تنويه: فى كتابة هذا المقال استندت إلى مسودة مشروع القانون الأولى المنشورة والتعديلات التى طرأت عليها، بعد المناقشات خاصة مع نقابة المحامين وغيرها من الجهات، التى نشرت فى الصحف لأن التقرير النهائى للمشروع لم يُصدر بعد.
أريد هنا التفرقة بين حالتين: التعويض فى حالة البراءة من الجريمة التى حُبس المتهم احتياطيا من أجلها لكنه لا يزال محبوسا على ذمة قضايا أخرى، وبين التعويض فى حالة البراءة وهو ليس على ذمة أى قضايا.
فى الحالة الأولى، نقل مشروع القانون حرفيا كل المواد الخاصة بها من القانون الحالى: فلو حصل المتهم على براءة عن التهمة المحبوس من أجلها لكنه ما زال محبوسا على ذمة قضايا أخرى، تُخصم مدة الحبس الاحتياطى من المدة المحكوم بها فى أى جريمة أخرى أو يكون حُقق معه فيها أثناء حبسه احتياطيا. فلو مثلا قضى ثلاثة أشهر فى الحبس الاحتياطى فى قضية وحصل على حكم بالبراءة لكن ما زال محكوما عليه فى قضية أخرى بالحبس ستة أشهر، تصبح مدة الحبس الباقية ثلاثة أشهر فقط.
ولو حُكم على المتهم المحبوس احتياطيا بالغرامة فقط، فى الجرائم التى فيها تخيير القاضى بين الحبس مدة لا تقل عن سنة و/أو الغرامة والقاضى حكم بالغرامة فقط، يُعوّض المتهم ماديا عن كل يوم حبس احتياطى ويُخصم المبلغ الاجمالى من الغرامة. وهنا رفع المشروع القيمة المادية من خمسة جنيهات عن اليوم الواحد فى القانون الحالى لـ50ج فى مشروع القانون. والحقيقة لا أدرى على أى أساس تم احتساب مبلغ الـ50ج لأنه فى ظنى الأساس السليم هو احتساب قيمة الخمسة جنيهات وقت صدور القانون الحالى فى سنة 1950 بقيمتها وقت نفاذ القانون الجديد.
أما فى الحالة الثانية وهى حالة تنفيذ الحبس الاحتياطى بدون ارتكاب المتهم جريمة أخرى أو حُقق فيها معه أثناء الحبس الاحتياطى، فيجب التفرقة بين التعويض الأدبى والتعويض المادى.
فبالنسبة للتعويض الأدبى نقل مشروع القانون (312) نصا حكم المادة المنصوص عليها فى القانون 145 لسنة 2006 وأضيفت فى القانون الحالى فى المادة 312 مكررا توجب على النيابة العامة نشر كل حكم بات ببراءة من سبق حبسه احتياطيا، وكذلك كل أمر صادر من النيابة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية (مما يعنى قرار النيابة أنه لا يوجد سبب لإقامة الدعوى الجنائية من أصله) فى جريدتين يوميتين واسعتى الانتشار على نفقة الحكومة.
لى تعقيبات على نوع التعويض الأدبى هذا: أولا، هل هذا هو كل التعويض الأدبى للمتهم الذى حُرم من أهم حقوقه وهى حريته المشدد عليها فى الدستور فى المادة 15؟ وحتى لو كان هذا هو التعويض الأدبى الوحيد، هل سمعنا عن نشر النيابة فى جريدتين خبر براءة المتهم بعد حبسه احتياطيا؟ أتصور أيضا أنه كان يجب إضافة عبارة «بكل وسائل النشر الحديثة» لعبارة «النشر فى جريدتين واسعتى الانتشار» لمواكبة التغيرات فى المنابر الصحفية من الصحافة الورقية للإلكترونية، وأيضا النشر فى الموقع الرسمى الإلكترونى للنيابة العامة.
التعويض المادى
استحدث مشروع القانون مادة مهمة 523 عن التعويض المادى ووضع ضوابط لمستحقيه. فقد حدد المشرع مستحقى التعويض حصريا، مما يعنى الفئات المذكورة فقط فى المادة، وهى:
الفئة الأولى: المتهم بجريمة معاقب بالغرامة، أو جنحة معاقب عليها بالحبس مدة تقل عن سنة.
الفئة الثانية: المتهمون الذين صدر لصالحهم أمر نهائى بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم صحة الواقعة.
تعليق: الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية يكون بأسباب كثيرة منها عدم صحة الواقعة وهى من ضمن الأسباب الموضوعية التى تتعلق بالواقعة نفسها، إلا أن هناك أيضا أسبابا أخرى منها عدم كفاية الأدلة، وأن الواقعة لم ترتكب أصلا مثل لو ادعى شخص مقتل شخص وإخفاء جثته ثم اتضح أثناء التحقيق أن المُدعَى بقتله ما زال على قيد الحياة، أو إثبات الواقعة لكن بدون إثبات لاتهام شخص بعينه. فلماذا التضييق من الأسباب الموضوعية؟
الفئة الثالثة: المتهمون الذين صدر حكم بات ببراءتهم من جميع الاتهامات المنسوبة إليهم مبنيًا على أن الواقعة غير معاقب عليها، أو غير صحيحة، أو أى أسباب أخرى بخلاف حالات البطلان أو التشكك فى صحة الاتهام أو أسباب الإباحة أو الإعفاء من العقاب، أو العفو، أو امتناع المسئولية.
تعليق: استعصى علىّ فهم الحكم بالنسبة للحالات المذكورة بعد كلمة «بخلاف» والتى تعنى «باستثناء» أو «ما عدا» أو «غير»: هل معناه أن فى أى حالة من هذه الحالات لا يستحق الذى حُبس احتياطيا تعويضا من الدولة؟