رمسيس يونان الفنان المتمرد فى مئوية ميلاده - شعبان يوسف - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رمسيس يونان الفنان المتمرد فى مئوية ميلاده

نشر فى : الجمعة 11 أكتوبر 2013 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 11 أكتوبر 2013 - 8:50 ص

فى تقديمه للكتاب الضخم الذى جمع مقالات ودراسات كثيرة للفنان رمسيس يونان بعد رحيله، وصدر العام الماضى عن مكتبة الأسرة التى يريد البعض أن يفتك بها، كتب لويس عوض مقدمة صافية وعظيمة جاء فيها: «والذى هشم المنظور وجعل فى الأبعاد الثلاثة مرحلة مضت وانقضت، وفتح الأبواب للاجتهاد والرمز، وخارج حدود السيمترية، هو رمسيس يونان، فلولا يونان لما كان كامل التلمسانى وفؤاد كامل وتحية حليم وجاذبية سرى وآدم حنين وهجرس وعشرات الفنانين..

لقد عبد لهم الطريق وأزال ما يعترض انطلاقهم من أشكال وقواعد تقليدية وحدود للرؤية»، هذا هو ملخص رمسيس يونان الذى ضمته جماعة الفن والحرية مع رفاقه جورج حنين وأنور كامل والبير قصيرى وغيرهم، وكان يونان أحد الأعمدة الكبار فى هذه الجماعة، والذين دفعوا بها إلى الأمام، وإن كان يعانى معاناة ضخمة، لدرجة أنه شعر بالغربة والاغتراب فى الوقت ذاته، فهاجر من مصر عام 1947، وفى 1948 أقام معرضا فنيا خاصا هناك، وكتب عنه الناقد جاك لاسين المدير الأسبق لمتحف الفن الحديث بباريس، وقال عنه: «إن رمسيس يونان يسعى للكشف عن معان خفية من وراء الألوان والخطوط، غير أن الإرادة تتدخل لدى الرسام البارع حاملة إياه على خلق عالم خيالى يتميز بشدة دقته الشاعرية»، والتحق بالقسم العربى فى الإذاعة الفرنسية، وأثناء حرب السويس الشهيرة بالعدوان الثلاثى على مصر عام 1956، غادر يونان الإذاعة، ونشرت «النيويورك تايمز» خبرا بطرد رمسيس يونان من الإذاعة الفرنسية هو وثلاثة من زملائهز

وصدر قرار بطردهم من الأراضى الفرنسية لأنهم رفضوا إذاعة بيانات ومواد ضد مصر، وهناك تدخل الدكتور ثروت عكاشة الذى كان ملحقنا العسكرى فى سفارة مصر بباريس، وحاول أن يسند إليه بعض الأعمال فى السفارة، ولكن السلطات الفرنسية رفضت، وأصرت بقوة على قرار الطرد من الأراضى الفرنسية، وبالفعل عاد يونان إلى مصر بعد أن باع بيته الصغير الذى أسسه هناك بثمن بخس، ليعانى مرة أخرى ضيق ذات اليد، فزملاؤه الذين طردوا معه تم إلحاقهم بهيئة الاستعلامات المصرية، لكن طلبه رفض، وهذا لأن له ملفا قديما فى إدارة الأمن العام حرمته من العمل، وهعو الفنان والناقد والمفكر الفنى إذا صح التعبير، واضطر يونان أن يلجأ للترجمة، فترجم كتاب عن الأراجوز، وكتاب « قصة الفن الحديث»، ولكن يوسف السباعى سرعان ما انتبه لحالة رمسيس يونان، فعينه مديرا للشئون الفنية فى المؤتمر الآسيوى الأفريقى، وكانت وظيفته أن يترجم بعض التقارير، ويراجع بعض مايترجمه الآخرون، وعندما أنشأ ثروت عكاشة مشروع التفرغ عام 1960 أثناء توليه الأول لوزارة الثقافة، حصل يونان على منحة التفرغ، وحتى هذه المنحة حورب فيها، وكان أحد الذين رفضوا تفرغه بشدة الكاتب عباس محمودالعقاد، وهدد بالاستقالة لو حصل يونان على المنحة، ولكن تدخل ثروت عكاشة ومن بعده عبدالقادر حاتم، ضمن له الحصول على هذه المنحة مدة ست سنوات متصلة، ولكنه حصل عليها فى العام الأخير من حياته بصفته مترجما وليس مصورا.

تتوزع جهود رمسيس يونان بين الرسم والنقد الفنى والترجمة، ورغم أن رمسيس يونان كان أحد المنتصرين للسيريالية، إلا أنه لك يكن منتميا على المستوى الفنى لمدرسة معينة، فهناك البعد الكلاسيكى فى رسوماته كما كتب اندريه جيد، وبعض آخر يعتبره أحد الفنانين التجريديين، وفى هذا المعنى كتب بدر الدين أبوغازى فى مقدمته للكتالوج الخاص بيونان: «لكن رمسيس يتنكب الأساليب التجريدية السائدة فى المعالجة اللونية وينأى عن مسطحات اللون الصماء ويستعير من الشرق همهمات لونه وقدرته على صياغة هذا النسيج الفنى بصبر ينفذ إلى ماوراء قناع اللون من الغاز»، وهناك كثيرون كتبوا عن لوحات يونان، وأشادوا بها أيما إشادة، وفى مجال النقد الفنى والأدبى، فقد كتب كتاب «غاية الرسام المصرى»، وصدر فى طبعة أنيقة عن مطبوعات جماعة الفن والحرية، وقد وصفه حبيب جورجى فى مقدمته بأنه «عرض موجز ممتع لطائفة من أحدث الآراء وأجرأها فى الفن»، ولذلك كان هذا الكتاب بمثابة المينافيستو بالنسبة للجماعة، وكان هذا الكتاب هو باكرة إنتاج يونان النقدى، بعدها انطلق ناقد فنيا وصحفيا فى الصحف، عارضا لجميع المدارس الفنية الجديدة فى العالم، وكانت كتاباته بالإضافة إلى المتعة التى تمنحها للقارئ دون صعوبة، رغم أنه يكتب فى مجالات متخصصة.

هناك الجانب العميق الذى يبرز من خلال هذه الكتابة، فكتب عن الفن واتاريخ، وفلسفة البانطو، وفلسفة البير كامى، وخطورة الفاشية، والمعنى فى الفن، وكذلك كتب عن مجموعة فنانين مصريين، منهم محمد محمود خليل وناجى ومحمود سعيد وغيرهم، هذه المقالات والدراسات التى جمعتها الهيئة العامة للكتاب وصدرت فى مجلد كبير، ولكننى لاحظت أن هناك دراسات وكتابات لا تقل أهمية عما نشر فى الكتاب، مازالت تحتاج إلى تضمين، ويبدو أن جامع الكتاب لم يعثر عليها فى حين نشر الكتاب، وأرجو فى هذه المئوية أن يجمع كل تراث الفنان رمسيس يونان الذى رحل عن عالمنا، وهو فى أوج عطائه عام 1966، ورثاه الشاعر كمال عمار فى قصيدة يقول فى مطلعها: «ديسمبر فى اليوم الرابع والعشرين، العام السادس والستين، فى منتصف القرن العشرين، كنا نحتفل وما كان الظن.. أن شهيد الحفلة أنت».

أما فى الترجمة، فقد ترجم القصيدة المهمة «فصل فى الجحيم» للشاعر الفرنسى أرثر رامبو، وترجم مسرحية «كاليجولا» للبير كامى، ويقول لويس عوض: «ويوم أن مات رمسيس يونان وجد بين أوراقه مخطوط ترجمه لست وثمانين صفحة من كتاب مالرو «تناسخ الآلهة» ثم يعقب ساخرا «فهنيئا للجنة التفرغ تيجان العار لا تيجان الغار»، هذا بالإضافة لكتاب الأراجوز الذى أشرنا إليه سالفا.ورواية «الحب الأول» لتورجنيف.

هذا الفنان والناقد والمترجم العظيم، يحتاج لتكريم ضخم، لكن فى ظل هذا الزمن البائس، وتراجع الاهتمام بتكريم مثل هؤلاء العظام، لا أعرف لمن أتوجه، ورهاننا الأكيد والاول على الثقافة الحرة بعيدا عن الأروقة الرسمية العقيمة والبطيئة والعاجزة كذلك.

شعبان يوسف  كاتب صحفي
التعليقات