تحديات فى طريق الثورة الصناعية الخامسة - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 5 يوليه 2025 11:27 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من أفضل فريق عربي في دور المجموعات بمونديال الأندية؟

تحديات فى طريق الثورة الصناعية الخامسة

نشر فى : الجمعة 4 يوليه 2025 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 4 يوليه 2025 - 7:25 م

الهدف الأساسى من مقالاتنا التى امتدت حتى الآن لأكثر من عقد من الزمان هو وضع القارئ الكريم ليس فى مقعد المتفرج، ولكن فى دور المشارك، حتى وإن كانت المشاركة عن طريق طرح الأسئلة أو الاستزادة من القراءة فى موضوع معين أو اتخاذ قرار فى كيفية التعاطى مع تكنولوجيات جديدة تدخل حياتنا، لذلك كانت هناك مقالات عديدة عن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى فى السنوات الثلاث الماضية لأن تلك التكنولوجيا اقتحمت حياتنا اقتحاما لم يحدث مع أى تكنولوجيا سابقة. 

التكنولوجيا تخرج من رحم العلم لذلك كان لزاما علينا أن نتحدث عن العلم والثقافة العلمية والطريق الذى يقود من العلم إلى التكنولوجيا، وكانت هناك مجموعة من المقالات تتحدث عن ذلك. كل ذلك يخرج من رحم معامل الأبحاث سواء الحكومية أو الجامعية أو فى الشركات، وحيث إن كاتب هذه السطور يعمل فى المجال الأكاديمى فقد خصصنا مقالات عديدة عن الحياة الأكاديمية سواء من منظور البحث العلمى أو التدريس. كل ذلك يقوم على أكتاف العلماء، لذلك بدأنا تلك المقالات بالحديث عن بعض النجوم الساطعة فى مجال العلم لكن ركزنا على علمائنا فى الداخل فى المائة سنة الأخيرة تقريبا.

اليوم ننظر نظرة كلية على عالم التكنولوجيا وكيف يغير العالم وإلى أين يتجه. وأفضل وسيلة لدراسة ماضى وحاضر ومستقبل التكنولوجيا هو دراسة الثورات الصناعية، لقد تكلمنا عنها سريعا وباختصار فى مقال سابق (راجع مقالنا «الثورات الصناعية وتأثيرها على العالم» بتاريخ 25 إبريل 2020)، أما اليوم فنستخدمها كوسيلة لمعرفة أين نسير فى طريق التكنولوجيا وماذا نتوقع.

• • •

الثورة الصناعية باختصار وتبسيط هى تغير سريع وكبير فى حياتنا نتيجة لظهور تكنولوجيا جديدة. هذا التغيير يصل إلى كل مناحى الحياة تقريبا وبالتالى يؤثر على الحياة اليومية للناس وعلى بيئة العمل وبالتالى على الاقتصاد، أى إن العالم بعد ثورة صناعية يختلف عنه قبل تلك الثورة.

مر على العالم أربع ثورات صناعية:

     •    الثورة الصناعية الأولى (نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر): وهى الفترة التى شهدت استخدام القوة البخارية وبالتالى ميكنة كثير من الخدمات. هذا أدى إلى استخدام الماكينات بدلا من اليد العاملة فى كثير من المصانع مثل الغزل والنسيج.

     •    الثورة الصناعية الثانية (من القرن التاسع عشر وحتى بدايات القرن العشرين): تميزت باستخدام الكهرباء مما ساعد على رفع كفاءة الماكينات وبالتالى زيادة الإنتاج فى المصانع زيادة كبيرة.

     •    الثورة الصناعية الثالثة (من ستينيات القرن العشرين وحتى الآن): ظهور الكمبيوتر والأجهزة الالكترونية مما ساعد على رفع كفاءة الإنتاج نتيجة التصنيع الآلى، وتتميز هذه الثورة أيضا ببداية ظهور الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة، نستطيع أن نقول إننا بدأنا عصر الرقمنة.

     •    الثورة الصناعية الرابعة (من بدايات القرن الواحد والعشرين وحتى الآن): وتشهد ظهور الذكاء الاصطناعى على مدى واسع وساعد على ذلك زيادة كفاءة الأجهزة الالكترونية وبالتالى أجهزة الكمبيوتر بجميع أشكالها، وهنا بدأنا نسمع عن أجهزة الروبوت وانترنت الأشياء وعصر البيانات الغفيرة (big data).

مما سبق نرى أن الثورات الصناعية ليست فترات منفصلة، لا نستطيع أن نقول إن فى هذا العام توقفت ثورة صناعية وبدأت أخرى، نحن نعيش تأثير الثورتين الصناعيتين الثالثة والرابعة.

لكن نحن أيضا نشهد ولادة وتبلور الثورة الصناعية الخامسة.

• • •

الثورة الصناعية الخامسة بدأت تظهر بوادرها لكنها لم تصل بعد إلى مداها. هذه الثورة الوليدة تعتمد مثل الثورة الرابعة على الذكاء الاصطناعى وانترنت الأشياء والبيانات الوفيرة والروبوت لكن بطريقة أكثر تقدما، الذكاء الاصطناعى أصبح أكثر قوة نتيجة تقدم أجهزة الكمبيوتر وبالتالى أجهزة الروبوت أصبحت أكثر كفاءة ويمكنها أن تتعاون فيما بينها.

الاختلاف الأكبر عن الثورة الرابعة أن الثورة الخامسة تضع الانسان فى المركز، أى إن التقنيات التكنولوجية الحديثة ستقتحم حياتنا بدرجة أكبر بكثير من الثورات السابقة، أى إننا على أعتاب عصر التكامل بين البشر والآلة. الانسان له صفات وملكات لن تمتلكها الآلة (رجاء مراجعة مقال «الذكاء الاصطناعى الخارق ليس قريبًا» بتاريخ 2 مايو 2025) والآلة لها قدرات تفوق البشر فى بعض المجالات، لذلك فأفضل النتائج تتحقق فى التكامل بين البشر والآلة. كيف يحدث هذا التكامل هو سؤال لم نصل للإجابة النهائية عنه بعد، لكننا نكتسب خبرة فى التعامل مع برمجيات الذكاء الاصطناعى يوميا وبالتالى تتحسن قدراتنا على التعاون مع الآلة. 

الثورة الصناعية الرابعة هدفها زيادة الإنتاج وبالتالى زيادة الربح، أما الثورة الخامسة فتركز أكثر على رفاهية البشر وصحتهم، أهو هكذا تأمل. لكن كى تصل تلك الثورة إلى هدفها يجب أن تتغلب على بعض التحديات:

     •    استخدام أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة يستهلك كمية كبيرة من الطاقة كما بينا فى مقالات سابقة، والعالم يواجه مشكلة طاقة. توليد الطاقة النظيفة وبتكلفة معتدلة هى من أكبر التحديات التى تواجهها الثورة الصناعية الخامسة.

     •    نفس تلك الحاسبات فائقة السرعة تحتاج إلى تبريد، وهذا يستلزم كمية كبيرة من المياه، مما يهدد بمشكلة بيئية.

     •    الشركات متعددة الجنسيات التى تمتلك التكنولوجيات المتقدمة تضع الربح فى المقال الأول، وبالتالى قد تضحى بأشياء أخرى تهدد أهداف التنمية المستدامة (17 هدفاً وضعتهما الأمم المتحدة) مثل الغاء الكثير من الوظائف وبالتالى زيادة البطالة والفقر، ناهيك عن المشاكل البيئية التى تكلمنا عنها فى النقطتين السابقتين، وإعطاء الخدمات بتكلفة باهظة مما يحرم الدول الأقل ثراء أو إعطاء الخدمات مجاناً لكن استخدام معلومات العملاء بطرق أخرى تزيد من ربح تلك الشركات كما وضحت الكاتبة جين هوفمان فى كتابها «معلوماتك وملياراتهم» أو (Your Data, Their Billions). إذا على تلك الشركات الكبيرة تعديل استراتيجياتها بحيث تضع مصلحة الناس فى المقدمة وأيضا تحافظ على هامش مناسب من الربح. هذه معضلة من معضلات الثورة الصناعية الخامسة.

     •    ما زال الإنسان يتعلم كيف يستخدم الذكاء الاصطناعى بطريقة تكاملية، أى تكامل الانسان والآلة وليس التنافس.

     •    اختفت تقريبا الخصوصية والمستقبل يحمل المزيد من انعدام الخصوصية، وهذه من أكبر مشكلات الثورة الصناعية الخامسة.

• • •

هل لدينا ما نساهم به فى الثورة الصناعية الخامسة؟ نعم لدينا الكثير:

     •    نريد جيلا من خبراء نظريات الذكاء الاصطناعى، وخبراء فى استخدام الذكاء الاصطناعى، وخبراء فى دراسة تأثير الذكاء الاصطناعى، ونحن لدينا أجيال من الموهوبين، نحتاج فقط تدريبهم تدريبا قويا ثم وضعهم فى نظام يستفيد منهم.

     •    على خبراء الحاسبات وعلم النفس والاجتماع العمل معا لوضع أسس التكامل بين الانسان والآلة.

     •    على خبراء الإدارة وريادة الأعمال والتكنولوجيا حل المعادلة الصعبة التى ذكرناها عن الشركات التكنولوجيا الكبرى. هذا عمل بحثى سيكون له تأثير إيجابى كبير.

الثورة الصناعية الخامسة تتبلور ونستطيع أن ندلى بدلونا، فلننطلق.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات