على الجسر بين عامين ملفات ملغمة وهواجس معلنة. أخطر الملفات مستقبل الحرب على الإرهاب وأهم الهواجس خرائط الإقليم بعدها.
فى المشهد المتحرك احتمالات لتسويات مراوغة فى سوريا وليبيا واليمن وتساؤلات قلقة عن المستقبل فى العراق ولبنان.
باستثناء الإدراك الدولى العام لأهمية إنهاء ظاهرة «داعش» بعدما وصلت نيرانها إلى قلب أوروبا لا توجد تفاهمات شبه صلبة فى الحروب المفتوحة.
لم تكن التفجيرات الإرهابية التى هزت باريس حدثا يمكن تجاوزه لكنه لم يؤسس لنظرة واسعة إلى مستقبل الإقليم.
عندما يغيب النظر المشترك فكل شىء متوقع.
وعندما تخفت التفاهمات فتمزيق الخرائط محتمل.
بعد التفجيرات تأهبت أوروبا لأيام صعبة مقبلة وتواترت تصريحات قادتها بالاستعداد لحرب أكثر جدية مع الإرهاب.
لم يعد ممكنا انتظار موجات هجرة أخرى عبر المتوسط إلى مدنها ولا التواطؤ على تسليح وتمويل التنظيمات المتطرفة.
غير أن مدى التواطؤ وعمق التورط فيه يحول دون أى مساءلة جدية.
شىء جوهرى آخر تغير فى قواعد اللعبة بالتدخل الروسى المباشر على المسرح السورى.
كان هذا موقفا مربكا للأوروبيين فى الاقتراب من تفاعلات الإقليم وسيناريوهات مستقبله.
حيث أبدت موسكو حزما فى سياساتها افتقدت واشنطن أية قدرة على المبادرة.
فى الفجوة تداخلت المواقف والسياسات على نحو مثير.
بدا لافتا إعلان باريس بعد التفجيرات التى هزتها عن عمليات عسكرية مشتركة مع موسكو ضد مواقع لـ«داعش» فى سوريا.
لم يكن ذلك انقلابا استراتيجيا بقدر ما كان سعيا لحرب أكثر جدية مع «داعش».
تفجيرات باريس أفضت إلى تحفيز «مفاوضات فيينا» للوصول إلى تسوية سياسية فى الأزمة السورية تضع الحرب مع الإرهاب على مسار جديد.
هناك اعتقاد دولى بأنه يستحيل حسم هذه الحرب دون تسوية سياسية للأزمة السورية.
ما طبيعة التسوية ومستقبلها؟
وكيف تحل عقدة «بشار الأسد» المستعصية؟
وما فرص حرب مشتركة يخوضها الجيش السورى والمعارضة المسلحة ضد «داعش» و«جبهة النصرة»؟
السؤال الأخير الأكثر صعوبة فى الحسابات كلها.
الدماء التى أريقت على الجانبين تدفع للاعتقاد أن مثل هذا الاحتمال يكاد يتطلب معجزة.
كما أن تحالف أطراف فى المعارضة مع «جبهة النصرة» التى تنتمى لتنظيم «القاعدة» يحتاج إلى معجزة أخرى لنقل التحالف من جهة إلى أخرى مضادة.
لن يكون هناك شىء سهل فى مفاوضات تشكيل حكومة التوافق الوطنى ولا فى ميادين القتال.
إذا لم يكن هناك حزم دولى فالتسوية المراوغة سوف تتهاوى كأوراق خريف عند أول هبة ريح.
مثل هذا الحزم يصعب التعويل عليه بالقياس على حجم التناقضات بين الأطراف التى ترعى التسوية وكل شيء سوف يخضع للمساومة وفق موازين القوى المتغيرة.
بصورة أكثر علنية فإن إسرائيل سوف تطل على المشهد السورى طلبا لحصة عند توزيع جوائز التسوية دون أن يسألها أحد عن الجرائم ضد الإنسانية التى ترتكبها بحق الفلسطينيين ولا عن رفض حكومتها لأية تسوية مقاربة تفضى إلى تنازلات.
رغم التراجع الفادح الذى وصلت إليه القضية الفلسطينية، فإنه يصعب الحديث عن أية تسويات شبه صلبة لأزمات الإقليم دون وضع حد لمعانتها الطويلة.
هذه حقيقة أكدت نفسها على مدى العقود المتعاقبة.
بالقدر نفسه فإن المصير السورى مرتبط إلى حد كبير بنظيره العراقى.
التقدم الميدانى المتوقع فى العراق ضد تمركزات «داعش» سوف يلعب دورا حاسما فى تحفيز الحرب نفسها بسوريا.
غير أن السؤال هنا: على أى وضع سوف يستقر العراق؟
السيناريوهات كلها مفتوحة، بعضها يعيد إنتاج الحرب الأهلية المذهبية وبعضها الآخر لا يستبعد مقاربة أخرى للأزمة العراقية.
كل شىء سوف يخضع لألعاب القوى الكبرى.
فيما تنخرط بدرجات مختلفة بعض الأطراف العربية فى الأزمة السورية، فإن حضورها يكاد يكون خافتا تماما فى الأزمة العراقية.
بافتراض حلحلة الأزمة السورية فإن الأمور سوف تتحسن فى لبنان وتبتعد إلى حد كبير أشباح الانجراف إلى الفوضى.
لا يستبعد فى هذه الحالة إنهاء أزمة «الشغور الرئاسى» وتعطل مؤسسات الدولة عن الوفاء بمهامها الطبيعية.
المشرق العربى كله مشدود إلى بعضه الآخر وجودا ومصيرا.
نحن نتحدث عن قلب العالم العربى.
بقدر تعافيه فإن أزمتى ليبيا واليمن يمكن حلحلتهما فى مدى منظور.
بأى حساب دولى فالأزمة الليبية تنذر بتمركز جديد لـ«داعش» وتنظيمات تكفيرية أخرى فوق أراضيها.
الحسم السياسى يستبق العمل العسكرى.
غير أن مثل هذا الحسم يصعب توقعه بالنظر إلى تعقيدات الأزمة وأطرافها.
كما فى الحالة السورية فإن هناك قرارا آخر من مجلس الأمن يحدد قواعد التسوية السياسية للأزمة الليبية.
فى الحالتين للموازين على الأرض كلمتها الأخيرة.
إذا لم يتسن لحكومة الوفاق الوطنى المتوقعة القدرة على ضبط الأمن، فإن أحاديث التسوية سوف تتبدد بأسرع من أى توقع.
الأمن يعنى بالضبط نزع سلاح الميليشيات وتوحيد مؤسسات القوة وتوجيه السلاح ضد الجماعات الموصوفة بالإرهاب مثل «داعش» و«أنصار الشريعة».
هذه مهمة ليست سهلة، فبعض الميليشيات التى سوف تشارك فى الحكم متحالفة مع بعض التنظيمات التى تدمغ بالإرهاب.
هناك فارق جوهرى بين حسابات غرف التفاوض وحسابات القتال على الأرض.
رغم صدور قرار ثالث من مجلس الأمن يتبنى تسوية الأزمة اليمنية سياسيا وفق المرجعيات المتعارف عليها، إلا أنه يصعب وصفها بـ«الأزمة الدولية» كالسورية وبدرجة أقل الليبية.
هذا يعرقل استحقاق التسوية ما لم تتوافق الأطراف الإقليمية.
بكلام مباشر يصعب تماما تسوية ملف دون آخر بالنظر إلى تقاطع المصالح والاستراتيجيات، بأى سيناريوهات ممكنة لم يعد مستبعدا إجراء حوار سعودى ــ إيرانى على خلفية الأوضاع التى تستجد ولا مقبولا التأخر المصرى فى الحديث مع إيران التى تطرق الأبواب دون كلل.
التساؤل الأكثر جوهرية عند مطلع عام جديد هو مدى قدرة العالم العربى على صياغة مواقف مشتركة من نقاط الاتفاق والخلاف مع إيران.
(٢٠١٦) هو عام التسويات المراوغة التى تضع كل الاحتمالات والسيناريوهات تحت الاختبار.
نقطة البدء الأزمة السورية التى هى عقدة الموقف كله فى الإقليم.
بقدر التقدم فى تسويتها تفتح الأبواب المغلقة أمام الأزمات الأخرى.