عن مصير الدولار.. عودة أخرى - محمود محي الدين - بوابة الشروق
الخميس 1 مايو 2025 1:35 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

عن مصير الدولار.. عودة أخرى

نشر فى : الأربعاء 30 أبريل 2025 - 8:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 30 أبريل 2025 - 8:20 م

هذه أيام لينينية، نسبةً إلى واحدة من مقولات مأثورة للزعيم الروسى فلاديمير لينين، بأنه «قد تمضى عقود من الزمن ولا يحدث فيها شىء يُذكر، وهناك أسابيع معدودة يحدث فيها ما يعادل عقودًا». وفى أثناء مشاركتى خلال الأسبوع الماضى فى اجتماعات الربيع للبنك وصندوق النقد الدوليَّين استمعت إلى كلمات تردّدت على ألسنة مشاركين فيها تعبِّر عن هذا المعنى. فمنهم من يقول إن عام 2015، الذى شهد لحظات متميزة من التعاون الدولى بتدشين أهداف التنمية المستدامة وعقد اتفاق باريس وإطلاق أجندة تمويل التنمية، مضى وكأنه مرّ عليه قرن من الزمان، وليس عشر سنوات، فقد كان أغلبها عجافًا بين حروب ووباء وصراعات مسلحة، وتدهور جيوسياسى أدى إلى حالة من فقدان الثقة، منذرة بمخاطر أكثر شرًا.
وتستمع إلى من يردّد كلمات السيدة أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، وهى تؤكد أن «الغرب كما عرفه العالم لم يعد موجودًا»، وأنها نهاية التحالف الأوروبى ــ الأمريكى. فى هذه الأثناء ومع تباعد من كانوا من ذوى القربى فى السياسة والاقتصاد، يُقرّب النفور المشترك من عجائب إجراءات التعريفة الجمركية بين متباعدى الأمس مع إشارات إلى قنوات متجددة للعلاقات الصينية ــ الأوروبية؛ فضلاً عن موجة متزايدة الوتيرة للتعاون بين دول الجوار فى إحياء لنهج الإقليمية فى العلاقات الاقتصادية. وفى هذا كله يتعرّض الدولار بوصفه عملة دولية لاختبارات الثقة؛ فإذا قُيّدت حركة التجارة والاستثمارات مع الولايات المتحدة، فما دواعى استخدام عملتها على النحو الذى كان، وما زال حتى اليوم، متبعًا؟
والإجابة ببساطة أنه لو وُجد البديل، أو البدائل، للدولار لتم الاستغناء عنه، كما حدث لعملات دولية أخرى من قبل. وقد صدرت دراسة عن مجلس محافظى النظام الاحتياطى الفيدرالى منذ عامَين، أى قبل الفوضى العارمة التى يشهدها العالم اليوم، عن تقييم الدور الدولى للدولار. وتذكرنا هذه الدراسة بدور الدولار وإقبال الحكومات والمستثمرين الأجانب على أذون الخزانة الأمريكية بما يعادل 31 فى المائة من قيمتها فى عام 2022. وما زال الأجانب يحتفظون بنصف إصدار البنكنوت من عملة الدولار. كما يهيمن الدولار، حتى الآن، على المعاملات فى تسوية المعاملات التجارية والمالية وأسواق الديون الدولية.
ومقارنة باليورو فإن 50 فى المائة من الناتج المحلى العالمى مسئولة عنه بلدان تستند إلى الدولار فى تقييم معاملاتها، فضلاً عن الولايات المتحدة؛ فى حين تبلغ هذه النسبة 5 فى المائة فقط لليورو خارج الاتحاد الأوروبى. وهذه نقطة مهمة تُضاف عند مقارنة دور الدولار فى الاحتياطى الدولى، البالغ حتى الآن 60 فى المائة نزولاً من 71 فى المائة فى عام 2000، واليورو البالغ 20 فى المائة من الاحتياطى الدولى، فى حين يتوزّع باقى الاحتياطى الدولى بين الين اليابانى (6 فى المائة)، والإسترلينى (5 فى المائة)، والريمينبى الصينى (3 فى المائة).
واستنادًا إلى افتراضات مجلس المحافظين الفيدرالى فهى لا ترى تراجعًا فى الدور الدولى للدولار فى الأجل المنظور. فهذا الدور مستند إلى «حجم الاقتصاد الأمريكى ومتانته، واستقراره، وانفتاحه على التجارة الدولية والتدفقات الرأسمالية، وقوة حقوق الملكية والقانون. ونتيجة لذلك فإن عمق وسيولة الأسواق المالية الأمريكية لا نظير لهما، مع وجود عرض كبير من الأصول المالية الآمنة المقومة بالدولار».
كما ترى، فلقد كانت هذه الافتراضات والمقومات محل اعتبار عند صدور هذه الورقة من المجلس الفيدرالى فى منتصف عام 2023، بما جعلها تؤكد أن «فى غياب أى تغيرات كبيرة الحجم، سياسية أو اقتصادية تُدمّر قيمة الدولار بصفته مخزنًا للقيمة أو وسيطًا للمبادلة، وتعزّز فى الوقت ذاته من جاذبية بدائله؛ فإنه من الأرجح أن الدولار سيظل العملة الدولية المسيطرة فى الأجل المنظور». ولكن ما جرى من إجراءات فى الأسابيع الماضية، بما فى ذلك قرارات يوم التحرير فى الثانى من أبريل الحالى، جعل تلك الافتراضات وعوامل الاستقرار المذكورة محل توتر واضطراب فى الزمن الحاضر ناهيك بالأجل المنظور.
وتحديدًا فقد رأوا فى زيادة اندماج أوروبا تحديًا لمكانة الدولار، بما لها من اقتصاد كبير وتجارة حرة ومؤسسات قوية وأسواق لها عمق نسبى، خصوصًا إذا ما توحّدت فى إصدار السندات بتعاون مالى أفضل. وها هى أوروبا تُعيد اكتشاف مزاياها الإقليمية فى مواجهة إجراءات التعريفة الأمريكية.
كما أن هناك تحديًا ثانيًا، وهو استعادة الصين مسار نموها، بما يعزّز من مكانة عُملتها. ومن الواضح أن الصين تسير قدمًا فى ثلاثة مسارات؛ الأول التوجه نحو الداخل بتشجيع الاستهلاك والاستثمار المحليين، والثانى تدعيم أطر سياسات الجوار بما نتابعه من زيارات مكثفة لقيادتها خصوصًا لدول الآسيان، والأخير هو اتخاذ تدابير لتقليل الاعتماد على الدولار وآلياته فى تسوية مدفوعات التجارة معها بعملتها، وتبنيها آليات الابتكار المالى عبر الحدود لتخفيض تكلفة وزمن المعاملات مع شركائها التجاريين.
كما أن هناك تحديًا ثالثًا متمثلًا فى الأصول المالية المشفرة، مثل «البتكوين» وأخواتها، التى يجب التمييز بينها وبين بما تُعرف بالعملات المستقرة المرتبطة بالدولار. ففى ازدياد التعامل مع هذه المشفرات؛ ابتعادًا عن الدولار، تهديد له، ولكنها لا تخلو ذاتها من مخاطر التقلّب الحاد، وإن أطلق البعض عليها تجاوزًا اسم «الذهب الرقمى»، بما قد يجعل التعامل معها لمن لا دراية له كالمستغيث من الرمضاء بالنار.
إن هذه التغيرات المتسارعة تهدّد عرش الدولار بأيدى القائمين على شئون السياسة والاقتصاد فى بلاده، وإن لم تخلعه منه بعد، ليس لميزة مطلقة فى الدولار، ولكن لعيوب نسبية فى بدائله.


نقلًا عن جريدة الشرق الأوسط

التعليقات