(الشيبس يا حلوين الشيبس) - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 6:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(الشيبس يا حلوين الشيبس)

نشر فى : السبت 10 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 10 مارس 2012 - 8:00 ص

عربة خشبية مطلية بألوان باهتة تحت لهيب شمس أغسطس، يدفعها عجوز «بطاقية» بحار ويردد بوهن: «الشيبس الشيبس..الشيبس.. الشيبس يا حلوين الشيبس». تداعت إلى ذهنى صورة هذا البائع الجائل الذى جاء من عزبة البرج المجاورة حيث صناعة مراكب الصيد لتسويق رقائق البطاطس الذهبية المصنعة منزليا ــ بمنتهى النظافة ــ على شاطئ الجربى بمصيف رأس البر... كان ذلك منذ سنوات عديدة مضت إلا أن الصورة قفزت من الذاكرة عند مشاهدتى لإعلانات الشيبس الكثيرة التى تتناوب إذاعتها مع أخرى للسمن والمشروبات الغازية.. وقد بدا لى أن دعايات الشيبس قد تفوقت عددا على مثيلاتها، حتى لو لم أملك أى إحصاءات دقيقة بهذا الصدد، لكن الشيبس ظهر تليفزيونا وكأنه أعظم اختراع بعد الكهرباء! واستفزت الدعاية الخاصة بماركة معينة جزءا من الجمهور فأنشأ صفحة على موقع الفيسبوك بعنوان «كارهى إعلانات (...) شيبس» كما علق البعض أن المعلنين يعطوك انطباعا أن الناس جميعا قد شبعوا ولا يحتاجون سوى أكياس من البطاطس المقرمشة! أما المتخصصون فقد أوضح بعضهم أنه فى ظل تراجع قطاع العقارات بعد ثورة يناير والذى كان يمثل بحسبهم حوالى 25% من حجم الإنفاق الإعلانى فقد تقدم بشكل ملحوظ ــ خلال العام الماضى ــ قطاع السلع الاستهلاكية سريعة الدوران (أى الأطعمة المغلفة والمشروبات ومساحيق الغسيل...)، واستقطعت القنوات الفضائية الجديدة حصة لا بأس بها من السوق الإعلانية نظرا لجذبها عددا من نجوم الإعلاميين.

 

●●●

 

حاولت الوقوف على العلاقة بين تلك السلع والثورة، وكيف طوعت الشركات الكبرى أسلوبها لتتماشى مع الظرف السياسى، مثلا اتخذت إحدى ماركات الشكولاتة من «ابنى بلدك» شعارا لها وأبرزته على الطرقات، كما حثت إحدى شركات المشروبات الغازية الجمهور على أن يفكر ويشارك ويحلم ويعبر عن نفسه. وكذلك ظهر شاب وفى خلفيته العلم الوطنى ليعلن عن نوع «جيل» جديد للشعر تحت شعار «أنا مصرى». أما بالنسبة للشيبس، ففى معظم الأحيان يبدل حال الشخص فى لحظات قليلة، كأى منتج سحرى، فيقول الحقيقة بعد أن يأكله بلذة غير متناهية أو تأخذه الشجاعة أو يتخيل نفسه وقد صار ملك جمال الكون بعد قضمتين وضحكة فرحة... المسألة سهلة، وفى غمضة عين يتم حل كل المشكلات.. يكفى أن نشترى، وبالتالى فنحن نوفر مستهلكا لمنتج ما والعكس صحيح. هناك نوع من التحقق الفورى يصعب الوصول إليه خارج نطاق الإعلان.. أما بداخله فنحن مواطنون متساوون فى الاستهلاك والمتعة حتى فى ظل أعتى الديكتاتوريات. وفى مواضع أخرى تظهر علينا ميولا أكثر ثورية فننسف حمامنا القديم أو نغسل بمسحوق يغير لون حياتنا ويجعلها أكثر بياضا، لكن لنعود لموضوع البطاطس المحمرة التى على ما يبدو ارتبطت قديما وحديثا بالسياسة. فالشيبس ما هو إلا تطور أحدثه أمريكى من أصول أفريقية يدعى جورج كرام عام 1853 على أصابع البطاطس المقلية (فرانش فرايز) بعد أن احتج أحد زبائن المطعم الذى كان يعمل به على ضفاف بحيرة سراتوجا بنيويورك على سماكة البطاطس المقدمة له.. قام كرام بتقطيع البطاطس إلى شرائح رفيعة وفرح الزبون.. كانت فاتحة خير على جورج كرام وانتشرت شرائح الشيبس تدريجيا ومصانعه فيما بعد بأنحاء أمريكا فوفرت العديد من فرص العمل. ويحكى أيضا أن الفرنسيين كانوا أول من اخترع البطاطس المقلية على جسور باريس إبان الثورة عام 1789، ثم نقلها الرئيس الأمريكى توماس جيفرسون إلى الولايات المتحدة لولعه بها. وعندما توترت العلاقات الدبلوماسية خلال الحرب الأخيرة على العراق بين فرنسا من ناحية والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من ناحية أخرى قررت الأخيرتان تغيير اسم «فرانش فرايز» مؤقتا إلى «فريدوم فرايز» أو (بطاطس الحرية) فى أمريكا وشيبس فى انجلترا، حتى لا يكون للفرنسيين أى أفضال عليهم! وفى مثل هذه الحالات كان البعض يتسلح برواية تاريخية أخرى، مؤكدين أن البطاطس المقلية أصلها بلجيكى، قام بتحضيرها السكان فى القرن السابع عشر عندما تجمدت المياه وشح الصيد فلجأ سكان بعض المناطق إلى تقطيع البطاطس وقليها على هذا النحو. مرة أخرى البطاطس تحل كل المشكلات وتتغلب حتى على الظروف المناخية الصعبة، تماما كما يحدث فى الإعلانات حاليا.. وقد لا يتساوى الجميع فى العمل، فالبعض لا يقوم بأى عمل يذكر ولا يجوب الشواطئ مثل بائع رأس البر بحثا عن الرزق إلا أنه لا يمتنع عن الاستهلاك. ومؤخرا لجأت شركة دعاية يونانية إلى حيلة للثأر من الرئيس السابق للبنك الدولى دومينيك ستروسكان، على إثر تورطه فى فضيحة جنسية، من خلال إعلان للشيبس.. تصور الدعاية رئيس البنك الدولى السابق، الذى فرض على اليونان العديد من إجراءات التقشف بسبب أزمتها المالية، وهو بملابس النوم وبدلا من أن يتأثر بمفاتن الممثلة الشابة التى تشاركه بطولة الإعلان فهو يغازل أكياس الشيبس الموجودة بالحجرة، فى محاكاة ساخرة مما حدث فى الواقع.

 

 

التعليقات