زميلنا بيشوى وصفى المحرر فى بوابة «الشروق» الإلكترونية ذهب ليتابع وقائع تشييع ضحايا أحداث الخصوص من الكاتدرائية فى العباسية ظهر الأحد الماضى، فأصيب إصابة بالغة فى رقبته وكتفه. بيشوى لم يعرف أن الصحفى لم تعد له حرمة، وان الإعلام بأكمله صار مستهدفا.
بيشوى حاول معرفة من الذى يطلق الرصاص والخرطوش والمولوتوف، لكن قنابل ورصاصات الغدر عاجلته قبل ان يصل إلى الحقيقة.
بيشوى كان يكلم أحد زملائه بموقع «الشروق» عصر الأحد ليخبره بما يحدث، الزميل سمع الأخير صوت قوى، وصرخة من بيشوى ثم توقف الحديث.
تم نقل بيشوى إلى المستشفى القبطى غارقا فى دمائه لتجرى له جراحة عاجلة، ويحتاج إلى أكثر من جراحة حتى يعود لحالته إن شاء الله.
قبل ان نعرف حقيقة ما حدث عشنا فى «الشروق» لحظات لا يمكن وصفها من الرعب. فى كل لحظة كنا نسمع خبرا متناقضا.
فى البداية سمعنا انه أصيب برصاصة اخترقت الرقبة، ثم قيل ان الرصاصة خرطوش ومن مسافة بعيدة، وبعدها قيل انها من مسافة قريبة، أحد زملائه الذى رآه غارقا فى دمائه نقل إلينا صورة قاتمة، ثم فوجئنا ببعض الصفحات والمواقع الإلكترونى تعلن انه استشهد.
وبعد أكثر من ساعة من الرعب والنحيب والبكاء والاتصالات المحمومة لخطوط لا ترد أو خارج نطاق الخدمة، جاء أول خبر مطمئن بأن بيشوى حالته خطيرة لكنها مستقرة.
عندما تفقد الأمل فإن أى خبر يقول ان زميلك أو صديقك لايزال على قيد الحياة فهو خبر مفرح.
الطبيب الذى أجرى العملية الأولى لبيشوى قال انه نجا من الموت باعجوبة بعد انفجار «قنبلة مونة أو أسمنت»، بالقرب منه، وان مسامير وآلات حادة كثيرة تطايرت لتستقر فى رقبة وكتف بيشوى.
فى العمل الصحفى نكتب كل يوم عن الضحايا من القتلى والمصابين فى كل البقاع الساخنة بالعالم، نتعامل للأسف مع هؤلاء الضحايا باعتبارهم أرقاما، لكننا لا نقف لحظة كى نتأمل كيف يفكر أهل وأحباب الضحية، وكيف تلقوا الخبر وعاشوا اللحظات الأولى، ثم كيف «تكيفوا» مع الحقيقة والواقع. عندما يكون المصاب قريبا أو زميلك وقتها، تعيش مثل هذه اللحظات، وتجبر نفسك على التفكير فى ان المصاب بشر وله حكايات وقصص، وأهل وأقارب ومشاعر تعتصر الجميع من القلق والخوف والأمل والرجاء،وان هذا الضحية ليس مجرد رقم تضيفه الصحيفة أو الفضائية إلى رقم أكبر فى خبر أو تقرير ويتم نسيانه بعدها، أو استبداله بضحية جديدة.
ربما كان بيشوى محظوظا لانه يعمل فى صحيفة ستكتب عنه وتسلط الضوء على حالته، لكن آلاف المصابين فى كل الحوادث لا يذكرهم أحد بكلمة ويتحولون إلى مجرد أرقام.
أحد الحلول لذلك أن تهتم الصحافة بالجوانب الإنسانية لقصصها الخبرية، والا تقتصر على المعالجات الجافة والمصمتة.
ربما تدفع مثل هذه المعالجات إلى إعادة إيقاظ الضمير شبه الميت للقتلة والبلطجية والجزارين الذى يلغون فى دم المصريين.
ربما كانت جريمة بيشوى عصر الأحد الماضى انه اقترب أكثر من اللازم من المساحة التى يفترض الا يقترب منها، كى يرى وجوه القتلة. كثيرون فى مصر الآن لا يريدون للإعلام ان يصل إلى المكان الذى قد يكشف أسرار المخطط الدائر بقوة الآن لسرقة مصر أو حرقها.
الدم الذى سال من بيشوى وقبله الحسينى أبوضيف وكل صحفى أصيب أثناء تغطية الأحداث هو أفضل حائط صد ضد كل من يريد بالصحافة أو الوطن شرا.. سلامتك يا بيشوى.