دلالات لقاء الرئيسين الشرع وبوتين - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأربعاء 29 أكتوبر 2025 10:41 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

دلالات لقاء الرئيسين الشرع وبوتين

نشر فى : الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 - 9:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 - 9:00 م

قام الرئيس السورى المؤقت أحمد الشرع بأول زيارة لروسيا فى 5 أكتوبر 2025 برفقة وزير الخارجية أسعد الشيبانى، ومسئولون عسكريون واقتصاديون، وذلك من أجل وضع الطرفين السورى والروسى أساسا مشتركا لإطلاق مرحلة إعادة بناء العلاقات بين البلدين على أسس تختلف عن ما كانت عليه فى عهد نظام بشار الأسد. وأن يكون التعاون بين روسيا والنظام السورى الجديد قائما على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية لكلا الطرفين.

اتخذت العلاقات بين موسكو ودمشق منذ سقوط نظام الأسد فى 8 ديسمبر 2024، مسارا اتسم بالحذر والتأنى من كلا الجانبين، الحذر حيث كانت الفصائل المسلحة بقيادة جبهة تحرير الشام التى يقودها أحمد الشرع فى حالة حرب ضد القوات الروسية التى كانت تدعم نظام الأسد الذى أعطى لروسيا ولقاعدتيها العسكريتين فى سوريا، القاعدة البحرية فى طرطوس والقاعدة الجوية فى حميميم، مزايا عديدة وحرية عمل تشمل كل المجال البحرى والبرى والجوى السورى، والتى توقفت بسقوط نظام الأسد. والتأنى لحرص روسيا على الإبقاء على قاعدتيها العسكريتين فى سوريا باعتبارهما من أهم مكاسب الوجود العسكرى الروسى فى البحر المتوسط والشرق الأوسط. وحرص النظام السورى الجديد على عدم استعداء روسيا من ناحية، وموازنة علاقاته مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى إذا اقتضى الأمر ذلك وتعرض لضغوط ومطالب لا يرضاها ويصعب عليه قبولها.

قام النظام السورى الجديد بمراجعة وتقييم مجمل العلاقات السورية الروسية على مدى سنوات طويلة من حكم عائلة الأسد، ووجد أن روسيا سبق أن وقعت عدة عقود واتفاقات باستثمارات فى مجال الطاقة البترول والغاز، واستخراج الفوسفات حيث تعد سوريا خامس دولة فى العالم فى إنتاجه، والتبادل التجارى، وتسليح الجيش السورى الذى انضمت أعداد كبيرة منه إلى الجيش الذى كونه النظام السورى الجديد. وأبدت دمشق رغبتها فى استمرار العمل بهذه العقود والاتفاقيات، وإن اقتضى الأمر تعديل أو تغيير بعض بنودها. كما أن لروسيا ديونا على سوريا، ونادت بعض الآراء السورية بأن روسيا مطالبة بتعويضات عن الأضرار الجسيمة التى لحقت بسوريا وشعبها نتيجة إطالة أمد الصراع لحماية نظام دكتاتورى كان يتعين إسقاطه دون تكبد كل هذا الدمار وتشتيت الشعب السورى ما بين نازحين فى الداخل ومهاجرين فى الخارج. وتطالب بعض الآراء بإمكانية إلغاء الديون لروسيا بدلاً من التعويضات.

وقد شهدت الفترة السابقة على الزيارة تبادل الزيارات بين موسكو ودمشق، حيث زار ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسى سوريا فى 28 يناير 2025، وأجرى الرئيس بوتين اتصااً هاتفيا مع الرئيس الشرع أكد فيه دعمه لوحدة الأراضى السورية وسيادتها. وزار وزير الخارجية السورى أسعد الشيبانى موسكو فى يوليو 2025 والتقى خلال الزيارة مع الرئيس بوتين، وكان يرافقه وزير الدفاع السورى مرهف أبو قصرة. وبحث الوفد مع المسئولين الروس العلاقات السياسية والعسكرية والأمنية بين البلدين. وعقد فى دمشق فى 9 سبتمبر 2025 اجتماع روسى سورى، ورأس الجانب الروسى نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، ورأس الجانب السورى وزير الخارجية أسعد الشيبانى، وتم بحث كل جوانب العلاقات والقضايا المعلقة بين البلدين فى إطار من روح التفاهم والرغبة المشتركة فى إعادة تنشيط العلاقات على أسس ورؤى جديدة.

• • •

ويلاحظ أنه، منذ سقوط نظام الأسد، تحرص روسيا على توجيه رسائل إيجابية للنظام السورى الجديد، وتؤكد على أهمية الانطلاق من الإرث العميق للصداقة بين الشعبين الروسى والسورى للحفاظ على المكتسبات والمنجزات والمضى قدما إلى الأمام لإيجاد مناخ للتعاون البناء، واعتبار أن من أولويات سياستها الخارجية استمرار العلاقات مع سوريا.

لقى الرئيس الشرع والوفد المرافق حفاوة روسية بالغة من ناحية، وأحيطت المباحثات سواء بين الرئيسين بوتين والشرع، أو بين أعضاء الوفد السورى ونظرائه الروس، بكتمان شديد وتوافق بين الطرفين على طى صفحة الماضى وإطلاق مرحلة جديدة لاستعادة نشاط العلاقات الثنائية. وأشار بوتين إلى أن العلاقات مع سوريا على مدى عقود اتسمت دائما بطابع ودى واستثنائى، وأكد على رغبة روسيا فى إجراء مشاورات منتظمة مع القيادة السورية، وأنه قد مضى نحو 80 عاما على تأسيس العلاقات بين البلدين فى عام 1944، وأشار إلى الانتخابات التشريعية التى أجريت فى سوريا مؤخرا واعتبرها نجاحا كبيرا للقيادة السورية الجديدة رغم ما تمر به سوريا داخليا من أوقات صعبة.

وأكد الشرع أن سوريا ستسعى جاهدة إلى تجديد علاقاتها مع روسيا والتركيز على الاستقرار فى سوريا والمنطقة، وأن البلدان يتشاركان جسور تعاون مهمة. وأكد على أن سوريا ستبقى على كل ما مضى من اتفاقيات، على أن تكون هناك استقلالية للحالة السورية وسلامة ووحدة أراضيها واستقرارها الأمنى المرتبط بالاستقرار الإقليمى والعالمى. هذا وقد سبق أن أدلى الشرع بحديث تلفزيونى لشبكة «بى بى سى» قال فيه إن اتصالات سوريا مع كل من الصين وروسيا لا تتعارض مع العلاقات السورية مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية. وهذا التصريح يعبر عن تحسب مستتر من أن يؤدى تحول هذه الاتصالات إلى توثيق العلاقات السورية مع كل من الصين وروسيا، إلى نتائج سلبية على الموقف الغربى والأمريكى الذى تقبل وتعامل مع النظام السورى الجديد وقدم وعودا نفذ بعضا منها برفع بعض العقوبات عن سوريا مع بعض الاشتراطات لرفع باقى العقوبات، الأمر الذى يجعل العلاقات بين النظام السورى الجديد والغرب والولايات المتحدة الأمريكية مشوبة بالحذر والترقب على الجانبين.

• • •

اتفق الجانبان الروسى والسورى على إعادة إطلاق عمل اللجنة الحكومية المشتركة وأن تعقد اجتماعًا قريبًا، خاصة وأن دمشق مهتمة بإعادة تأهيل البنى التحتية للطاقة مع استعداد روسيا لمواصلة العمل فى حقول البترول والغاز سواء البرية أو البحرية، وتحتاج هذه الحقول إلى تطوير وتجديد، والاستعداد لتطوير البنى التحتية لشبكات النقل السورية. كما تم التوافق على أن ترسل روسيا إمدادات مهمة من المواد الغذائية، خاصة وأن جزءا كبيرا من احتياجات سوريا يعتمد على الواردات الروسية.

وتوافق الجانبان على إجراء حوار هادئ فيما يتعلق بالديون الروسية المستحقة على سوريا. هذا إلى جانب إسهام روسيا فى تطوير الرعاية الصحية، والمجال الثقافى والسياحى فى سوريا ولدى موسكو اهتمام كبير بأن يكون لها دور فى عملية إعادة الإعمار فى البنية الأساسية السورية التى دمرتها الحرب وما تبقى منها أصبح قديما ومتهالكا، وذلك إزاء إبعاد إيران حاليا عن عملية إعادة الإعمار والتى كانت تنافس روسيا على النفوذ فى سوريا أثناء حكم نظام الأسد.

لقد تغلبت المصالح على عداوة وخلافات الماضى، وإن حرص روسيا على الإبقاء على قواعدها العسكرية فى سوريا جعلها على استعداد لإعادة صياغة الاتفاق الخاص بهذه القواعد بحيث لا يكون مصرحا لها التدخل فى الشئون الداخلية السورية أو القيام بأعمال من شأنها إثارة مشاكل لسوريا سواء مع جيرانها أو مع القوى الغربية والأمريكية. ويتوقع ترحيب روسيا بذلك وبما يطلبه النظام السورى الجديد من أجل الإبقاء على هذه القواعد وحتى لا يضيع كل ما قدمته لسوريا فى السنوات السابقة.

أما النظام السورى الجديد، فإنه يواجه مواقف وتحديات معقدة للغاية داخليا بخلافات مع الأقليات الدرزية والكردية والعلوية السورية، وعدم القدرة على الحد من نفوذ تركى متزايد سياسيًا واقتصاديًا مع احتلال القوات التركية أجزاء من شمال سوريا دون تقديم أى مساعدة لصد أو للحد من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ومطالبة إسرائيل بنزع السلاح فى كل المنطقة الجنوبية من سوريا مع استمرار احتلالها للجولان ومناطق جديدة استراتيجية وتحريضها للدروز. والاشتراطات الدولية والإقليمية بأن يكون النظام السورى، سواء فى مرحلته الانتقالية أو ما بعدها، مشاركا فيه بفاعلية كل طوائف ومكونات الشعب السورى، وهو مطلب يختلف مع توجهات جبهة تحرير الشام والفصائل الحاكمة معها من صياغة نظام سورى وفق رؤيتها وعقيدتها الكامنة والتى لم يخفها ما يبديه النظام الجديد من مرونة خارجية لا تطبق داخليا.

لذا فإن التوجه إلى روسيا لإحياء التعاون معها يخدم النظام السورى الجديد اقتصاديا وتجاريا وسياسيا ويحقق له نوعا من التوازن فى علاقاته الخارجية، وهو ما يلقى إقبالا وترحيبا من روسيا للإبقاء على وجودها فى سوريا الذى يعزز وجودها فى الشرق الأوسط. 

مساعد وزير الخارجية الأسبق

 

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات