فن السؤال - محمد زهران - بوابة الشروق
الخميس 5 ديسمبر 2024 5:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فن السؤال

نشر فى : الأحد 5 مارس 2017 - 12:05 ص | آخر تحديث : الأحد 5 مارس 2017 - 12:05 ص

 

الكثير من الناس للأسف لا يتقنون فن السؤال ولهذا أسباب عدة: منهم مثلا من لا يرى في ذلك أية أهمية (يقولون دعنا نسأل السؤال بأية طريقة وإذا لم نفهم سنعيد السؤال بطريقة أخرى!!) ومنهم من يأنف من السؤال حتى لا يُعرف بأنه لا يعلم وهناك من يهاب السؤال لعدم ثقته الكافية في نفسه وخوفه من أن يفصح السؤال عن جهل أو غباء وأخيراً منهم من يتكاسل عن السؤال لأن المعلومة التى يريدها يمكن أن تنتظر أو هو ليس متحمس بالقدر الكافي لبذل مجهود السؤال والحصول على المعلومة ... وهناك طائفة أخرى من الناس تسأل ولكن لا تحسن فن السؤال لعدم معرفتهم أن السؤال له قواعده وفنونه ...

 

هناك أيضاً تأثير مجتمعى ضار قد لا نلاحظه وهو أننا نكافئ دائماً من يجيب وليس من يسأل، الأطفال تسأل كثيراً حتى يمل الآباء وينهرونهم، المعلمون في المدارس تكافئ التلاميذ التى تجيب عن الأسئلة وليس من يسألون (همسة صغيرة للمعلمين: شجعوا التلاميذ على السؤال وكافئوا من يسأل منهم سؤالاً بارعاً ولا توبخوهم على أسئلة غير موفقة ... هذا له تأثير طويل المدى.) ويستمر هذا التأثير المجتمعى بعد التخرج في العمل حيث تتم مكافأة من يجيب وليس من يسأل ... فليس من الغريب إذاً أننا لا نتقن فن السؤال ...

 

ما هى أهمية السؤال؟ عادة نسأل كى نستعلم عما غمُض عنا من معلومات في موضوع ما أو نسأل كى نستزيد من معلومات وهنا يكون السؤال لشخص آخر أو مجموعة أخرى ... وقد نسأل كنوع من التفكير عندما نحاول حل مشكلة ما علمية كانت أو غير ذلك وهنا يكون السؤال لأنفسنا أو للمجموعة التى نعمل معها كنوع من العصف العقلى أوالذهني (ترجمة حرفية ل brain storming  ولسبب ما لا أحبها ولكني مضطر لاستخدامها لشيوعها!) ... للأسف حتى هذا النوع من أسئلة العصف العقلي بدأ يقل لأن في مجال الأعمال يكون الضغط للوصول إلى حل سريع كبيراً نظراً للسباق المحموم في ريادة الأعمال ولهذا الوصول إلى نتائج أسرع أصبح أهم من التمهل وطرح المزيد من الأسئلة للتعمق في الموضوع  وتكون النتيجة إتخاذ قرارات خاطئة في أحيان كثيرة ... لا نتناول هنا في هذا المقال الأنواع الأدبية من الأسئلة مثل السؤال الاستنكارى مثلاً.

 

مع كل هذه الصعوبات علينا أن نعمل ما نستطيع كي نعيد للسؤال عرشه المفقود ولفن السؤال أهميته الضائعة ...

 

كيف نسأل؟ أول شئ في فن السؤال هو معرفة الهدف من السؤال وهناك عدة أهداف: أولاً هناك السؤال التوضيحى وهو عندما تريد من المتكلم بيان معلومة قالها بدقة أكثر أو بيان السبب الذى من أجله فعل فعلاً معيناً، هنا يكون السؤال "ميكروسكوبياً" أى يدقق في المعلومة، هذه النوعية من الأسئلة مهمة لأنه من غيرها تظل المعلومة ناقصة وستحتاج لملء هذا الفراغ إلى الاستعانة بالاستنتاجات، ها هى أمثلة من هذه النوعية من الأسئلة: "هل من الممكن أن تتكلم باستفاضة في هذه النقطة" أو "ما هو القانون الذى استخدمته في هذا التطبيق؟" إلخ... ثانياً: هناك أسئلة الربط وهى محاولة ربط المعلومة بمعلومة أخرى أو تطبيق المعلومة في مجال آخر مثل "كيف يمكن تطبيق هذه الفكرة الرياضية في هذا المجال من الفيزياء؟" أو "كيف يمكن تطبيق هذه النظرية الفيزيائية في بناء حاسبات فائقة السرعة؟" أو "كيف يمكن تطبيق هذه النظرية من علم النفس على الأحداث التى حدثت في تلك البلدة؟" إلخ وهذه النوعية من الأسئلة تفيد جداً في تعميق الفهم وكذلك في إيجاد أفكار جديدة ومبتكرة ...  

ثالثاً هناك الأسئلة التعميقية وتهدف إلى زيادة فهم الفكرة أو المعلومة عن طريق تحديها (أو كما تسمى في بعض الأحيان محامي الشيطان أو Devil’s advocate) مثلاً "لماذا قمت باستخدام تلك النظرية بدلاً من تلك؟" أو "كيف استخدمت هذا القانون دو أن تعرف هذا المكون؟" هذه النوعية من الأسئلة ستعمق فهمك للموضوع وستجعلك تكتشف نقاط الضعف في المعلومة وتحاول معالجتها أو توضيحها ونرى هذه النوعية من الأسئلة غالباً في مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه وفي المؤتمرات العلمية.

وأخيراً أسئلة توسعية وهى محاولة وضع المعلومة في إطار أكبر لترى الصورة الكاملة وترى كيف تتفاعل مع بقية المعطيات وهذه الطريقة في السؤال تجعلك ترى آثاراً جانبية للفكرة أو المعلومة لم تكن ترها من قبل ويجعلك ترى علاقة المعلومة الجديدة بمعلومات أخرى وهذه من أهم طرق القراءة العلمية (وقد تحدثنا عن القراءة العلمية في مقال سابق هنا) مثال على هذا النوع من الأسئلة: "كيف يتفق هذا القانون وقوانين فيزياء الكم؟" أو "هل هذا التعديل في التصميم يتفق وقدرات مصنعنا؟" أو "هل هذه السلعة هى ما يحتاجها مواطنو هذه الدولة؟" إلخ.

 

معرفة نوع السؤال الذي تريد أن تسأله هو أول خطوة في فن السؤال يتبعه طريقة السؤال، يجب أن تسأل السؤال بطريقة ودودة وليس بطريقة هجومية لأن الهجوم يجعل المسؤول في وضع المدافع وهذا يفقده حياديته لكن إذا سألت السؤال بطريقة ودودة ذلك يجعل المسؤول يستفيض في الإجابة وهذا يعطيك معلومات أكثر مما كنت تتمناه.

 

الدقة في طرح السؤال من أهم العوامل المؤثرة على جودة الإجابة فكلما كان السؤال عاماً كانت الإجابة عامة هى الأخرى وبالتالي غير مفيدة بالقدر الكافي، مثلاً "كيف يمكن تطبيق هذه الفكرة في هذه الدولة؟" سؤال عام والأفضل منه "كيف يمكن تطبيق هذه الفكرة في هذه الدولة مع وجود هذه المعوقات في هذه الدولة والفكرة تحتاج إلى كذا وكذا؟"، في أول محاضرة من العام الدراسي أحب دائماً أن أتكلم مع الطلبة عن فن السؤال وأقول لهم أن جملة مثل "لم أفهم كذا هل يمكن أن تعيد الشرح؟" لا يُعد سؤالاً ولكنه يعني إما أننى محاضر سيئ أو أنك كسول ولا ترغب في بذل بعض المجهود قبل السؤال، السؤال الأفضل هو "ما فهمته من هذه النقطة هو كذا  ولكنني لا أفهم لماذا هى مركبة بتلك الطريقة؟"

 

أخيراً فن الاستماع للإجابة من أهم العوامل المؤثرة في الحصول على المعلومة وفهمها بعمق و سنفرد لهذه النقطة بالذات مقال مستقل ولكن الإنصات بتمعن وإتباع الإجابة بأسئلة أخرى من الأنواع التى ناقشناها تساعدك على الفهم وتجعل المسؤول يحس بإهتمامك فيحاول مساعدتك وهى وسيلة غير مباشرة لشكره بأن تجعله يعرف أن مجهوده في الإجابة لم يضع هباء. 

 

 

في عدد مارس 2015 من المجلة الشهيرة Harvard Business Review  مقال مهم عن فن السؤال أوردنا بعض المعلومات منه في هذا المقال خاصة عن أنواع الأسئلة، عنوان المقال:

 "Relearning The Art of Asking Questions" أو "إعادة تعلم فن إلقاء الأسئلة" ...

يوجد أيضاً كتاب مهم بعنوان "Asking the Right Questions: A Guide to Critical Thinking" أو (إلقاء الأسئلة الصحيحة: دليل للتفكير النقدي) لمؤلفيه  M. Neil Browne   و   Stuart M. Keeley وهو كتاب يدرس في الكثير من الفصول الدراسية لتعليم الطلاب كيفية التفكير النقدي وأساليب التحليل ... الحقيقة هناك مالا يعد ولا يحصى من المقالات والكتب التى تتحدث عن فن الأسئلة وهى مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالتفكير النقدي.

 

بدون السؤال لن نعرف أو لن نعرف جيداً ومن يرضى بالجهل أو بنصف العلم فسيقل تأثيره في هذا العالم حتى وإن وصل إلى أكبر المناصب ونال شهرة واسعة ...

 

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات