فى عصر الكوارث المتداخلة - نبيل الهادي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى عصر الكوارث المتداخلة

نشر فى : الخميس 11 أبريل 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الخميس 11 أبريل 2024 - 6:55 م

 فى محاضرة أخيرة، بدأ يوهان روكستروم أحد أكبر علماء المناخ بتعريف ما نعيشه حاليًا بما يعرف بالكوارث المتعددة، وحددها بأربعة وهى: أولها كارثة التغير المناخى وثانيها كارثة تدهور التنوع الطبيعى وثالثها كارثة الفيروس كوفيد ١٩ ورابعها كارثة الحرب فى أوكرانيا وغزة.

ما شدد عليه فيما قال هو أن هذه الكوارث متداخلة معًا، وهو ما يجعل ليس فقط كل منها أسوأ ولكن التأثير المجمل لها على منظومة كوكب الأرض والكائنات التى تعيش عليه، ومنها نحن البشر طبعًا، أسوأ بكثير وربما تدفعنا بصورة أكثر تسارعًا لمناطق خطرة للغاية فى الحدود الكوكبية التى تجعل حياتنا على سطح الأرض ممكنة أصلاً.

ويؤكد هذا المفهوم على الفكرة التى أصبحت الآن مدخلنا الرئيسى لفهم ما يحدث، أى أننا نعيش فى إطار منظومة شديدة التعقيد يترابط أجزاؤها معًا بصورة قد ندرك بعضها ولا ندرك الآخر.

ولكن النتيجة الأهم هو أن تأثر مناطق من تلك المنظومة، بغض النظر عن حجمها الجغرافى، سيؤثر بلا شك على باقى أجزاء المنظومة، فبعضها سيتأثر أكثر من البقية وبصورة أسرع ولكن المنظومة كلها ستتأثر فى النهاية. النتيجة الأخرى التى لا تقل أهمية أن التعامل مع المنظومات المركبة وأجزائها التى هى فى الأغلب منظومات فرعية مركبة هى الأخرى لن يأتى بنتيجة فعالة إذا اكتفينا بمحاولة التعامل مع العوارض أو ما يظهر على السطح منها متجاهلون أو غير مدركين للمنظومة كلها ولجذور المشكلات أو الكوارث والتى يجب التعرف عليها والتعامل معها إن أردنا أن نعالج تلك الكوارث أو التحديات المعقدة. وكما فى الكوارث المركبة، وكما كان واضحًا مثلا فى التغير المناخى، علينا جميعًا أن نعمل لأن الاكتفاء بتوجيه الأصابع للآخرين لن يساعدنا.

كذا أن الآخرين وإن اغتروا بما لديهم من قوة اقتصادية وسياسية وغيرهما وظنوا أنهم قد يستطيعوا التعامل مع تلك الظاهرة بما يُبقى على مكاسبهم وقوتهم بل ربما وجدوا فيها فرصة لمزيد من المكاسب، هم فى الحقيقة واهمون كما يظهر فى دراسات وأبحاث العديد من علمائهم، وكما يظهر فى العديد من الحركات الاحتجاجية فى بلادهم والتى بدأت فى كشف زيف العديد من الادعاءات التى تتبناها الحكومات وأيضًا الممارسات المشبوهة والمضللة والتى لن تمكنهم من النجاة فى النهاية.

نحن فى هذه البقعة من الجنوب العالمى فى مواجهة موقف مركب للغاية لا نملك إزاءه أن نترك مجتمعاتنا لمصير لا نرجوه بالتأكيد لأنفسنا ولأجيالنا القادمة.

ولظروف متعددة فإن إمكانات العمل المؤثر لدينا محدودة للغاية ولكنها كما أظن ليست معدومة. لهذا الإدراك بطبيعة تلك الكوارث وتداخلها وموقعنا كبشر والبيئة الطبيعية تأثير كبير للغاية فى صياغتنا للإطار الاقتصادى والاجتماعى والسياسى.

ولأن هذا ينبغى أن يبنى على بيانات متعددة وتحليل لتلك البيانات وأنماطها وما تعنيه الآن، وعلى المدى القريب والمتوسط نستطيع أن نبنى حوارًا قائمًا على معلومات وفهم أفضل للسياق الذى تشكله تلك الكوارث المتعددة. وكما يطرح العلماء سيناريوهات مستقبلية لعواقب التغير المناخى طبقًا لمسارات العمل التى تتبناها وتنفذها الحكومات المختلفة، فنحن فى أشد الحاجة إلى سيناريوهات محلية تحول تلك الكوارث المتعددة من خلال بيانات مفصلة إلى ما يمكن فهمه ووضع بدائل حالية ومستقبلية للتعامل معه، ويمكن من خلالها إشراك أفراد المجتمع الذى سيتأثر كل فرد فيه بأى مسار نختار.

وضع التحديات التى تواجهنا فى هذا الإطار يمكن أن ينتج مخرجات مختلفة تماما، لأن تصور الاقتصاد المصرى فى أطر النظريات الكلاسيكية للاقتصاد سيكون مختلفًا تمامًا لو وضعناه فى إطار مواجهة التغير المناخى وتدهور التنوع الطبيعى وجائحة كوفيد ١٩ وحربى أوكرانيا وغزة. ومخرجات هذا الإطار ستساعدنا بلا شك فى تحديد مناطق الضعف والفجوات والمسارات التى يجب أن نتبناها.

وهذا ينطبق أيضًا على فهم ما يحدث فى منظومة الطاقة ومنظومة المياه ومنظومة الطعام ومنظومة التنقل وباقى المنظومات الأخرى. وستؤثر المخرجات المتوقعة على ما يجب أن نقوم به بصورة عاجلة خاصة فى منظومة التعليم والصحة. تضعنا تلك الكوارث المتعددة أمام لحظات فارقة ليس فى مصير الكوكب ومن عليه ولكن فى مصير مجتمعنا.

كما ذكرنى الأستاذ الدكتور محمد أسعد عبد الرءوف فى أحد النقاشات، فإن المنظومات المركبة (ومجتمعنا أحد تجلياته) لا يمكن إصلاحها من خارجها لأنها تصاب بالعطب ولكن يجب إصلاحها من داخلها. لا نستطيع أن نترك الآخرين يدرسون ويخططون ويقررون بدلا منا أو بدلا من جيراننا المستضعفين فى أماكن أخرى؛ لأنهم ببساطة لن يستطيعوا. وسيتطلب أخذ أمورنا بأنفسنا الكثير من الجهد والعمل اللذين يمثلان الجانب العلمى والفكرى جزءا لا يستهان به فيه، ولكن ليس لدينا بدائل أخرى إن أردنا أن نتخلى أو نتوقف عن أحلام اليقظة وبدأنا الإعداد لمستقبل أفضل.

التعليقات