ترامب وتهديده لديمقراطية أمريكا - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 12:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترامب وتهديده لديمقراطية أمريكا

نشر فى : الخميس 8 ديسمبر 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 8 ديسمبر 2016 - 10:00 م
على الرغم من تمتع الولايات المتحدة بأحد أفضل النظم الديمقراطية حول العالم رغم عوار بعض ممارساتها، لكن يبدو أن الرئيس الأمريكى القادم دونالد ترامب بات يمثل تهديدا غير مسبوق للممارسات الديمقراطية الراسخة والمتفق عليها تاريخيا.

للديمقراطية الأمريكية أركان عدة، من أهمها خضوع القوات المسلحة لسيطرة المدنيين، وتقديس حريات التعبير، ناهيك عن نزاهة الرئيس وابتعاده عن جنى مكاسب مادية أثناء توليه فترة الحكم. إلا أن شواهد عدة تدل على عدم اكتراث ترامب بهذه المبادئ الثلاثة سواء خلال الحملة الانتخابية أو بعدها منذ فوزه بالانتخابات قبل شهر. ومنذ اعتماد الدستور عام 1788 (الأقدم فى العصر الحديث) حرص المؤسسون للنظام الأمريكى على تجنب وجود سيطرة مطلقة ومركزية قد تؤدى لتركز السلطة فى يد شخص واحد أو هيئة واحدة تشجع على نمو الممارسات الاستبدادية. كذلك ضمنت التعديلات الدستورية ألا يتعدى لا الرئيس ولا الكونجرس ولا المحاكم على حريات التعبير، وأن يبتعد العسكريون عن الشأن السياسى، وتركه للمدنيين، والمنتخبين.

يمثل اختيار ترامب للجنرال «جيمس ماتيس» وزيرا للدفاع فى إدارته الجديدة مخالفة مباشرة لقانون فيدرالى يمنع أى شخص عسكرى من تبوء منصب وزير الدفاع قبل مرور سبع سنوات كاملة على خروجه من الخدمة، وأنهى الجنرال ماتيس خدمته عام 2013 بعدما خدم على رأس قيادة الأركان الأمريكية الوسطى. وسيحتاج ماتيس إلى موافقة مجلس الشيوخ واستثناء خاص ليشغل منصبه بعد أن كان القانون يهدف لمنع سيطرة وزير عسكرى على الجيش، ويحبذ سيطرة السلطة المدنية على القوات المسلحة كأحد مبادئ الديمقراطية الأمريكية. وهناك مخاوف واسعة من لعب العسكريين أدوارا سياسية أكبر فى المستقبل خاصة مع تعيين ترامب جنرالاً آخر هو «مايكل فلين» كمستشار للأمن القومى، إضافة لورود أسماء عسكريين آخرين للترشح فى مناصب مدنية هامة. وهكذا جاء اليوم الذى يعبر فيه خبراء الشأن السياسى عن قلقهم من تغير طبيعة العلاقات المدنية العسكرية داخل النظام السياسى الأمريكى نفسه.

***

تعفى التشريعات الأمريكية الرئيس من معظم القوانين المتعلقة بتنازع المصالح، لكن الدستور يمنع الرئيس من قبول هدايا أو مبالغ مالية من حكومات أجنبية فى أى صورة من الصور. وتعد هذه النقطة تحديدا مثار جدل واسعا، حيث يرى خبراء قانونيون أن ترامب ينتهك هذا البند عن طريق قبوله أو استلامه مقابل مادى مقابل تأجيره مساحات واسعة فى برجه الأهم بوسط مدينة نيويورك لبنك حكومى صينى أو من جراء تأجيره غرف أو قاعات لحكومات أجنبية وسفارات دول فى فندقه الجديد بشارع بنسلفانيا الشهير بقلب واشنطن. وعلى الرغم من تعهد ترامب بالتنحى عن إدارة أعماله لتفادى تضارب المصالح قبل تنصيبه رئيسا رسميا يوم 20 يناير، فإن وجود علامة Brand واسم ترامب على هذه البنايات والأبراج يُبقى الرئيس الأمريكى لاعبا فى هذه المعادلة، خاصة فى حالات عدة لا يستثمر فيها ترامب أى دولار مكتفيا فقط بجنى أرباح مقابل استخدام ووضع اسمه على هذه البنايات. ويثير تعهد الرئيس الجديد بترك إدارة هذه الأعمال لعائلته سخرية كبيرة خاصة مع عدم ابتعاد أولاده عن عملية الحكم والمشاركة فى صنع القرار، وهكذا تُظهر طبيعة أعمال ترامب تناقضا فى المصالح الخاصة لترامب وإمبراطورتيه التجارية وبين المصلحة العليا للولايات المتحدة. وتساءلت صحيفة نيويورك تايمز: «كيف يمكن لترامب اختيار المضى قدما فى الضغط على تركيا فى ظل تلقيه عشرة ملايين دولار سنويا ثمنا لوجود اسمه على برج بمدينة إسطنبول؟».

تتركنا هذه النقطة مع جدل مزدوج حول احتمال أن تسعى شركات أجنبية إلى عقد صفقات مع شركات ترامب فى محاولة لكسب ود الإدارة الأمريكية الجديدة أو أن تصبح هذه العقارات ذاتها أهدافا لعمليات إرهابية.

من ناحية ثالثة لا يتوقف ترامب عن مهاجمة وسائل الإعلام المكتوبة أو المرئية، ويشكك ترامب دوما فى نزاهة وحيادية الإعلام الأمريكى ويؤمن أن وسائل الإعلام الرئيسية التقليدية تتآمر ضده. وعلى الرغم من أن التعديل الدستورى الأول حظر على الكونجرس تبنى أى قانون يؤدى إلى تعطيل حرية الكلام أو النشر الصحفى، فإن ترامب يمارس تهديدا شبه يومى ضد الاعلام منتقدا طريقة تغطية وعرض أخباره. ويتناسى ترامب أنه كرئيس أمريكى سيخضع كل ما يقوم به وما لا يقوم به للفحص والتدقيق من جانب وسائل الإعلام بالصورة، التى يرتؤونها. ويتسع التعديل الأول فى الدستور الأمريكى ليتخطى حرية الكلام والنشر ليضمن دستوريا حق التنظيم وحق التجمع، وحماية حق المواطنين بالعبادة كما يشاءون ويضمن لهم حقهم بعدم إجبارهم على اتباع أديان أخرى، وكذلك يضمن حق المواطنين فى الاعتراض على سياسات الحكومة والعمل على تغييرها.

***

إضافة لما سبق، تمثل بعض مبادرات ترامب تراجعا وإضرارا بالديمقراطية الأمريكية على النحو التالى:

هدد ترامب مبدأ الانتقال السلس للسلطة بصورة ديمقراطية إثر تهديده بعدم قبول نتائج الانتخابات أثناء الحملة الرئاسية إذا خسرها!

شكك ترامب فى عدالة القضاء إثر تشكيكه فى هوية قاضٍ فيدرالى من أصول مكسيكية كان ينظر فى قضية مرتبطة بجامعة ترامب.
تعهد ترامب باستخدام التعذيب والإيهام بالغرق فى التحقيقات مع المشتبهين بالإرهاب، فى مخالفة واضحة للقوانين الأمريكية.
تعهد بالعمل على تجريم وسجن من يحرق العلم الأمريكى، وهو العمل الذى تراه المحكمة العليا دستوريا تماشيا مع حق حرية التعبير، وتعهد ترامب بالعمل على نزع جنسية حارقى الإعلام الأمريكية من المواطنين الأمريكيين.
محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات