أخطر ما أفرزه الهجوم الإسرائيلى على قطر، هو اكتشاف دول الخليج فجأة أن الرهان على جدار الحماية الأمريكى الذى استثمرت فيه أموالا طائلة خلال عقود للدفاع عن أمنها واستقرارها وثرواتها فى منطقة عالية المخاطر وشديدة التقلبات، لم يكن فى محله تماما لفرملة هذا الهياج الصهيونى الذى استباح أراضى وسماوات خمس دول عربية منذ «طوفان الأقصى» فى السابع من أكتوبر قبل الماضى.
«لقد تعرضنا للخيانة».. هكذا اختزل رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطرى محمد بن عبدالرحمن المشهد الذى حدث فى ضربة التاسع من سبتمبر، والتى استهدفت فيها طائرات الاحتلال الصهيونى قيادات ومقرات تابعة لحركة حماس فى قلب العاصمة القطرية.
الخيانة التى تشعر بها الدوحة مبررة لأسباب كثيرة، أهمها أن الوجود العسكرى الأمريكى الهائل على أراضيها لم يمنحها الحصانة الأمنية المطلوبة، وأن «الصديق والحليف» الأمريكى لم يبادر إلى منع العدوان الإسرائيلى قبل وقوعه، ولم يبلّغ به السلطات القطرية إلا بعد حدوثه بعشر دقائق، وفقا لتصريحات بن عبدالرحمن.
تشعر قطر بالخيانة لأن استهداف قيادات حماس على أراضيها، كان تجاوزا لكل التفاهمات السابقة مع الولايات المتحدة بل وإسرائيل نفسها، حيث «أراد الطرفان من الدوحة استضافة مكتب حماس فى إطار جهود الوساطة التى طُلبت منها»، وفقا لبيان الخارجية القطرية الأربعاء الماضى، والذى أوضح أن «بنيامين نتنياهو يدرك تماما الدور المحورى لهذا المكتب فى إنجاح العديد من عمليات التبادل والتهدئة التى حظيت بتقدير المجتمع الدولى».
العدوان الإسرائيلى على الدوحة والخيانة والتواطؤ الأمريكى معه، ربما يدفع دول الخليج بشكل عام، وقطر على وجه الخصوص التى ترزح حاليا تحت هول الصدمة القاسية جراء الهجوم إلى التفكير والبحث عن بدائل وخيارات وجدران حماية أخرى توفر لها الأمن والاستقرار اللذين تعرضا للاهتزاز بشدة فى التاسع من سبتمبر.
من الوارد جدا حدوث هذا الأمر، حيث ذكر موقع «أكسيوس» الأمريكى أن «قطر أبلغت واشنطن بأنها ستقيِّم شراكتها الأمنية معها بعد هجوم الدوحة، وربما تجد شركاء آخرين قادرين على دعم أمنها عند الحاجة»، إلا أن الدوحة نفت صحة هذه المعلومات، وأكدت على أن «العلاقة الأمنية والدفاعية لقطر مع واشنطن أقوى من أى وقت مضى وتستمر فى النمو»، لكن وعلى الرغم من هذا النفى، فإن الفكرة تجد قبولا وانتشارا فى العديد من الدوائر والأوساط الفكرية والثقافية الخليجية.
السؤال الآن: هل استبدال جُدر الحماية الأمريكية، واستقدام أخرى أجنبية يحقق لدول الخليج الأمن والاستقرار المطلوبين؟ الإجابة القاطعة لا بالطبع، لأن القوتين الأجنبيتين الكبيرتين اللتين تستطيعان «نظريا» القيام بهذا الدور ونعنى بذلك الصين وروسيا، لا يمكن التعويل عليهما كثيرا فى الوقت الراهن.. فالصين رغم صعود نجمها وتنامى إمكاناتها وقوتها الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، لم تعلن بعد عن نفسها كقوة عسكرية عالمية تستطيع توفير الأمن للحلفاء والأصدقاء.. أما روسيا وريث الاتحاد السوفييتى السابق، الذى تقاسم نظام القطبية الثنائية الدولية مع الولايات المتحدة لعقود، لا يمكن التعويل عليها أيضا، نظرا لانشغالها وانغماسها حتى أذنيها فى الحرب مع أوكرانيا، وإصرار الدول الغربية وأمريكا على تقليم أظافرها ومحاصرة نفوذها عسكريا فى كل مكان بالعالم، فضلا عن أن تجارب التاريخ القريب تكشف لنا أن روسيا بكل ما تملكه من إمكانات عسكرية هائلة، لم تحم أو تنقذ صديقا وحليفا من السقوط مثل بشار الأسد فى سوريا أو حتى تمنع الأذى عنه مثل إيران فى مواجهتها الأخيرة مع الكيان الصهيونى.
ما يحقق لدول الخليج خاصة وللدول العربية بشكل عام الأمن والاستقرار، ويساعدها على تحجيم ومحاصرة الهياج والجنون الصهيونى فى المنطقة أو التصدى لمحاولات أى قوى إقليمية من خارجها ترغب فى التوسع والتمدد على حساب مصالحها الاستراتيجية والقومية، يتمثل بشكل أساسى فى العمل على توفير مظلة عسكرية عربية قوية، والاستثمار فيها على المدى الطويل من أجل توفير الأمن والاستقرار والحفاظ على مصالحها فى وجه كل طامع فى ثرواتها ومواردها، وبدون ذلك ستبقى هذه المنطقة ملعبا مفتوحا ومكشوفا لكل مغامر ومقامر يرغب فى استنزاف خيراتها وتدمير مستقبلها ومحاصرة حدوها واحتلال أراضيها، وتحويلها إلى دويلات على الهامش.