المصالحة سيئة السمعة - محمد مكى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المصالحة سيئة السمعة

نشر فى : السبت 9 أبريل 2016 - 10:10 م | آخر تحديث : السبت 9 أبريل 2016 - 10:10 م
صدَّر نظام مبارك فى سنواته الأخيرة صورة نجله الأكبرعلاء بالمتدين والإنسان والزاهد فى الحياة، خاصة بعد وفاة ابنه، وبعده عن مجال السياسة التى جعلت أخاه الاصغر جمال فى مرمى النيران، وربما كان حلم العائلة فى التوريث وراء ما حدث لهم من مشاكل السجن والتشهير بعد ثورة يناير، وسط كل ما قيل يبقى الجزء الغاطس فى حياة تلك العائلة المرتبط بالأموال أصعب وأعقد بكثير، والوصول إلى آخره ربما يحتاج سنوات طويلة لكشفه. ما حدث من تسريب الاسبوع الماضى فيما عرف بـ«وثائق بنما» والإعلان عن شركات «اوف شور» لكبار الشخصيات ومشاهير فى العالم، جاء علاء مبارك من ضمنها، ووصف ملفه بشديد التعقيد، يجعل الكلام عن المصالحات المالية مع اركان نظام مبارك سئية السمعة، وسط مزاعم بأنها الحل الاخير لسد الملف الملغم بكثير من العجائب.

هناك مسئولية اخلاقية وسياسة على الانظمة المتعاقبة على حكم مصر من بعد 25 يناير، جعلت الدولة تقبل باية تسوية، ووصفها بأنها الافضل من العدم، خاصة ان العدم وهو ما حدث طوال السنوات الخمسة الماضية، ويحسب للنظام الحالى انه أبرم تسوية حسين سالم بالفعل، ويستعد لتسويات أخرى مع رموز النظام السابق. فما فعلته فى مصر يحتاج سنوات طويلة من العلاج، ربما اطول من حكمه، لكن هل نترك هؤلاء بعد كل ما حدث دون عقاب يتناسب مع الجرم. من واقع متابعة اعتقد انها طويلة لملف التسويات والتعثر، اقول إن هناك رضوخا وقبولا لتلك التصالحات كثيرة منها غير منصف للدولة أو المؤسسة ولكنها الحل الاسوأ، فقد نشرت قبل ثلاث سنوات على صفحات «الشروق» تفاصيل التسوية ونفس قيمة تصالح سالم، وخلال عامين من بعد يناير.. وهناك طلبات فعلية لتسوية من كبار نظام مبارك، وقت حبسهم وكثير منهم عرض التنازل عن مبالغ كبيرة جدا مقابل الافراج، لكن ما حدث من اخفاق وتراجع للثورة جعل هؤلاء يعودون لسيرتهم الاولى، ووصلت البجاحة بهم بأن دولتهم ونظامهم فى طريق العودة، وهو وهم مثل عودة مرسى عند الإخوان.

عودة إلى مستر إكس فى عائلة مبارك أقول إن التسريب الأخير هو مفتاح العودة لملف نهب اموال المصريين، فكثير من تلك الاموال هى حق لشعب يعانى نزيف وازمة مالية طاحنة، خاصة أن الجزء الأكبر من تلك الاموال خرج من هنا، فصناديق «الأوف شور» كانت من خلال بنك استثمار محلى وبمساهمة من شركات وبنوك تعمل على أرض الوطن، وشركاء تلك الاسرة معروفون وخضع عدد منهم للتحقيق، وسبل التخفى ظهر كثيرا منها، نحتاج فقط رغبة سياسية تفتح الملف، المفيد سياسيا وماليا للنظام الحالى، ويؤكد انفصاله بشكل قاطع عن ماضى كارهيه فى كثيرا منه. خاصة أن هناك شهادات ضخمة قدمت من بعضهم فى الفترة التالية ليناير تكشف كثيرا من الاسرار وتجعلهم «شهود ملك». للتاريخ مبارك نفسه فتح قضايا فساد كبيرة فى بداية حكمه تحت شعار«الكفن ليس له جيوب» وقضية فساد شقيق الرئيس الراحل السادات مثالا، لكن فى آخر حكمه اصبحت الجيوب شركات متعددة الجنسية وجنان ضريبية.

فتح ملف الاموال الهاربة يتماشى فى السياق مع فتح ملف الفساد الداخلى وما قيل من أرقام كفيلة بتصويب الاقتصاد، دون تجاهل ان القانون مازال عاجزا عن معاقبة كثير من الفاسدين، وجزء كبير منه صنع على ايديهم، فالجرائم المالية معظمها يكون رد المال طريق التسوية والهروب من الجرم، وإن كانت المؤسسات استفادت من قانون التصالح «البنوك» على سبيل المثال استفادت من المادة 132 والتى سمحت بالتسوية المالية حتى لو صدرت احكام نهائية، وتسمع فلسفة للقانون مفادها الاهم رد المال فى تعمد لنسيان الجانب الاخلاقى وما يترتب عليه من افساد للماضى وللمستقبل.

سوف يحاول الحواريون والمحبون للماضى، خلال الفترة المقبلة تصدير أن المصالحة هى الحل وأن تأسيس شركات «الاوف شور» قانونية فى كثير منها، وأن هناك أغراضا غربية امريكية للاعلان عن ملف بنما، لكن السؤال يبقى باية شروط ومناسبة لحجم الجرم، والاهم الكشف عن المتورطين معهم، والاموال التى انفقت، كما أن بشاعة ما قيل من إسراف مالى لبعض الاشخاص ممن جاءوا فى التسريب والؤثائق يؤكد أن محاكمة هؤلاء واجبة.

ربما لن يتاح للاجيال الحالية معرفة كل شىء من مفاسد الانظمة، لكن بلاشك جزء كبير بفضل اصحاب الضمائر ووسائل الإعلام التاريخ يخلده.
التعليقات