حرب على الشائعات؟ حق الإتاحة أولًا - محمد بصل - بوابة الشروق
الخميس 11 ديسمبر 2025 10:09 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما تقييمك لمجموعة المنتخب المصري في كأس العالم برفقة بلجيكا وإيران ونيوزيلندا؟

حرب على الشائعات؟ حق الإتاحة أولًا

نشر فى : الخميس 11 ديسمبر 2025 - 7:10 م | آخر تحديث : الخميس 11 ديسمبر 2025 - 7:10 م

‎البيانان اللذان أصدرهما مجلس الوزراء، الأحد والأربعاء الماضيين، بشأن التعامل مع الشائعات الخطيرة على الاقتصاد الوطني، لابد أن يقلقا كل صاحب رأي وصحفي ومتعامل مع المعلومات والأخبار عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي.

‎قفز البيانان على توضيح ماهية الشائعة، أو الخبر الكاذب، ومن الذي يملك توصيف معلومة بأنها شائعة، وما الجهة التي ينبغي أن تفصل في نزاع ما بين شخص نشر معلومة معينة عن طرف ما، وبين التفنيد الذي سيقدمه هذا الطرف المتضرر من نشر المعلومة. ثم ما هي الكيفية أو الإجراءات التي يمكن للمتضرر أو لناشر المعلومة اتباعها لإثبات صحة موقف أي منهما؟

‎العناصر السابقة تمثل -باختصار- عصب مسألة الحكم على الشائعات. فالشائعة لن تكون كاذبة إلا إذا كانت مناقضة لمعلومة ثابتة معروفة بالضرورة أو منافية لحقيقة يستأثر بها طرف ما ولا يكشفها. والمعلومة بحد ذاتها لا يمكن وصفها بـ"الشائعة" إلا إذا عجز ناشرها عن إثباتها، أو إذا تضافرت جهود معينة لإخفاء الحقيقة أو تضليل الرأي العام بشأنها، مما يوجب أولًا أن نبحث في مدى توافر "حق الإتاحة" المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور، والتي تُلزم الدولة بتوفير المعلومات وإتاحتها للمواطنين بشفافية.

‎في ظل تفعيل "حق الإتاحة" الدستوري، تنهار الشائعات. لا مكان للاكاذيب تحت الضوء. أما الظن بأن العقوبات وتشديدها هو الضرورة الأولى، فهو تصوُّر قاصر، فالتشريعات تزخر بنصوص يمكن توظيفها ضد مروّجي الأخبار الكاذبة عبر مختلف المنصات، وتصدر عشرات الأحكام الجنائية سنويًا في هذا الشأن.

‎كما عكست لهجة البيانات والتصريحات الحكومية تأثرًا شديدًا بقضية صفحة "الأكيلانس" التي عرضت تحاليل منسوبة لمعامل حكومية لتقييم جودة أطعمة ومشروبات. وهذه مسألة ذات طابع خاص. فقد أخلت النيابة العامة سبيل الشابين ومن سلطتها التحقق من مدى سلامة نيتهما وصحة ما ينشران، أما أصحاب العلامات التجارية المقصودة فحق التقاضي مكفول لهم، ولم يمنعهم أحد من رفع دعاوى مباشرة ضد "البلوجرز" أو اللجوء إلى النيابة العامة.

‎فالمنطقي أن تنحصر الخصومة في تلك الواقعة بين "البلوجرز" والشركات المتضررة، وأن يقتصر دور الحكومة فيها على رعاية مصالح الرأي العام وطمأنة المواطنين على المواد الغذائية المتداولة في الأسواق، ممثلة في أدوار وزارتي الصحة والصناعة وجهاز حماية المستهلك وغيرها من الجهات ذات الصلة. ومن غير المقبول استغلال الواقعة لفرض قيود أوسع على حرية التحقيق والاستقصاء والنشر، أيًّا كان القائم به، بحجة منع الإضرار بالاقتصاد الوطني.

‎وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى مسألة الإتاحة، فمن دون توفير المعلومات يتلاشى الحد الفاصل بين الشائعة والخبر الصحيح، بل ويعجز المدققون وأصحاب النهج العلمي والمهني عن التحقق ونشر الصواب.

‎هنا كان من الجيد أن تشير الحكومة إلى العمل على إصدار قانون تداول المعلومات. جهد لا يمكن أن يكون حكوميًا فقط. ينبغي إشراك جميع أصحاب المصلحة والأعمال المرتبطة بالمعلومات، وعلى رأسها نقابة الصحفيين التي اعتمدت في مؤتمرها العام السادس 2024 مسودة لمشروع قانون لحرية تداول المعلومات، يستفيد من تجارب المشروعات الحكومية والحقوقية السابقة، ويتلافى بعض عيوبها، كما يمد الالتزام بالإفصاح إلى القطاع الخاص بضوابط معينة.

‎يقترح المشروع إنشاء "جهاز حماية تداول المعلومات" كجهاز رقابي وفقًا لأحكام المواد 215 و216 و217 من الدستور بشخصية اعتبارية عامة مستقلة، ويختص بإصدار القرارات التنفيذية وإصدار أدلة استرشادية لإعانة الجهات العامة والخاصة على تنفيذ التزاماتها، ومباشرة جميع الإجراءات المتعلقة بالإفصاح.

‎ويحدد المشروع الجهات التي تقع عليها التزامات خاصة بالإفصاح المستمر عن المعلومات والبيانات، وإجراءات طلب المعلومات، والتظلم والطعن مع تحديد جهات التقاضي المختصة حسب الجهات المختصمة. كما يتضمن تصنيفا للمعلومات من خلال شروط رفض الإفصاح وأحقية الطرف الثالث في الاعتراض، والتزام جميع الجهات العامة والخاصة بتصنيف المعلومات غير المشمولة بالإفصاح المستمر أو الفوري حسب درجة السرية (متوسطة، سرية، سرية للغاية، سرية وحساسة) مع تمكين الجهاز من إلزام الجهات بالإفصاح عن معلومات بعينها قبل انقضاء فترة الحماية المقررة في حالات محددة مثل تهديد السلامة الشخصية والصحة العامة وكشف الفساد وشبهات عدم تحقيق العدالة أو سوء الإدارة أو المخالفة الجسيمة للقانون. وربما تتسع مقالات قادمة لعرض ومناقشة باقي التفاصيل.

‎عنونت الحكومة إحدى مبادراتها لمواجهة الشائعات بعبارة "تصدوا معنا". والتصدي بالفعل لا يبدأ إلّا بعمل جماعي: حوار مجتمعي حول مشروع القانون ينفتح على الأفكار الحديثة والتجارب الدولية، وليس تغليظ العقوبات.

محمد بصل مدير تحرير الشروق - كاتب صحفي، وباحث قانوني
التعليقات