من صندوق النقد إلى صندوق «قنديل» - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من صندوق النقد إلى صندوق «قنديل»

نشر فى : الأحد 6 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 6 يناير 2013 - 8:00 ص

عاتبت نفسى كثيرا، عندما استمعت إلى الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء، وهو يشرح فى مؤتمره الصحفى تفاصيل المبادرة المعنونة تحت اسم «نتفق على ما يجمعنا» من أجل تحقيق الانطلاقة الاقتصادية. فعندما كان يؤكد أن الأفكار فى ظل هذه المبادرة ستكون من خارج الصندوق، أى خارج كل الأطر التقليدية، حتى تناسب المرحلة الاستثنائية التى نعيشها، استشعرت حينها كم كنت مخطئة عندما غضبت من السيد الرئيس، فور إعلانه عن الإبقاء على الدكتور قنديل رئيسا للوزراء. وقلت من المؤكد أن الرئيس مرسى كان أعلم منى، ومن أناس آخرين مثلى قصيرى النظر، بأن الدكتور قنديل سوف يفاجئنا، ويخرج من الصندوق ما عجز أن يخرجه سلفه الدكتور كمال الجنزورى من أفكار إبداعية.

 

•••

 

وبعد مرحلة عتاب النفس والتأنيب، قررت أن أتابع سير المبادرة، فوجدت أنها تهدف إلى تحقيق توافق مجتمعى حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية، التى تصوغ حياة ملايين المصريين، وأكل عيشهم، ومستوى معيشة أولادهم. وقد عهدت بها الحكومة إلى مراكز بحثية متعددة، تاركة لأصحاب تلك المراكز زمام المبادرة تماما، ليختاروا وحدهم أطراف الحوار. ويبدو أن الدكتور قنديل قد ترك المبادرة أمانة فى رقبة هذه المراكز، دون أن يشدد على نظريته «البحث خارج الصندوق». فكانت النتيجة، التى لا تتحمل وزرها بالطبع المراكز البحثية، الذين اجتهدوا بقدر ما اعتادوا عليه من أفكار كانت «محشورة» فى الصندوق. فكانت النتيجة هى سلسلة من الحوارات التى ما إن تغمض عينك، وتسمعها بأذنك، حتى تتخيل بأنها صورة طبق الأصل لما كنت تشاهده قبل الثورة. نفس المتحدثين، وبنفس خلفيتهم سواء خبراء الإقتصاد، أو أساتذة الجامعات، أو حتى رجال الأعمال، أو كبار المسئوليين فى الحكومة. والشىء الوحيد الذى أضيف على المشهد هو ظهور أكثر كثافة لأصحاب اللحى.

 

ولا نعرف بالطبع هل كان الدكتور قنديل فى عجلة من أمره، بالدرجة التى أطلق فيها مبادرته يوم الأحد، وأنهاها يوم الخميس الماضى. بحيث لم يستطع الصبر حتى تنتهى فترة الريبة الوزارية. فترك الوزراء يجرون الحوارات المجتمعية مع الأطراف الأخرى، التى لم تكن على يقين، ما إذا كان الوزير الذى يتحاور معها باقيا فى منصبه، أم سيكون حوارا وداعيا. فهل كان فى عجلة من أمره بسبب أنه يحاول أن يستبق وصول بعثة الصندوق للقاهرة فى منتصف الشهر الحالى، ويستصدر من مجلس الشورى أو الرئيس مرة أخرى حزمة الإجراءات المتعلقة بضريبة المبيعات، والدمغة التى صدرت الشهر الماضى، وألغاها الرئيس مرسى. بحيث يصدرها هذه المرة بعد أن يكون قد علق على ظهر مكتبه شهادة بأنه حصل على توافق مجتمعى عليها؟.

 

أم أن هذه السرعة فى الانتهاء من الحوارات المجتمعية وتسليم مفتاحها للحكومة كانت من قبيل الإبداعات «القنديلية» التى تأتى من خارج الصندوق؟

 

•••

 

وعندما قررت ان أقحم نفسى على جلسة من جلسات الحوار المجتمعى، التى نظمها منتدى البحوث الاقتصادية، لمناقشة التوجهات الاقتصادية والاجتماعية فى الأجل القصير والمتوسط. والتى هى ذاتها ما قدمته الحكومة إلى صندوق النقد الدولى من أجل الحصول على قرض قدره 4.8 مليار دولار. وجدت فى الجلسة حوارا، ولكن المجتمع قد غاب عنه. فمن بين 3817 احتجاجا اجتماعيا على توجهات الحكومة وقع على أرض مصر العام الماضى، لم يكن واحدا من ممثليهم حاضرا فى جلسة الحوار هذه. أى أن طرفا قد حضر الحوار، وغاب الطرف الآخر.

 

ولذلك كان الدكتور أشرف العربى وزير التخطيط والتعاون الدولى يستعرض بنود التوجهات الحكومية، وأهمها سبل معالجة العجز فى الموازنة العامة للدولة موضحا أن هناك تضحيات لا بد أن يدفعها البعض فى المرحلة المقبلة. ويتحدث عن قرب تطبيق حزمة الإجراءات الضريبية الجديدة للحصول على موارد، مقللا من أثر رفع أسعار الزيت على شرائح الطبقة المتوسطة، التى ليس لديها بطاقة تموينية. ومشجعا لرفع أسعار السجائر على الفقراء تحت دعوى الخوف على صحتهم. ولم يجد غضاضة فى فرض ضريبة على الأسمنت والحديد فى القرارات الجديدة، والتى ستؤثر بالطبع حتى على أسعار الشقق فى العشوائيات. بينما يرى أن الوقت غير مناسب لتطبيق الضريبة التصاعدية على أصحاب الدخول فوق 10 مليون جنيه بأكثر من النسبة الحالية، وهى 25%. ولا يتحدث مطلقا على فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية التى يحققها المستثمرون فى البورصة من بيع وشراء الأسهم.

 

كان الوزير يتحدث بينما غاب عن الحوار ممثلو الأطباء، والمعلمين، الذين أضربوا العام الماضى من جراء إجراءات الحكومة لخفض عجز الموازنة، التى لم تترك مجالا لتحسين أجورهم، ولا لزيادة بنود الإنفاق على الصحة والتعليم. بينما لو حضر هؤلاء لقالوا للوزير كيف انحاز الرئيس الأمريكى أوباما للطبقة المتوسطة فى أمريكا، على حساب أثرياء الولايات المتحدة، واستطاع أن ينقذ ببرنامجه من عرين الحزب الجمهورى، ليخرج من مجلس الشيوخ، قوانين لرفع الضرائب على من يزيد دخله على 400 الف دولار. ولزيادة الضريبة العقارية بنسبة 5%، ولزيادة الضرائب على الأرباح الرأسمالية بمقدار 5%. والأهم أن جزءا من العجز سيتم تغطيته من تقليل نفقات وزارة الدفاع الأمريكية.

 

ولو أن موظفا واحدا من موظفى الحكومة الذى يتقاضى أقل من 700 جنيه شهريا كان قد حضر الحوار المجتمعى أمام هانى قدرى مساعد وزير المالية وهو يقول إنه فى ظل عجز الموازنة الذى وعدت الحكومة صندوق النقد بتخفيضه، لا مفر من فرض إجراءات تتعلق بترشيد دعم الطاقة. لكان الموظف قد رد على الفور بإن الأولى أن تبدأ الحكومة فورا فى تطبيق سعر المازوت الجديد على المصانع دون إبطاء، قبل أن ترفع سعر انبوبة البوتجاز، وغاز المنازل. وأن تترك الموظفين يلتقطون أنفاسهم من لطمة أسعار السلع الغذائية التى بدأ التجار فى تطبيقها بعد أيام من رفع أسعار الدولار، قبل أن تلطمهم الحكومة على خدهم الأيسر بضرائب المبيعات الجديدة.

 

•••

 

وعندما تحدث رجل الأعمال محمد قاسم عن أن هناك خطورة من الإبقاء على القطاع العام الخاسر. لأنه لا يفلس، بل يستمر يخسر بلا حدود، ويزاحم القطاع الخاص. عندما كان الرجل يقول ذلك فى الحوار «المجتمعى» لم يكن أمامه ممثل واحد من العمال الأعضاء فى النقابات المستقلة الذين نحتوا فى الصخر أيام الرئيس المخلوع، وأصبحوا رمزا من رموز ثورة يناير. ولو كان واحدا منهم متواجدا لوقف مذكرا رجل الأعمال بأن الحكومة عندما قررت تحرير سعر الجنيه مؤخرا، وبالتالى تخفيضه، كانت بهذا توفر مكسبا إضافيا لرجال الأعمال، الذين يصدرون للخارج. لإنه يخفض من سعر سلعتهم المباعة فى الأسواق الخارجية. وهو ما كان يستوجب على الحكومة وهى تعطى لهم هذه الميزة، أن تحرمهم من ميزة اخرى وهى المليارات الثلاثة من الجنيهات التى تستقطع من الموازنة، ويحصلون عليها كدعم لصادراتهم. وكانت هذه الأموال وجهت لتحسين أوضاع شركات قطاع الأعمال.

 

•••

 

فإذا كانت الحكومة تجرى هذه الحوارات على عجل من أجل أن تقدمها صوتا وصورة لصندوق النقد الدولى، عربونا للمحبة قبل أن تصل بعثته إلى مصر، أو كشهادة على أن اتفاقا مجتمعيا قد اصبح محفوظا فى درج الحكومة، فليكن لها ذلك. أما أن تصدق بأن هناك اتفاقا مجتمعيا بالفعل قد تحقق، وأن الشارع أصبح داعما لقراراتها، فهذا مثل اعتقاد الدكتور قنديل بأنه يعمل بآليات خارج الصندوق، بينما هو محشور بداخله إلى عنقه.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات