بابا نويل وشجرة الرمان - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بابا نويل وشجرة الرمان

نشر فى : السبت 10 ديسمبر 2016 - 10:50 م | آخر تحديث : الإثنين 12 ديسمبر 2016 - 1:44 م

أقف كالملايين فى زحمة المرور، محلك سر، لأن العسكرى قرر خلق إشارة على طريق من المفترض أن يكون سريعا. صرير فرامل فى الشارع، أعقبته ضجة، فإذا إحدى العربات قد دعست رجلا، وربما حطمت جمجمته تحت عجلاتها، وجاءت سيارة إسعاف، بعد ردهة من الوقت، لتحمل الجسد المدمى.

وسط هذا الجو الأسود الرهيب، قانون المصادفة ساق لى شجرة رمان، فى حديقة بيت قديم إلى جوار الرصيف، فكانت خير ونيس. أوراقها خضراء طوال السنة تبعث الحياة أينما حلت، حتى لو اختفت أزهارها الحمراء الفاجرة التى حملت العديد من النساء اسمها بالفارسية: جولنار، وموسمها عادة ما بين مايو وأغسطس. كانت مخيلتى تستعيد جمال الشجرة وتركز على فكرة عدم انتشارها فى جناين مصر، هربا من أخبار الراديو: تجاوزات جديدة، وساطات جديدة، خلافات جديدة، مخيمات جديدة، اتهامات جديدة، مؤتمرات جديدة، أزمات جديدة، وهكذا دواليك. ينطلق صوت نجاة الصغيرة تغنى «بان عليا حبه» من ألحان كمال الطويل، فأعيد اكتشاف كلمات صلاح جاهين، خاصة عندما يقول: «شباك الأمل وفتحته، والدنيا جناين تحته»، وكأنى أسمعها لأول مرة. أظل أرددها فى سرى وأكررها على مسامعى، بعد انتهاء الأغنية، كما لو كنت لا أرغب فى شىء آخر سوى «شباك للأمل» وأتخيل «الدنيا جناين تحته». أتشبث بالأمل، لأرجع من على خط الفزع، وأقول لنفسى ربما هو إحساس نهاية العام والرغبة فى استشراف ما بعده، فى نوبة من الأفكار الديسمبرية، وتذكرت أن صلاح جاهين، أحد باعثى الأمل فى حياتنا، مولود فى الخامس والعشرين من ديسمبر، لكن سنة 1930. هو الشخص المناسب جدا للحالة، فهو يمثل حركة التناوب بين الفرح والاكتئاب فى صورتها الإبداعية، سلسلة من المعانى الحانية، على الرغم من عمق الألم.. مبهج ولذيذ.. اختار دوما الطيبة والحيرة الودود، لينبهنا أيضا أن «الدنيا من غير الربيع ميتة. ورقة شجر ضعفانة ومفتفتة. لأ يا جدع غلطان تأمل وشوف. زهر الشتا طالع فى عز الشتا».

***

طاقة أمل وشباك له يطل على الجناين والأزهار، هذا هو سحر جاهين الدائم الذى جعل كلماته تلمسنى بشدة فى لحظة أقف فيها لا أبارح مكانى على الطريق، ومن حولى من تفتفتت عظام جمجمته ومن يشد اللجام لاويا عنق الركوبة كى يجبرها على اتباع بطء السير. جاهين بيوم ميلاده هو أيضا بابا نويل، دون لباس أحمر ولا ذقن بيضاء، نود لو استمررنا فى بعث الرسائل والأمنيات له كى يحققها ويلبيها، مثلما فى الحواديت، إيذانا بعام أفضل من الذى مضى.

نرغب فى أن نبعث له الرسائل، حتى لو تجاوز عمرنا الأربعين، كما فعل فى نهاية السنة الفائتة المغنى البريطانى توم يورك، عضو فرقة الروك «راديوهيد» وكاتبها الرئيسى، عندما كتب خطابا إلى بابا نويل يطالبه فيه ببعث المزيد من الأمل، قائلا: «عزيزى بابا نويل، لم أكتب لك منذ فترة طويلة (..) فآخر مرة بعثت لك برسالة كان عمرى تسع سنوات، حاولت من وقتها أن أتحلى بالعقل، لكن الحظ لم يحالفنى على الدوام، فكان لا بد من بعض الهفوات الكبيرة أحيانا. (...) هل يمكن أن تبعث لأبنائى مزيدا من الأمل فى المستقبل؟ فهذا أمر هام جدا. لا أطالبك بحل مشكلات الإنسانية كافة، فنحن نتحملها جميعا، لكن هل من الممكن أن تحرم أصحاب شركات البترول ومن على شاكلتهم من الساسة من الهدايا هذه المرة؟». هل لنا أن نضم صوتنا لصوته ونردد دعواته، جنبا إلى جنب مع كلمات صلاح جاهين حول شباك الأمل وأزهار الشتاء؟ هل لنا أن نسب ــ مرة أخيرة ــ كل الفرق التى تريد أن ترمى الكرة فى سلة الشرق أو فى سلة الغرب وترمينا نحن فى سلة المهملات؟ ربما فى وقت كهذا من الأفضل أن نتجاهل هؤلاء ونتذكر «شباك أمل» جاهين وإنسانيته المرهفة وأزهار الرمان وورود عيد الميلاد الحمراء. لحظات وداع تليها بدايات جديدة.

التعليقات