قمم السعودية: ابتزاز أمريكى.. وأقل من حلف جديد! - طلال سلمان - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قمم السعودية: ابتزاز أمريكى.. وأقل من حلف جديد!

نشر فى : الثلاثاء 6 يونيو 2017 - 9:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 6 يونيو 2017 - 9:45 م

افترض أهل الذهب الأسود أن الوقت قد حان ليتقدموا إلى موقع القيادة معززين بادعاء ملكيتهم الحصرية للدين الحنيف وفوائض النفط التى تجعلهم أغنى أهل الأرض ومصدر الإعانات والمساعدات، قروضا أو هبات أو « شرهات»، قبل أن يندفعوا، مؤخرا، إلى الشراكة فى مشاريع مربحة سياسيا ومن ثم ماديا.
افترضوا أن التسفيه الممنهج للدعوة إلى العروبة والقومية والوحدة قد أضعف هذه الأحلام السنية، وأنه بات من السهل القضاء عليها بسيف الدين الحنيف الذى نزلت رسالته فى أرضهم فبات من حقهم أن يدعوا أنهم الوكلاء الحصريون.
هكذا باشروا «الانفصال» عن الركب العربى، ليستقلوا بشئونهم كأهل نفط يفصلهم خندق من الذهب الأسود (أو الأبيض، حتى لا ننسى الغاز فى قطر)، عن أشقائهم الفقراء.
قالوا لسائر العرب فى البدايات: نحن أهل نسب وقربى، لكننا غيركم... لستم منا تماما، ولسنا منكم تماما. قد نتفق أحيانا وقد تفرق بيننا المصالح فى أحيان أخرى. قد يكون لكم رأى ولنا رأى آخر، فإن اتفقنا فعلى بركة الله، وإن اختلفنا يذهب كل فى طريقه.
بعد حين أنشأ أهل النفط مجلس التعاون بين أقطار الخليج. وخافوا من استفزاز إيران إن هم أشاروا إلى الهوية العربية فاكتفوا بالإشارة إلى أن هذه الدول «عربية»، أما الخليج فمجهول الهوية حتى إشعار آخر.
لا داعى للإشارة إلى أن الرعاية الأمريكية أساسا، والبريطانية ضمنها، كانت تشجع دول الخليج على هذا الانفصال عن المحيط العربى.. ولعل التجربة المرة للملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز قد ردعتهم عن التورط، والعودة إلى التفكير ــ مجرد التفكير ــ باستخدام سلاح النفط فى الصراع العربى ــ الاسرائيلى.. بل لعل تلك التجربة قد علمتهم أن «يستقلوا» بثروتهم الطائلة عن الاشقاء الفقراء، أقله سياسيا. فإذا ما أرادوا شراء سكوتهم قدموا اليهم بعض الفتات كمساعدة أو اعانة أو تحت باب الاحسان واسترضاء العزة الالهية.
مع الأيام، تعاظمت الثروة، وتعاظم فقر الأشقاء العرب فتعاظمت حاجتهم.. لكن أهل النفط كانوا قد بنوا سورا عاليا من حول أقطارهم الغنية، وأفادوا من التحصين الغربى لهذه الثروة، فزادوا من ابتعادهم عن أهلهم الفقراء الذين باتت قرابتهم مربوطة بالولاء: لقد انتهت زعامة مصر بضربة الفقر القاضية، وذهب صدام حسين بمغامراته بالعراق العظيم، وها هى سوريا تغرق فى دماء أهلها بالحرب فيها وعليها، وأما الجزائر فقد انسحبت تماما من الميدان العربى... أما لبنان فيسهل تدبر أمره.
هكذا تم تفتيت العرب، لأسباب متعددة، وبقيت دول الخليج كتلة واحدة، برغم الخلافات التى كانت تهز تضامنها بين الحين والآخر، ثم يتم التغلب عليها.. فالذهب حلّال المشاكل فى كل زمان ومكان..
الأزمة الأخيرة التى تفجرت عنيفة بين السعودية وقطر، فى أعقاب القمم الثلاث فى الرياض، تحت رعاية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وجدت على الفور من يعمل على حصرها ومنع تفاقمها وانتقالها من وسائل الاعلام إلى دوائر الحكم، ومن ثم إلى الشارع بكل احتمالاتها المفتوحة... وهكذا تقدمت الكويت، الجاهزة دوما لدور الوسيط، فأوفدت وزير خارجيتها ليدعو أمير قطر الذى استفز السعودية بادعائه أنه من نسل الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مؤسس الحركة الوهابية التى قامت عليها المملكة بحد السيف.. وجاء أمير قطر إلى الكويت تمهيدا لأن تتوسط فتغفر له السعودية هذا الادعاء وتقبل توبته.. على أن يقطع مع الاخوان المسلمين، واستطرادا مع «حماس»، وأساسا مع «حزب الله» فى لبنان، قفزا من فوق دور هذا الحزب المجاهد فى اجلاء العدو الاسرائيلى عن أرض لبنان، بعد احتلال قسم كبير من أرضه فى الجنوب وبعض البقاع وبعض الجبل فى العام 2000، ثم فى هزيمة الحرب الاسرائيلية على لبنان فى صيف العام 2006.
هذا دليل جديد على أن حكام الجزيرة والخليج يرون أنهم «أمة تامة» لا علاقة لهم بسائر العرب الفقراء.. والطامعين بثرواتهم، والذين يحسدونهم على الخير الذى أنعم به الله عليهم من دون خلقه.. بمن فى ذلك «الأشقاء العرب».
***
بعد زيارة ترامب التى كلفت السعودية ثلاثمائة مليار دولار، عدا أربعين مليارا آخر «تقدمها» المملكة هدية لضيفها الكبير من أجل استكمال البنية التحتية فى بلاده الغنية، ماعدا الأربعمائة مليون دولار التى قدمت لابنة ترامب الدلوعة من أجل مشاريع الرعاية التى تقوم بها فى بلادها.
بعد زيارة ترامب هذه، وفى محاولة للإيحاء باعتماد «سياسة التوازن» قام ولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، بصفته وزيرا للدفاع، بزيارة روسيا والتقى الرئيس الروسى بوتين فى قصر الكرملين بموسكو، لتوطيد العلاقة مع هذا القيصر... وهو لم يمانع بطرح موضوع الحرب فى سوريا وعليها على جدول أعمال زيارته، خصوصا وأنه فى خصام مع قطر التى تتكفل بدعم الاخوان المسلمين والعديد من «المنظمات الجهادية» المتفرعة عن «الاخوان» فى سوريا بالمال والسلاح.
لكأنما السعودية، بجيلها الشاب، تحاول التحضير لأن تلعب دولارا محوريا، أقله فى الجزيرة والخليج، على أن يشمل اليمن بالتأكيد.. خصوصا وأن السعودية تقاتل اليمنيين منذ سنتين ونيف، فتهدم عمرانها، وتقتل رجالها، وآخر إنجازات هذه الحرب الظالمة تفشى مرض الكوليرا الفتاك فى أنحاء هذه البلاد ذات التاريخ، والذى يهدد حياة عشرات الآلاف، وربما صار العدد بمئات الآلاف، بسبب نقص العلاج وانعدام المستشفيات وغياب الأطباء.. إلخ.
وملفت أن تكون السعودية قد بدأت تغيب عن المشهد العراقى، كما أن وجودها أو دورها فى الحرب على سوريا وفيها إلى تناقص.. بل إن دورها فى لبنان يكاد الآن أن يكون «رمزيا» والمولج به قائم بالأعمال، يصول ويجول فى مختلف أنحاء لبنان، ولكن فى غياب القدرات التى تمكنه من الفعل، لأن خزائنه تشكو النقص والمطلوب كثير كثير.. فى حين رئيس حكومة لبنان، سعد الحريرى، الذى دخل الحياة السياسية وريثا لوالده المغدور رفيق الحريرى، يشكو هم الاملاق، بعدما وضعت المملكة يدها على «شركة اوجيه» التى كان قد ورثها عن ابيه الراحل، والتى كانت المتعهد الأكبر فى المملكة بعد شركة بن لادن، الذى صودرت شركته الكبرى هو الآخر، وهو ينتظر الآن، مع سعد الحريرى التعويض المجزى.
***
لا ينتظر أن يعمر «التحالف» الذى أقيم على عجل، بل فى غمضة عين، فجمع فى المملكة وتحت رايتها، ولمناسبة زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، نحو خمسين دولة عربية وإسلامية.
فليس فى الافق ما يوحى بقدرة عملية على الزام كل هذه الدول (50 دولة) بالانخراط فى حلف مهمته الأولى والأساسية مجابهة «التوسع الايرانى» الذى يتمدد من العراق إلى سوريا فلبنان، والذى يمول ويسلح اليمنيين ليقاتلوا ضد الغزو السعودى لبلادهم.
لا يتصل الأمر بأهلية السعودية او نقص أهليتها على القيادة، بل لأن العرب اجمالا، لا يزالون ينظرون إلى اسرائيل على أنها العدو الأول بتوحدهم إن لم يكن على قتالها فعلى الأقل من أجل استنقاذ الأقل من الأقل من حقوق الفلسطينيين فى بلادهم وإقامة «دولتهم» على بعض البعض من أرضهم التى كانت عبر التاريخ أرضهم.
وإذا كانت المجاهرة بعداء إيران تجمع معظم الخليجيين (ما عدا قطر، وإلى حد كبير الكويت)، فإن هذا «العداء» لا يستنفر سائر العرب، من العراق إلى سوريا ولبنان، وحتى مصر والسودان والجزائر.. إلخ.
فى أى حال، فقد حقق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مأربه.. وهو كان استبق زيارته إلى السعودية بتوجيه سلسلة من الشتائم والاهانات المباشرة إلى «البدو الذين ينفقون الثروات على مباذلهم.. ونحن سنجعلهم يدفعون لنا ثمن حمايتهم، ولكننا لن نفعل ذلك مجانا، وعليهم أن يدفعوا المليارات التى لم يتعبوا فيها، فنحن أولى بها منهم»!
أما الحرب الظالمة التى تدمر العراق، فلتستمر، وأما الحرب على سوريا وفيها فلتستمر، وأما الحرب الجانية على اليمن فلتستمر...
الحليف الأعظم، والحامى الأكبر، دونالد ترامب، الذى استبق زيارة المملكة بسلسلة من الاهانات الجارحة لنظامها، والذى غادرها مباشرة ليطمئن العدو الاسرائيلى إلى أن له حصته الوازنة من الهدايا السعودية، والذى اشتبك فى صقلية مع أوروبا بعنوان قيادتها الألمانية.. يستحق مثل هذه الهدايا وأكثر. وليتقشف شعب المملكة لأن الخزينة فارغة.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات