شبح المغول - داليا شمس - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 3:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شبح المغول

نشر فى : السبت 6 مايو 2023 - 8:45 م | آخر تحديث : الأحد 7 مايو 2023 - 4:27 ص
لماذا زارنى جنكيز خان فى المنام؟ استيقظت مندهشة. ربما كان ذلك تحت تأثير صور التدمير المتكررة التى شاهدتها على شاشة التليفزيون قبل أن أخلد إلى الراحة، فهو ضمن طغاة العالم الذين تنطبق عليهم مقولة «خربوها وقعدوا على تلها».
هذا القائد المغولى الذى أقام إمبراطورية ضخمة ما بين 1206 و1294 ميلاديا تسبب فى مقتل أربعين مليون شخص أى حوالى 17% من إجمالى سكان الأرض وقتها. كانت حروب قومه الذين ينتمون لشرق ووسط آسيا تتميز بسرعة انتشار رهيبة ونظام محكم وأعداد هائلة من البشر وإصرار غير طبيعى على التخريب، إذ كانوا بلا قلب يدخلون المدن فيدمرونها وينكلون بأهلها دون تفرقة بين مدنى ومحارب، ولا أيسر عندهم من نقض العهود وإخلاف المواثيق.
كان جنكيز خان أول من وحد قبائل المغول المتركزة فى شرق آسيا وضم إليهم التتار ومقرهم الوسط، وحولهم جميعا إلى قبائل محاربة ذات شأن. أسس مجلسا وطنيا وبدأ فترة من الفتوحات حتى موته فى عام 1227م، وكان شعاره «شمس واحدة فى السماء وملك واحد على الأرض»، لذا غير اسمه من «تيموجين» أى «الحداد» إلى «جنكيز خان» أى «قاهر العالم»، أو «ملك ملوك العالم»، أو «القوى»، بحسب الترجمات المختلفة للغة المنغولية. واستكمل مسيرته أبناؤه وأحفاده من بعده، ومن أبرزهم كان هولاكو الذى قضى على الخلافة العباسية فى بغداد عام 1258 واجتاحت جيوشه بلاد الشام فى معركة عين جالوت سنة 1260، وكذلك تيمورلنك الذى اتسعت إمبراطوريته فى آسيا بشكل كبير، ثم امتدت أكثر ووصلت أوجها فى عهد قوبلاى خان، حتى إن البعض صنفها كأول إمبراطورية فى العالم بعد الرومانية، بل وأشار آخرون إلى أنها تفوقت على هذه الأخيرة وبلغت مساحتها 33 مليون كم مربع.
• • •
غيرت هذه الإمبراطورية خريطة العالم القديم، خاصة آسيا وشرق أوروبا والشرق الأوسط. ورغم أنها وحدت شعوبا متباعدة ونشطت حركة التجارة وتبادل المعلومات، إلا أنها أتت على مدن بأكملها، وتعمدت جيوشها طمس معالم الجمال والثراء فيها. على سبيل المثال لا الحصر، حرقت مكتبات بغداد ومدينة همدان الفارسية، إذ فقدت هذه الأخيرة عشرات الآلاف من المؤلفات المكتوبة بخط اليد فى ليلة واحدة، فالتخريب يمحو الذاكرة والهوية، يقضى على الحضارات القديمة ويجعل الشعوب تنفصل عن تاريخها، وبالتالى يسهل حكمها بالحديد والنار، وتتكون أجيال كاملة لم تعرف سوى الدماء والرعب.
تتحول المدن إلى أماكن خربة، لا عمران فيها، كتلك التى نراها اليوم عبر الشاشات. تشبه ما وصفه الجغرافى والمؤرخ ياقوت الحموى فى كتابه «معجم البلدان» حين تجول فى الجمهوريات الإسلامية فى روسيا حيث سمرقند وبخارى وارتحل إلى العراق والشام وتركيا وإيران، فى القرن الثالث عشر الميلادى. شاهد التوترات السياسية والعسكرية بين المغول والخوارزميين فى وسط آسيا وخراسان. أعجبته بلاد ما وراء النهر، وعبر عن حسرته لضياع معالمها الباهرة وللدمار الهائل الذى حاق بها. قال مثلا فى ثنايا تعريفه بمدينة أسفيجاب (فى أوزبكستان حاليا): «بقيت تلك الجنان خاوية على عروشها تبكى العيون، وتشجى القلوب، متهدمة القصور، متعطلة المنازل والدور (...) ثم تبع ذلك حوادث سنة 616 هجريا التى لم يجرِ منذ قامت السموات والأرض مثلها، وهو ورود التتر، خذلهم الله، من أرض الصين فأهلكوا من بقى هناك متماسكا فيمن أهلكوا من غيرهم، فلم يبق من تلك الجنان المندرة والقصور المشرفة غير حيطان مهدومة، وآثار من أمم معدومة».
• • •
تعودنا نحن صور الأمم المعدومة التى تطالعنا يوميا فى الصحف، سنتحدث عنها فى كتبنا على غرار ياقوت الحموى، ونحلل نظريات الفوضى الخلاقة، ونؤرخ لظهورها لأول مرة بشكل علنى على لسان كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، خلال مؤتمر صحفى لها فى تل أبيب عام 2006. سنصف القوة الوحشية التى تفتت المنطقة إلى دويلات لصنع شرق أوسط جديد قائم على العنف وصراعات عرقية وطائفية لا تنتهى. سيحتوى وصفنا على جمل من عينة «أصبح الإقليم خرابة بعد هلاك ما فيه». قد يبرر ذلك رؤيتى لجنكيز خان فى المنام، فظهور الأشباح يشير إلى تقبل أمر ما والاستعداد لمواجهته، أو إلى حدوث المزيد من الأزمات والأشياء غير المتوقعة، كما جاء فى كتب تفسير الأحلام. وأنا زارنى طيف جنكيز خان، أبو هولاكو شخصيا.. اللهم ارحم البلاد والعباد.
التعليقات