أدنى درجات العنف فى بلد له خبرته الديمقراطية الممتدة قرابة قرن كامل من الزمان؟ ولماذا أصبح هذا النوع من «الشوم» و«الأسلحة البيضاء» وكأنه علامة مسجلة لأعراسنا الديمقراطية؟ ولماذا يحدث هذا فى بلادى بينما مرت الانتخابات فى بلدان عربية يفترض أنها أقل استقرارا من مصر بكثير دون حوادث تذكر للعنف؟

جرت الانتخابات كعادتنا معها وقد ضلت الغالبية طريقها إلى اللجان أو لم تعثر على اسمها ضمن كشوف الناخبين، أما المتحزبون ــ بخاصة المنتمين منهم إلى أحزاب أو قوى مهمة ــ فلهم من يرشدهم ويعد لهم كل شىء قبل التصويت، وقد تفجرت الشكوى من هذا الوضع عديدا من المرات دون أن يجد طريقه إلى الحل، مع أن الحلول ممكنة وبسيطة.

وجرت الانتخابات أيضا كما سبقت الإشارة فى مناخ من التوتر الحاد بلغ حد العنف فى عديد من الحالات، كما أوضحت ذلك صور لا تخطئها العين ولقطات حية بالغة الدلالة، وبرز المال بوجهه القبيح بوضوح تام فيها، ولا حل متصورا لهذه المعضلة حتى الآن بما يعنى للأسف أن صوت المواطن العادى سيبقى إلى حين رهينة لدى أصحاب المال. لكن الأمور فى مصر تجرى فى أعنتها، وكذب بيت الشعر لأن الحال لا يتغير بين طرفة عين وانتباهتها، فالله ــ وفقا للنص القرآنى ــ «لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». وحدث استقطاب كامل فى النظر إلى ما جرى وتقييمه، فالمسئولون يقولون فى وداعة وهدوء إلا شائبة شابت الانتخابات إطلاقا فيما ترى المعارضة أن الانتخابات باطلة أصلا، وأقصى ما يصل إليه المسئولون هو الاعتراف بحد أدنى من المخالفات لا يؤثر من وجهة نظرهم فى الصورة العامة لنزاهة الانتخابات، فمتى يجمعنا العرس الديمقراطى على كلمة سواء؟

من المبكر للغاية ــ وإلى حين توفر معلومات صحيحة وكافية ــ إصدار أحكام موضوعية ونهائية على هذه الانتخابات، لكن المؤكد أن الحزب الوطنى قد كسبها وخسر بالمقابل صفته كحزب سياسى. أشبعنا المسئولون فى الحزب منذ الانتخابات البرلمانية الماضية فى 2005 حديثا عن «المجمع الانتخابى»، وكيف أنه الآلية المثلى لاختيار مرشحين أكفاء ذوى شعبية للحزب كبديل عن «الاختيار» الفوقى لهم، ولم تكن التجربة موحية فى 2005، سواء لأن من وصل عن طريق «المجمع» لم يكن بالضرورة أفضل العناصر، أو لأن من لم يشملهم «المجمع» برحمته فروا من الحزب وفضلوا الترشح كمستقلين، وفرض الكثيرون منهم إرادتهم على الحزب بعد فوزهم، لأن الحزب كان فى أمس الحاجة إليهم للحصول على الأغلبية البرلمانية.

أما فى انتخابات 2010 فقد أحدث الحزب تجديدا جذريا فى الممارسات الحزبية بأن أحال معاركه الداخلية إلى الشارع السياسى على إطلاقه. بعبارة أخرى أخفق المجمع الانتخابى فى أن يصل إلى حالة من التراضى بين الراغبين فى الترشح باسم الحزب، فتقررت إحالة المعضلة برمتها إلى الشارع السياسى كى يفصل فيها، وكأن هذا الشارع برمته ينتمى إلى الحزب.

قيل فى تفسير ما جرى إنه «حيلة حزبية» لتفتيت الأصوات، حتى لا يفوز الخصم، وهو تبرير غريب بل وحتى مضحك لأن الأصوات، التى ستتفتت من الممكن أن تكون أصوات مؤيدى الحزب الوطنى، وقد يؤدى ذلك إلى فوز الخصوم، أو بالحد الأدنى عملهم المضاد لمنافسيهم المنتمين للحزب نفسه، وتحالفاتهم فى بعض الأحيان مع خصوم هذا الحزب ضمانا للفوز بالمقعد، والدليل الذى قدمه الحزب نفسه على خطأ فكرة تعدد المرشحين باسم الحزب فى الدائرة الواحدة أنه لم يفتح الدوائر، التى رشح فيها القيادات المهمة كمجموعة الوزراء التى خاضت المعركة الانتخابية.

ثمة ما يقلق بدرجة أشد فى هذه الانتخابات وهو أنها ابتعدت كثيرا عن السلطة القضائية وإشرافها، ومن المعلوم أن القضاء صار يلعب فى مصر فى الآونة الأخيرة دورا مهما فى تصحيح سلوك السلطة التنفيذية وتقويم اعوجاجها، ومن المعلوم كذلك أن الانتخابات الماضية تمت فى ظل إشراف قضائى كامل عكس الحالية، لكن الأخطر هو رفض الحكومة الانصياع لحكم القضاء الإدارى بشأن إلغاء الانتخابات فى عديد من الدوائر لما شابها من مقومات بطلان، وتسجيل عدد من المستبعدين من قوائم الترشيح، وهو سلوك يضع مجلس الشعب الجديد فى شبهة «عدم الدستورية»، التى لا تليق بمجلس يفترض أنه سيعاصر مرحلة اختيار رئيس الجمهورية القادم. ومن المفارقة أن الحكومة، التى رفضت تنفيذ أحكام قضائية تتعلق بتصحيح مسار العملية الانتخابية هى نفسها الحكومة، التى طلبت من النائب العام التحقيق فى ترشح عدد كبير من المواطنين المنتمين إلى ما تسميه الحكومة بـ«المحظورة» علما بأن هذا يحدث منذ عقود، فماذا لو أن التحقيق قد أفضى إلى الاستجابة لمطلب الحكومة؟ هل ستقبل الحكومة فى هذه الحالة نتائجه وتعمل وفقا لها فيما رفضت الانصياع إلى أحكام تمس جوهر العملية الانتخابية، ومع أن استبعاد مرشحى «المحظورة» ــ أيا كان الموقف منها ــ يعنى أن المعضلة التى تمثلها فى النظام المصرى سوف تبقى: قوة سياسية مؤثرة لا يوفر لها النظام السياسى إطارا شرعيا للحركة.

يبقى مستوى المشاركة الشعبية فى الانتخابات والأمر كذلك مفهوما، فالأرقام الرسمية تشير إلى أن نحو ربع الناخبين المقيدين فى الجداول الانتخابية هم فقط الذين أدلوا بأصواتهم. أما المراقبون الميدانيون فقد قدروا النسبة بـ13% كحد أقصى و4% كحد أدنى، فما الذى يفسر هذا التدنى الرهيب فى المشاركة السياسية للمواطنين علما بأن هذا التدنى ليس وليد هذه الانتخابات تحديدا؟ واقع الأمر أن شعور المواطن بـ«الاقتدار السياسى» قد انتهى، فهو يعلم أن صوته أو أصوات غيره لن تؤثر فى البنية العامة «المستمرة» للانتخابات.

أو لعله فقد الثقة فى الأحزاب جميعا أو أن كسب قوته اليومى يطحنه طحنا، فلا يجد ثغرة من وقت لرفاهية المشاركة فى «عرس الديمقراطية»، وما لم تجد هذه المعضلة حلا لن يكون ممكنا أن تجىء فى مصر مجالس تمثيلية تعبر عن الإرادة الشعبية.

ما زال الحديث إذن عن «عرس الديمقراطية» فى بلادى يحتاج وقتا وأياما وشهورا قبل أن نصدر عليه أحكاما نهائية على ضوء ما سيتوافر من معلومات مؤكدة، وإن كانت المؤشرات الأولية تكفى لتبين النموذج العام للانتخابات. فإلى أن يحين وقت هذا الحديث ندعو الله ألا يرينا مكروها فى عرس ديمقراطى لدينا.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية