الطبقة الوسطى.. هواجسها وسواكنها (2) - محمود محي الدين - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 4:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطبقة الوسطى.. هواجسها وسواكنها (2)

نشر فى : الأربعاء 6 مارس 2024 - 9:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 6 مارس 2024 - 9:00 م
استكمالا للنقاش حول الطبقة الوسطى وما طرأ عليها من تغيرات، استضافت الشهر الماضى الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية وجمعية الشرق الأوسط الاقتصادية، الزميل البارز بمعهد بروكينغز والخبير المخضرم هومى خاراس بواشنطن الذى صدر له كتاب عن الطبقة الوسطى حول العالم. ويرصد خاراس تطور عدد المنتمين إلى هذه الطبقة التى يقدر عددها بنصف سكان العالم، أى نحو 4 مليارات نسمة، واستغرق الوصول إلى أول مليار منهم الفترة الممتدة من أعقاب الثورة الصناعية الأولى من 1825 حتى عام 1975، تركزوا فى أوروبا الغربية والولايات المتحدة واليابان وأستراليا ونيوزيلندا. بينما استغرق الوصول إلى المليار الثانى الذين امتد انتشارهم جغرافيا فى ربوع الأرض فترة أقصر بكثير من 1975 حتى عام 2008. وفى العقود الأخيرة أسهم النمو المرتفع فى الصين ثم الهند فى ضم مليارين آخرين إلى الطبقة الوسطى وإلى شرائح أغنى.
وتشهد الفترة الحالية تصاعدا فى نمو ودخول ونفوذ الطبقة الوسطى فى البلدان الآسيوية التى انتقل اقترابا منها مركز الجاذبية الاقتصادية، بينما تتشبث الطبقة الوسطى فى أوروبا والولايات المتحدة واليابان بما يمكنها من الاستمرار فى الانتماء إليها. وفى هذه الأثناء تعرضت الطبقة الوسطى فى عالم الجنوب لتغيرات متباينة رفعت من مكانتها الاقتصادية والاجتماعية فى بلدان وعصفت بها فى بلدان أخرى وفقا للتطورات الاقتصادية التى مرت بها من نمو وبطالة وتضخم وما تيسر للبلدان المختلفة تقديمه للإسهام فى فرص نمو هذه الطبقة مع زيادة المنتمين إليها من الشرائح الأقل دخلا التى كانت تعانى الفقر.
ولتوضيح أهمية الانشغال بأحوال الطبقة الوسطى فى السياسات العامة نقتطف إشارتين: الأولى أوردها خاراس ذاكرا عنوانا لكتاب ألفه جيمس كارفيل وستان جرينبيرج مستشارا الاستراتيجية السياسية للرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون الذى قاد حملته الانتخابية التى فاز فيها على جورج بوش الأب بشعار «إنه الاقتصاد يا غبى!». وجاء كتاب مستشاريْه أكثر تحديدا بعنوان «إنها الطبقة الوسطى يا غبى!». فى إشارة لعلاقات الارتباط والسببية الوثيقة بين النمو والتشغيل وزيادة الدخول وممكنات الطبقة الوسطى من الاستقرار ثم الازدهار بما يمنحها الفرصة لمساندة سياسات من يمنحها هذه الفرص.
والإشارة الأخرى للاهتمام السياسى بالطبقة الوسطى ما جاء فى تصريح لوزير الداخلية الهندى أميت شاه بصحيفة «إيكونوكيك تايمز» الهندية بأن رئيس وزرائه حقق فى الأعوام التسعة الماضية، منذ توليه الحكم، أحلام الطبقة الوسطى من خلال افتتاح مؤسسات تعليمية جديدة لتعليم أبنائهم بنوعية عالية وإيجاد فرص العمل وإتاحة مساكن بإيجارات أو أثمان مناسبة، مع دعم الخدمات الصحية وتيسير استرداد الضرائب لها، وكذلك توفير وسائل الانتقال والسفر. والجدير بالاعتبار هو ما أوردته دراسة شارك فى إعدادها الاقتصادى المرموق سورجيت بالا، الذى شغل منصب المدير التنفيذى بصندوق النقد الدولى، بأن الهند قد حققت إنجازا بالقضاء على الفقر المدقع وفقا للمعايير العالمية، وأن السياسات المتبعة فى إعادة توزيع الدخل ينسب لها الفضل فى زيادة القدرة على الاستهلاك للفئات الأقل دخلا وبمعدلات أعلى فى المناطق الريفية. وأن هذه الزيادات لا تتضمن أنواعا مختلفة من الدعم للصحة والتعليم وتحسين خدمات مياه الشرب والصرف الصحى وتوصيل الكهرباء للمساكن.
ويلاحظ أن البلدين الأكثر سكانا قد أعلنا الواحد تلو الآخر بإنجاز القضاء على الفقر المدقع. فقد سبقت الصين الهند إلى ذلك بإعلانها فى عام 2020 أنها توصلت إلى المستهدف المعلن بالقضاء على الفقر المدقع وهو المعوق الأكبر للتنمية المستدامة وهدفها الأول وفقا للأجندة الأممية لعام 2030. ويأتى ذلك فى وقت تراجع فيه أداء الكثير من البلدان المتقدمة والنامية فى التنمية؛ إذ إن 15 فى المائة فقط من أهداف التنمية السبعة يبدو على مسارات تحقيقها عالميا، وأن 55 فى المائة منها منحرف بدرجات متفاوتة عن تحقيقها و35 فى المائة من الأهداف أسوأ مما كانت عليه مقارنة بإشارة البدء فى 2015. والمستفاد من تجربتى الصين والهند أن جهد الارتقاء بفرص الطبقة الوسطى فى الاستقرار والتقدم لا يتناقض، بل يدعم السياسات واجبة الاتباع بأولوية لانتشال من يعانون الفقر المدقع.
ولتوضيح ما استجد مع هذا الصعود الآسيوى للطبقة الوسطى والتحديات المتزايدة التى تواجهها فى الغرب ومثابرتها فى البلدان الأخرى، هناك دراسة أعدها الاقتصادى برانكو ميلانوفيتش عن الفترة المشهودة قبيل سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفيتى حتى الأزمة المالية العالمية منذ عام 1988 حتى عام 2008. ففى هذا العالم شديد التغير متسارع الأحداث لا تكاد تكون فيه لحظة مملة للمتابع تطوراته التى شهدت فيها زيادة فى نصيب الطبقة الوسطى من المنتمين إلى شرائحها الداخلية المختلفة خاصة فى الصين والهند، مع تراجع نصيب شرائح من المنتمين إلى الطبقة الوسطى الأقل دخلا فى البلدان المتقدمة، هذا مع زيادة الأثرياء ثراء فى شريحة الواحد فى المائة فى قمة توزيع الدخل، وزيادة شريحة العشرة فى المائة الأفقر فى العالم فقرا عند قاع توزيع الدخل. فلا تعجبن من تصاعد تيارات اليمين المتطرف فى بلدان الغرب وزيادة النزعات العنصرية لهذه التيارات واختياراتها العجيبة والمؤسفة فى انتخاباتها العامة على مدى الفترة التالية للأزمة المالية العالمية التى اعتبرها نقطة تحول نحو بداية التراجع النسبى للقوى الاقتصادية التقليدية التى تربعت على عروش الاقتصاد والتقدم منذ الثورة الصناعية الأولى.
أراك تتساءل عن أحوال الطبقة الوسطى فى بلداننا، وهو ما سأستعرضه فى مقال قادم كان من الضرورة أن يأتى بعد هذه السياحة العاجلة لتفقد أحوال هذه الطبقة فى الشرق والغرب ومآلاتها. ومفتاح فهم ما يصير لهذه الطبقة وكذلك بها للمجتمع بأسره ذكره الشاعران حافظ إبراهيم وخليل مطران فى عام 1913 بتقديمهما لكتاب ترجماه تحت عنوان «الموجز فى علم الاقتصاد»:

فى الاقتصاد حياتنا
وبقاؤنا رغم المكابر
تربو به فينا المصانع
والمزارع والمتاجر
التعليقات