أزْمَـــــة - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزْمَـــــة

نشر فى : الجمعة 3 يونيو 2022 - 8:10 م | آخر تحديث : الجمعة 3 يونيو 2022 - 8:10 م

تُوالي الصحفُ نشرَ عناوين مثيرة حول إلقاء القبض على رجال ونساء، استطاعوا جمعَ مبالغ مالية هائلة عن طريقِ النَصب والاحتيال. تطلَّع الضحايا لمكسبٍ سهلٍ سريع، في ظلّ أزمةٍ اقتصاديةٍ عنيفة زلزلت الأسواقَ، وأنهكت الجيوبَ، وقلَّصَت المُدَّخرات.
• • •
تُضافُ أزْمةُ المُستَريحين والمُستَريحات إلى أزماتِ ثقةٍ حقيقيةٍ ومُتنوعة، فمصادر المُخادَعة قد تعدَّدت، والأداء العام مُفتقر للمِصداقية والشفافية، ولا شكَّ أن المجتمعَ القائمَ على التلاعب في مُجمَل ثقافتِه، يورث أفرادَه شعورًا مُزمنًا بانعدام الأمان، بل ربما أفقدهم الثقةَ في أنفسِهم، فأقعدهم عن الفعل المُنجِز، وألزمهم أماكنَهم، أو جذبهم بعض الأحيانِ إلى الوراء.
• • •
الأزمةُ في قواميسِ اللغةِ العربيةِ هي الشدَّة والضيق، وأزَمَ العامُ أي اشتدَّ على الناس فأرهقهم، وإذا قيل أزمَ الرَّجلُ البابَ فالمعنى أنه أغلقه.
• • •
ثمَّة أزماتٌ مَحليَّة وأخرى إقليمية أو دولية؛ الحربُ الدائرةُ رحاها الآن أزمةٌ، والبلدان التي تعاني جراء نشوبها تكافح من أجلِ الصمودِ والتعافي، بينما ميزان القوةِ في العالمِ مُتأرجِح، والتحالفاتُ المُعتادةُ قد فقدت استقرارَها وثباتَها، وبات على كثيرِ الدُّول أن تختارَ إلى مَن ستنضَمُّ مُستقبلًا ومع أيّ قوة صاعدة أو مُتربصة ستتحالف. الأزمَةُ عامةٌ عابرةٌ للحدود الجغرافية، والكوكبُ في حال الفوران.
• • •
أزماتٌ كثيرةٌ في حياة الأشخاصِ تمُرُّ وتمضي، لكنها تخلف ذكرياتٍ لا يُحبَّذ لها أن تتكرَّرَ مهمًا كان الثمن. قد يُصاب الشَّخصُ بأزمةٍ نفسيةٍ عميقةٍ تودي بسلامِه الداخليّ وتعوق مسيرته، وقد تغدو على النقيضِ عاملَ حَفْزٍ يساعده على تحقيقِ انتصاراتٍ ولو صغيرة.
• • •
إذا شحَّ الطعامُ كانت أزمَةٌ، وإذا نقصَ الوقودُ مثَّلَ بدوره أزْمَةً أعمق وأنكى، أما إذا تعلَّق الأمرُ بالموارد المائيةِ فخطر داهم لا يُمكِن التغاضي عنه؛ إذ البشريةُ لم تتقدَّم بالقدر الذي يجعلها تعوّل على استخدامِ بديل. سمعنا عديدَ التصريحاتِ وشاهدنا كثيرَ اللقاءاتِ، وتداولنا وأدلينا بآرائنا وكأننا خبراءٌ.
• • •
لا نكُفُّ في حِواراتنا عن ذِكر أزمْةِ أخلاقٍ؛ تبدَّلت وتغيَّرت وانحدرت في السنواتِ الأخيرة، ولوَّن تدنيها مُفرداتِ الحياةِ اليومية. طالت الاتهاماتُ أهلَ الفنونِ على تبايُنها واختلافِ مَضارِبها، ومِن أجل تقويمهم تكوَّنت لجانٌ تنظر وتبحث وتفحص، تضع الخطوطَ البيضاءَ والخضراءَ والحمراءَ، تزِنُ الهيئةَ وتُعلق على المَلبس وربما تفتي في تصفيفاتِ الشعور، بل وتطلب تغييرَ الأسماءِ ما خدشَت مسامعَها. تريد أن تفرضَ صورةً مِثاليةً لا وجود لها، والحق أن المثاليةَ في ذاتِها وَهمٌ، والساعي لفرضِها ضَيّق الأفقِ، غافل عن جوْهَر الحياة .
• • •
درجنا على القولِ بأن السينما تمُر بأزمَة، ومثلها المسرح والدراما بوجهٍ عام. لا يقع اللومُ في ظني على ظروفٍ تمويليةٍ سيئة، ولا على رغباتِ جمهور ضجَّ وتمرَّد، ولا على أوضاعٍ اجتماعيةٍ يعوزها الاستقرار؛ لا على هذا ولا ذاك، فالمعاناة في معظم الأحوال تخلق الإبداع وتصهره في بوتقتها، فإذا بدا الإنتاج في غالبه فقيرَ المُحتوى مُتواضع المُستوى، كان السببُ ظنًا يتعلق بمحاولاتٍ حثيثةٍ للسيطرة على فضاءِ الأفكار، وبثّ رسائل بعينها تجعل العملَ الدراميّ بمنزلة كتاب دراسيّ مُمِل، مُباشر ومَمجوج. الأصلُ في الفَنّ ألا يحكُمه قيد، والأزمةُ في هذه الحال مَصنوعة مُتعمَّدة.
• • •
كثيرًا ما تُوصَف أزمَةٌ بأنها خانقةٌ، تستعصي معها مُمارسةُ الطقوسِ اليومية العادية. ثمَّة أزمَةٌ مَاليةٌ، تُوقِع المَرءَ في شُركٍ لا طاقة له به؛ تضغطُ الصدرَ وتُحني العنُقَ وقد تكسره. ربما أصبح الاختناقُ قرينَ أزمَةٍ عاطفية أيضًا، وقد تطرَّقت الدراما مِرارًا لأشهرها: أزمَةُ مُنتَصفِ العمر. يطرُق الرَّجلُ بابَ أخرى زاهدًا في زوجِه، يسعى لعلاقةٍ تُجَدّد ثقتَه بنفسِه وتمنحه شعورًا بالاستمرارية في كاملِ رونقِه وبهائِه، تؤكد حضورَه وتُبعِد عنه شبحَ الأفول. الشعور بالخواءِ وبانقضاءِ أعوامِ الزخمِ لم يعد قاصرًا على مرحلةٍ سنيةٍ مُتأخرة، بل زَحَفَ على الأصغر عمرًا، فأورثهم كبرًا لم يحِن بعد، وترك أرواحَهم شائخةً قبل الأوان.
• • •
لا تُذكَر الأزمةُ إلا وتبادرت إلى الذهن أزمة ربو ترهق الأنفاس، وأزمة قلبية قد تنهي العمر في لحظات. كلتاهما تتأثر بما يصيب النفس من صدوعٍ، وكلتاهما تحتاج إلى شيءٍ مِن الراحةِ وهدوءِ الأعصاب، وتلك مِن الرفاهة التي صار الحصول عليها عسيرًا.
• • •
يدور الحديث بين الحين والآخر حول أزمَة سُكَّان سواءً كانت بالزيادة أو النُقصان. ثمَّة بلدان تعاني من انخفاضِ النمُو السُكانيّ وأخرى تعاني الانفجار؛ والمَشجب الذي تعلق عليه الحكوماتُ أزماتٍ تعجز أمامها؛ هو زيادةُ التعدادِ بما يستنزف المواردَ ويُجهِض مُراكمةَ الفائضِ من الإنتاج، والثابتُ أن هذه المسألةَ قُتِلَت جَدلًا ونقاشًا؛ فالبشر قد يمثلون عبئا اقتصاديًا مُرعبًا، وقد يصبحون أداةَ تنميةٍ وبناء؛ والحدُّ الفاصلُ هو رؤيةُ الدولةِ لهم وللمُستقبل.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات