موقف المسيحيين من تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم - رانية فهمى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موقف المسيحيين من تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم

نشر فى : الخميس 10 ديسمبر 2020 - 9:55 م | آخر تحديث : الخميس 10 ديسمبر 2020 - 9:55 م

يتباين موقف المسيحيين حيال تطبيق شريعة غير شريعتهم فى مسائل الزواج وآثاره مثل الطلاق والنفقة وغيرهما، فهناك من يفرق بين الناحية الدينية والناحية الاجتماعية لهذا التطبيق. فذكر عزمى بشارة فى كتابه «هل من مسألة قبطية فى مصر؟» أنه فى حالة سُئل مسيحى متدين ومخلص فى عقيدته عن رأيه فى تطبيق الشريعة الإسلامية فى حالة اختلاف الملة / المذهب أو الطائفة، لتحفظ على ذلك من الناحية الدينية إذ سوف يرى أنه حتى لو طُبقت عليه شريعة المذهب أو الطائفة الأخرى فذلك سيكون أقرب له من الشريعة الإسلامية. ولكن لو قيل له إن تطبيق الشريعة الإسلامية سيمكنه من تطليق زوجته عند استحالة العشرة معها، ففى الغالب سوف يرحب ويؤيد ذلك.
ووفقا لبشارة، يرى فريق ثانٍ من المسيحيين أن تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم عند اختلاف ديانتى الطرفين، أو الملة أو الطائفة، يعتبر تمييزا ضدهم لصالح المسلمين؛ حيث يُفرض على المسيحى اعتناق الإسلام عند زواجه من مسلمة فى حين أن شريعته الأصلية تُحرم الزواج من خارج الدين المسيحى أيا كان هذا الدين، فالمسيحى لا يجوز له الزواج من مسلمة والمسيحية لا يجوز لها الزواج من مسلم، فى حين تسمح الشريعة الإسلامية بزواج المسلم من مسيحية وليس العكس. فإذا تزوجت مسلمة من مسيحى يُعتبر زواجها باطلا، وأيضا إذا أسلمت المسيحية المتزوجة من مسيحى، فيجب أن تُطلق إذا الزوج رفض التحول هو الآخر إلى الإسلام، وتُعطى حضانة الأطفال للزوجة.
بينما يرى فريق ثالث أن الزواج المدنى كذلك الذى تتبعه البلاد الأوروبية يجب أن يكون متاحا بجانب الزواج الدينى، ولكن ذلك سوف يتطلب تغييرات جوهرية فى شروط انعقاد الزواج وفقا للشريعتين الأورثوذكسية والكاثوليكية اللتين تلزمان إتمام الزواج بإجراءات وطقوس دينية معينة على يد أحد رجال الدين.
وترى كريمة كمال فى كتابها «الأحوال الشخصية للأقباط: من تفاحة بنت شنودة إلى وفاء وكاميليا»، نقلا عن أستاذ القانون والمهموم بهذه القضية سمير تناغو أن تطبيق الشريعة الإسلامية على المسيحيين يشكل مشكلة جسيمة عندما يحصل المسيحى على حكم محكمة بطلاق طال انتظاره بعد سنين من السعى للحصول عليه فى أروقة المحاكم ثم لا تعترف الكنيسة الأورثوذكسية به لاعتبارات أهمها عدم اعترافها بأسباب طلاق غير الزنا وتغيير الدين المسيحى، كالطلاق بأسباب النفور أو الهجر. ويبقى المطلقون قضائيا غير مُعترف بطلاقهم من كنيستهم وبالتالى لا يستطيعون الزواج مرة ثانية وتعرف هذه المشكلة بمشكلة «العالقين». كما يسبب عدم سماح الكنيسة الأورثوذكسية بزواج الزانى/ة مرة ثانية نفس المشكلة بين الكنيسة والقضاء، ففى حين تعترف المحكمة بالزواج الثانى حتى للزانى، تحرم الكنيسة عليه ذلك مدى الحياة. وإزاء هذه الصعوبات قد يضطر المتزوجون احتمال حياة مستحيلة معا أو الانفصال الجسدى فقط لعدم وجود بدائل.
ويطرح تناغو اقتراحا بديلا عن تطبيق الشريعة الإسلامية فى حالة اختلاف الملة / المذهب وهو إما تطبيق شريعتى الزوجين معا فى الشروط الموضوعية لصحة الزواج، أو شريعة الزوج وحده وقت عقد الزواج أو شريعة الزوج وحده وقت رفع دعوى التطليق.
وفى اعتقادى أن التوسع فى أسباب الطلاق داخل الشريعة المسيحية لمختلف المذاهب والطوائف يمكن أن يكون ملجأ لمنع إقبال بعض المسيحيين على تغيير ملتهم أو طائفتهم كى تُطبق عليهم الشريعة الإسلامية التى تجيز الطلاق. والأمر الثانى الذى أرى أنه فى غاية الأهمية أنه يجب أن يكون هناك توافق بين موقف الكنائس المسيحية فى مصر والتشريعات القانونية التى تضعها الدولة كما بينا فى مشكلة العالقين.
قيود تطبيق الشريعة الإسلامية
إن تطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين مقيد بعدة اعتبارات ومحل خلاف على بعضها الآخر، نذكرها هنا على سبيل الحصر:
• يجب ألا يكون فى تطبيق الشريعة تعارضا مع جوهر العقيدة المسيحية.
• ألا يكون هناك خلاف بين الفقهاء.
• حق المرأة فى الاستفادة من نظام الخلع وكونه ليس حقا مطلقا، بل يخضع لما هو مسموح فى شريعة الزوجين.. ونتناول الآن كل نقطة بشىء من التفصيل.
التعارض مع الشريعة الأصلية
بما أن الشرائع المسيحية كلها تجتمع على تحريم تعدد الزوجات أو تعدد الأزواج استنادا إلى التعاليم المسيحية فى كل المذاهب التى تقوم على فكرة عدم اتخاذ أكثر من زوجة واحدة أو زوج واحد فى وقت واحد، فلا يجوز الجمع بين أكثر من زوجة أو زوج. وهذا المبدأ ساد المسيحية منذ مولدها ولم يكن محل خلاف بين الكنائس باختلاف مذاهبها وطوائفها. وبالتالى ليس من حق الزوج المسيحى فى حالة اختلاف المذهب أو الطائفة الذى يستتبعه تطبيق الشريعة الإسلامية استعمال حق تعدد الزوجات المقرر للمسلمين، ويُعتبر الزواج بثانية زواجا باطلا حتى لو رضى به الزوجان، ويكون لذوى الشأن حق الطعن عليه.
وفى حالة أخرى يمنع تطبيق الشريعة الإسلامية فيها هى عندما تكون هناك نية الطلاق وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية وأحد الزوجين أو كليهما كاثوليكيا، فبما أن الشريعة الكاثوليكية تُحرم الطلاق نهائيا، وهذا فى صلب العقيدة الكاثوليكية، فلا تُطبق الشريعة الإسلامية التى تجيز الطلاق، ويستمر الزواج.
الخلاف بين الفقهاء القانونيين
اختلفت الآراء حول حق الرجل غير المسلم أن يطلق زوجته بإرادته المنفردة دون اللجوء للقضاء، وذلك بعكس ما هو مباح فى الشريعة الإسلامية. فهناك فقهاء ذهبوا إلى عدم إجازة الطلاق بالإرادة المنفردة قبل اللجوء للقضاء لأن المحكمة هى الجهة المختصة أصلا فى تقرير ما إذا كانت شريعة المسلمين تُطبق فى حالة تخلف شرط من شروط تطبيق شريعة غير المسلمين. فحين تقرر المحكمة أن الشريعة الإسلامية واجبة التطبيق، يجوز للرجل غير المسلم أن يطلق زوجته بإرادته المنفردة أسوة بالرجل المسلم. والحجة فى ذلك منع أن يجد الزوج نفسه معلقا إذا حكمت المحكمة بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية ويكون هو قد طلق زوجته فعلا، فيفاجأ أن زواجه ما زال قائما. ومما يفاقم من المشكلة لو كان قد تزوج بالفعل من أخرى فيجد أن زواجه الآخر باطل.
وهناك فقهاء يجيزون طلاق الرجل بإرادته المنفردة قبل اللجوء للقضاء، وإذا قررت المحكمة أن الشريعة الإسلامية هى الواجبة التطبيق فحينها تكون المحكمة مؤكدة على وقوع الطلاق وليست منشئة له، ويُعتبر الطلاق صحيحا. أما إذا كانت شروط تطبيق الشريعة الإسلامية لم تكن متوافرة ومن ثم لم يكن يحق للرجل تطليق زوجته، يُعتبر الطلاق كأن لم يكن.
وأخيرا، هناك رأى وسط بين الاتجاهين السابقين ذهب إلى اللجوء للقضاء لتقرير الشريعة الواجبة التطبيق، فإذا ثبت استيفاء شروط تطبيقها يجوز للرجل تطليق زوجته ويسجل تاريخ الطلاق بتاريخ صدور حكم تطبيق الشريعة الإسلامية. أما إذا كان أمر تطبيق هذه الشريعة أمرا ثابتا لا محل للنزاع فيه وبالتالى ليس هناك مبرر للجوء للقضاء مثل أن يكون الزوجان مختلفى الملة أو الطائفة، فللرجل الحق فى تطليق زوجته بدون اللجوء للمحكمة، ويثبت الطلاق من وقت وقوعه.
حق المرأة فى الاستفادة من نظام الخلع
إذا كانت الشريعة الإسلامية واجبة التطبيق على غير المسلمين، فمن حق المرأة غير المسلمة الاستفادة من نظام الخلع الذى تفتدى فيه المرأة نفسها بألا تطالب بحقوقها المالية الشرعية نظير أن تحكم المحكمة بتطليقها منه مثلها مثل المرأة المسلمة. الحالة الوحيدة التى تُحرم فيها المرأة غير المسلمة من هذا الحق حين تكون شريعتها أو شريعة زوجها تُحرم الطلاق وهذا يحدث فقط فى الشريعة الكاثوليكية. ففى حكمين قضائيين يبدوان متناقضين حكمت محكمة أجازت بخُلع الزوجة الأورثوذكسية السريانة من زوجها الأورثوذكسى القبطى، بينما رفضت محكمة أخرى طلب الزوجة المارونية الكاثوليكية (غيرت ملتها من القبطية الأورثوذكسية) بالخلع من زوجها القبطى الأورثوذكسى، لأن شريعتها تحرم الطلاق قولا واحدا. ويبدو أن هذه المرأة غيرت ملتها لتحصل على الطلاق ولكن اختارت الملة الوحيدة التى لا تجيز الطلاق.
وإذ أدرك مدى تشابك وتعقد مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين فى موضوع بحساسية مسائل الزواج وآثاره، ففى ظنى أن وجود نصوص قاطعة بالقوانين المنظمة لتلك المسألة سوف تحسم جدلا كبيرا وتضارب الأحكام القضائية، فكان يجب النص صراحة على نطاق تطبيق المادتين الثانية والثالثة من الدستور فإذا تم التوافق بين الدولة من جهة والكنائس المصرية من جهة أخرى على الأحوال الشخصية التى يتم تطبيق شرائع المسيحيين والمسائل التى تُطبق فيها الشريعة الإسلامية، فيجب حينها أن تُعدل القوانين وفقا لنص مادتى الدستور الثانية والثالثة مما لا يدع مجالا للشك عند الكنائس والجهات القضائية التى تنظر فى المنازعات بين المسيحيين أى الشرائع ستطبق. كما كان يجب تضمين نصوص تشريعية محددة لقيود تطبيق الشريعة الإسلامية تكون المرجع والسند الأساسى للأحكام القضائية. وفى هذا الصدد أرى أن إصدار قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين الذى طال انتظاره سوف يحل الكثير من المسائل.

التعليقات