خطاب الرئيس.. فى تساؤلاته الإجابة - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 7:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطاب الرئيس.. فى تساؤلاته الإجابة

نشر فى : الأربعاء 12 مايو 2010 - 10:13 ص | آخر تحديث : الأربعاء 12 مايو 2010 - 10:13 ص

 انتظر الجميع ما سوف يأتى به خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة عيد العمال، لكونه يأتى فى نقطة فاصلة فى مصير مصر، محددة أحداثها ــ أيا كانت ــ إياه لفترات قد تقصر وقد تطول. وجاءت بالخطاب فقرات تدعو للتأمل إذا قرئت منفصلة، ولمزيد من التأمل إذا قرئت مجتمعة وهو بالضرورة التعامل الصحيح مع خطاب لم يتجاوز إلقاؤه ساعة من الزمن.

أول هذه العبارات قول سيادته (إننى ــ ونحن نتأهب لهذه الانطلاقة الجديدة ــ أقول لعمال مصر‏..‏ سوف تجدوننى دائما إلى جانبكم) ولا ندرى ما إذا كان هذا وعدا أو توقعا لما سيكون، وما يتطلبه هذا من شروط حتى يمكن الوفاء به، وما إذا كان هذا يقتضى بقاءه فى موقعه «ما ظل فى جسده نفس يتردد»،

وما إذا كان العمال سيظلون دائما الفئة العاجزة عن تولى مقاليد الحصول على حقوقها المشروعة بنفسها، وممن؟ وما إذا كان سيادته حريصا على ألا يتسلط تحت رعايته من يعبث بحقوق العمال من مصريين (بالجنسية) أو أجانب ننحنى لالتقاط ما ينثرونه من دولارات، تتحول بالنسبة للعمال إلى أوامر استغناء عنهم؟ فإن كان الأمر كذلك فلماذا لا نعالج لب القضية ولا نسمح بتحول مصر إلى مجتمع الخمسة فى المائة الذى نما وترعرع فى ظل الانفتاح وربيبته الليبرالية؟

لقد كان هذا هو ما رجاه الشعب من التعديلات التى أشارت إليها العبارة الثانية: (إن مصر تشهد فى الوقت الراهن‏..‏ تفاعلا غير مسبوق فى حركة مجتمعها‏..‏ هو محصلة ما بادرت إليه بالتعديلات الدستورية عامى ‏2005‏ و‏2007،‏ وإننى أؤكد مجددا تمسكى باستكمال ما وعدت به من إصلاحات سياسية)‏.

فلو أن تلك التعديلات أرضت طموح شعب مصر، أو على الأقل الـ95% منه المهمشة، لما كانت هناك مطالبات بالتغيير تفصح عن إدراك بأن «الوعد باستكمال الإصلاحات السياسية» لا طائل منه مادام يندرج فى المنهج الذى أحال الإصلاح إلى التعديلات الدستورية السابقة. واضح أن هناك إدراك يصل مرتبة اليقين أن التعديلات المطلوبة تنطلق من منهج مخالف لتلك التعديلات شكلا وموضوعا. غير أن العبارة التالية وهى (إننى أتابع ما تموج به مصر من تفاعل نشيط لقوى المجتمع‏..‏ وأرحب به باعتباره ظاهرة صحية‏..‏ ودليلا على حيوية مجتمعنا‏.‏ لكننى‏..‏

وقد قضيت عمرا فى خدمة الوطن وشعبه‏..‏ أتحسب من أن ينزلق البعض بهذا التفاعل‏..‏ إلى انفلات يعرض مصر وأبناءها لمخاطر الانتكاس‏)، تأتى كرد سريع على الوعد بالوقوف إلى جانب الكادحين. لو أن الشعب يلمس فعلا الخير فيما يقوم به النظام الذى أفضت إليه التعديلات التى لا تعديل لها، لما حدث أى انزلاق يذهب بما فى أيديه من لقمة العيش.. إن وجد سبيل كريم لها. إذا كان الشعب موضع ثقة وكانت رجاحة عقله تغلق أمام العابثين طرق التأثير، فلماذا لا يترك الأمر له ليكون الفصل فى الأمر بيده لا بيد العابثين أو الرافضين؟.

أم هل علينا أن نتقبل مقولة السيد رئيس الوزراء أن الشعب المصرى غير مؤهل لممارسة طقوس الديموقراطية؟ لو صح ذلك فما هو برنامج النهوض بوعى الشعب خلال فترة محددة حتى يقف على قدميه وينفض عنه وصاية ولى الأمر الذى ينفرد عن باقى الشعب بالرأى السديد؟‏

الإجابة فى المقولة التالية (لا مجال فى هذه المرحلة الدقيقة‏..‏ لمن يختلط عليه الفارق الشاسع بين التغيير والفوضى‏..‏ وبين التحرك المدروس والهرولة غير محسوبة العواقب‏..‏ أو لمن يتجاهل ما اعتمده الشعب من تعديلات دستورية منذ عام‏ 2005،‏ وما يتعين أن يتوافر للدساتير من ثبات ورسوخ واستقرار‏). هكذا نسبت التعديلات إلى الشعب بعد ما أتقنت مسرحية إقرار تعديلات مفروضة من أعلى باستفتاء شعبى، ألقيت فيها عظمة تحويل اختيار الرئيس بالانتخاب بدلا من الاستفتاء، ليعود مرة أخرى إلى الحكم بديكور لا يضفى وقارا على عملية الانتخاب ذاتها.

وفى تقديرى أنه كان أوقع أن نقف عند صيغة الاستفتاء طالما أن الانتخاب لا يوفر الأمان لمن يتقدم ببرنامج فيه تغيير لأسس البلاء الذى ابتلى به المجتمع. الشعب المطحون ظل طويلا يعلل النفس بوعود زائفة، كتلك التى يلقى بها وزير إسكان بقطرة من بحر إصلاحات لبنية أساسية تستلزمها آدمية بشر لهم الحق فى شىء من المياه النظيفة ومن الكهرباء التى تبدد ظلمة ليل فى جحور يتكبد الوصول لها جهدا خارقا لعبور الأزقة التى يحار أمامها لاعبو السيرك..

إنه قليل خير من لا شىء إذا انتخبوا من يعد بالإصلاح لأنه لن يكون إلا صوتا معارضا بين أغلبية انتقتها جماعة الخمسة بالمائة بعناية. الأمر ليس انزلاقا وراء مثيرى فوضى، بل تشبث ببارقة أمل بأن يكون للخمسة وتسعين بالمائة صوت لا يقل عن صوت الخمسة المستأثرة بالسلطة.

ويمضى الخطاب فيتحدى: («وأقول لمن يرفعون الشعارات ويكتفون بالمزايدة‏..‏ أن عليهم أن يجتهدوا لإقناع الشعب برؤى واضحة تطرح الحلول لمشكلاتنا‏.‏.‏ ما هى سياساتهم لجذب الاستثمار وإتاحة فرص العمل؟‏..‏ ما هى برامجهم لرفع مستوى معيشة محدودى الدخل منا؟‏..‏ كيف يرون التعامل مع مخاطر الإرهاب على بلدنا وشعبنا؟‏..‏ وما هى مواقفهم من قضايا سياستنا الخارجية فى منطقتنا‏..‏ والعالم من حولنا؟) إن كان المقصود هو من يتقدمون لمقاعد المجلسين، فهو تحصيل حاصل، لأن البرامج هى أول ما يطرحه المرشح على أبناء دائرة لهم همومهم الخاصة التى هى من متربات الهموم القومية. أما إذا كان المقصود هو الترشح للرئاسة فهل فتح الباب فيها؟ وإذا كانت الرئاسة الحالية قد نجحت فى جذب الاستثمارات وخلق فرص العمل، فما الحاجة إلى مطالبة آخرين بها وما الخوف من الحديث عنها؟

إن هذا التحدى مردود من أساسه لأمرين: الأول أنه استدراج لمناقشة التفاصيل المتفرعة عن أرضية مرفوضة أصلا، وهى البيئة التى تتم فيها انتخابات الرئاسة، لأنها الفرصة الشرعية الوحيدة لاختيار النظام القادر على توفير أنجع الحلول. هو إذن تساؤل فى غير موضعه.

الأمر الثانى وهو الأهم أنه يحصر وظيفة الرئاسة المسئولة عن قواعد النظام وفقا للنصوص الدستورية القائمة، فى معالجة قضايا اقتصادية هى من مسئوليات الجهاز التنفيذى.

ولا جدوى للحديث عن إصلاح اقتصادى ما لم يكن متفاعلا مع إصلاح اجتماعى، ليس بعدالة اجتماعية ترمم ظلما اقتصاديا، بل ببنيان اجتماعى قائم على ثقافة تليق بسمو الأديان التى وهبنا الله إياها وتمكن من التعايش مع حضارات عالمية ترى فينا ما تقتبسه بمثل ما نختار منها ما يتفق وقيمنا. إن المطلوب هو وضع مصر فى قلب مواطن يذود عنها بدمائه إذا لزم، ويضع فى متناولها كل حبة عرق فى جهد يبذله ليس من أجل أن ينفرد برفاهية يبخل بها على الآخرين، بل لتعزيز مفهوم الوطن كمجتمع يعيش فيه الجميع بكرامة، ليسجلوا موقع وطنهم على خريطة عالم يتغير بسرعة البرق.

لقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة تغيرات هائلة، انهارت فيها أنظمة ومنظومات دولية ونشأت أخرى، واجتاحت العالم حروب باسم تعاظم الإرهاب الذى باسمه تبرر قوانين الطوارئ، وظهر فيها الحاسب الشخصى لينكمش مؤخرا للوح فى يدى الفرد، وخاضت الدول سباقا محموما للمضى قدما بثورة المعلومات والاتصالات، ولم نسمع فى مصرنا سوى الاستمرار والاستقرار، وهى دعوة سلفية المنبت، فاسدة كباقى السلفيات المغلوطة.

ونختتم بعبارة (نمضى نحو المستقبل الأفضل بخطى مطمئنة‏..‏ وبمؤسسات دستورية راسخة‏..‏ هى ضمان الاستمرارية والاستقرار‏) فنقول إنه من أجل هذا نطالب بالتغيير. وحتى يكون لنا مستقبل يجب أن تكون لنا رؤية.. لقد طرحت الثورة رؤية تعزيز الكرامة ومجتمع الكفاية والعدل، وطرح انقلاب مايو 1971 رؤية إهدار ما تملكه مصر بدعوة إزالة الحواجز النفسية، وصولا إلى القضاء على النفس التى ألهمها الله فجورها وتقواها. فما هى الرؤية (أو العقيدة باللغة العسكرية) التى يجتمع عليها أبناء مصر فى مجتمع الغد؟

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات