عن وباء كورونا كـ«سر حربى» تصاغر الدول العظمى والخوف العربى من الحقيقة - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن وباء كورونا كـ«سر حربى» تصاغر الدول العظمى والخوف العربى من الحقيقة

نشر فى : الأربعاء 15 أبريل 2020 - 12:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 15 أبريل 2020 - 12:15 ص

اختفت الأخبار السياسية ومعها التحليلات وتصريحات كبار المسئولين فى مختلف أنحاء العالم، وتركزت أنظار الناس واهتماماتهم وأحاديثهم على أخبار اجتياحات وباء كورونا لدنياهم، مغربا ومشرقا، جنوبا وشمالا، وصولا إلى الجزر البعيدة فى أعماق البحار.
انطوى الناس رجالا ونساء فى بيوتهم وقد احتضنوا أطفالهم وفتيانهم وفتياتهم بخوف يفوق ما عرفوه فى حياتهم خلال الحروب أو انتشار الأوبئة التى باتت معروفة وأسباب علاجها، كالسل والتهاب المفاصل وحتى السرطان الذى استولد من ذاته أنواعا مختلفة تتدرج خطورة حتى القتل.
لم يكن من ملجأ إلا العلم.. وكما كانت الصين أول دولة ضربها هذا الوباء الذى لا يرحم، فإنها كانت أول دولة اجتهد علماؤها على إيجاد الدواء الشافى لهذا الوباء الخطير الذى فرض شبح الموت على الناس جميعا على اختلاف جنسياتهم وأعمارهم والمناخ السائد فى البلاد المختلفة.
لم تنفع تبجحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب و«تغريداته» اليومية متعددة الأغراض والأهداف فى تمرير ادعائه أن الصين قد «ابتدعت هذا الوباء لأغراض سياسية»، إذ لم تلبث جراثيم كورونا أن انتشرت فى أربع رياح الأرض، مع «تمييز» الولايات المتحدة بعدد الإصابات فى ولاياتها المختلفة بحيث تفوقت على الصين وسائر أنحاء أوروبا المثقلة بالمرض ذاته، بأعداد المصابين فيها.
بلمحة بصر انتشر هذا الوباء فى أربع رياح الأرض، موقعا فى دول أوروبا الغربية (إيطاليا وإسبانيا وفرنسا ثم السويد وسويسرا وبريطانيا) ما يزيد عن مليون إصابة وآلاف الوفيات.
وكان طبيعيا أن تصل هذه الجرثومة القاتلة إلى البلاد العربية (ولو على خفر، أو مع التجاهل الرسمى فى البدايات، ثم الاعتراف تدريجيا وبضغط من الواقع المعاش).. خصوصا أن الدول جميعا قد اعترفت بأعداد الإصابات وصار الإنكار تهمة على طريقة «كاد المريب أن يقول خذونى».
***
اعترف لبنان، بداية، وأخذت وزارة الصحة تنشر، وعبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى، جداول يومية معززة بإحصائيات موثقة رسميا عن أعداد المصابين والمصابات بهذا الداء الوبيل، وأعداد المتوفين به (وهو قليل نسبيا إلى أعداد المصابين التى ما تزال حتى اللحظة دون الألف).
وكالعادة فى مثل هذه الحالة، تكتمت معظم الدول العربية على انتشار هذا الوباء فيها، ثم اضطرت إلى مباشرة الاعتراف ــ على استحياء ــ بأعداد المصابين.. وهى، إن كانت صادقة، أقل بما لا يقاس من الإصابات فى أوروبا عموما، ولا سيما فى الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك بالصين.
يذكر فى هذا المجال أن رئيس الصين شى جين بينغ ذات المليار نسمة، قد ذهب بنفسه إلى مدينة ووهان، مع الإعلان ولأول مرة عن انتشار هذا الوباء فيها، مع التعهد بمكافحته... ولقد كان، ففى أقل من شهر تم الإعلان عن نظافة صين المليار بشرى من الوباء الذى لا يرحم.
أما فى واشنطن، فقد عمد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى الإنكار، ثم فضحه انتشار الوباء بطريقة مريعة، خاصة فى نيويورك، ثم تنقل بين الولايات فضرب فيلادلفيا وفلوريدا وتكساس إلخ.. وقد تسارعت الإصابات حتى تجاوزت نصف المليون إصابة، بينما تعاظمت الوفيات حتى زادت عن 18693.
وفى محاولة عبثية وإنكار معيب ادعى ترامب أن جرثومة كورونا قد وصلت إلى الولايات المتحدة عبر «طائرة» قادمة من الصين.. (وكانت تلك نكتة سمجة)... ثم عاد هذا الرئيس المهووس بإطلاق التصريحات الهوجاء، يطلب من الصين أن تساعده فى تزويد بلاده بما توصلت إليه من أسباب العلاج، مع التأكيد على أن العلماء الأمريكيين يقتربون من الوصول إلى أسرار الشفاء.
***
بعيدا عن الأخبار المزعجة عن هذا الوباء القاتل، لا بد من تسجيل بعض الملاحظات حول أداء معظم الدول العربية فى التعاطى مع هذه «الجائحة» التى لا ترحم كبيرا أو صغيرا، رجلا كان أم امرأة:
* أولى هذه الملاحظات تتصل بمدى احترام أهل النظام العربى لشعبهم. فالوباء ليس سرا حربيا، يمنع كشفه حتى لا يفيد منه الأعداء.
* ثانى هذه الملاحظات أن أكبر دول العالم وأقواها (الصين والولايات المتحدة، وروسيا، ودول أوروبا على اختلاف أنظمتها وميولها) قد انتبهت إلى حقيقة أن واجبها يفرض عليها أن تصارح شعبها بالحقيقة، التى لا هى تملكها وليس من حقها أن تحجر عليها، أقله من أجل أن ينتبه الشعب ويستعد ويعمل على توفير أسباب العلاج.
* إن أخبار الوباء قد عمت فوصلت إلى أسماع الناس فى أربع رياح الأرض، خصوصا أنها تهم وتعنى كل الناس فى القارات الخمس ــ والتستر عليه مستحيل بداية، ثم إنه يكشف عن احتقار الحاكم لشعبه (الذى ما يزال فى نظره «رعية» له أن يبلغها بما يراه مناسبا، و«بما لا يتسبب» فى نشر الذعر فى المجتمع وكأنه يكفى أنه يعرف، أو كأنه يستطيع منع المعلومات عن شعبه)، وله أن يكتم عنه كل ما يعتبره من أسرار الدولة، ولا يجوز أن يعرف به الناس حتى لا يخافوا.. وكأن المعرفة تخيف أكثر من الجهل، بل التجهيل المقصود.
* إن بعض الدول العربية قد تكتمت فى البداية على هذا الوباء ثم اضطرت إلى الإعلان.
يقال: إن لكل عصر أوبئته وأمراضه.
ويقال: درهم وقاية خير من قنطار علاج.
فاحفظوا أنفسكم، من أجل أطفالكم، من أجل من تحبون، وقبل وبعد من أجل وطنكم.
حماكم الله حيثما كنتم..

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات