السعودية وروسيا.. والتقاطع الاستراتيجى فى سوريا - معتز سلامة - بوابة الشروق
الأحد 16 يونيو 2024 10:39 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السعودية وروسيا.. والتقاطع الاستراتيجى فى سوريا

نشر فى : السبت 12 ديسمبر 2015 - 10:50 م | آخر تحديث : السبت 12 ديسمبر 2015 - 10:50 م
منذ الأشهر الأولى للأزمة السورية فى 2011، حددت السعودية هدفها فى المطالبة برحيل الرئيس بشار، واعتبرته جزءا من المشكلة لا الحل، وأكدت أنه لا دور له فى مستقبل سوريا. ولأجل تحقيق هذا الهدف سلكت المملكة كل المسالك، بما فى ذلك تقديم الدعم لجماعات المعارضة المسلحة، والتصدى لكل القوى والمشروعات التى تريد إعادة بشار وتقديمه إلى العالم كجزء من المستقبل السورى، وليس من قبيل المبالغة القول بأن الموقف السعودى من بشار أصبح العائق الدولى الأهم أمام استمراره فى الحكم.
لكن خلف التمسك بإزاحة بشار، يتوارى الهدف السعودى الأساسى، وهو إبعاد سوريا عن دائرة النفوذ الإيرانى، وإغلاق الباب أمام إمكانية توسع دور إيران وامتداده. فبالنسبة للسعودية تشكل الجمهورية الإيرانية الخطر الأشد والهاجس الأساسى، وترى أنها إذا تمكنت من سوريا، فإنها سوف تقيم الهلال الشيعى الذى سيطلق كتلة غضب ونار مذهبى تصب جام غضبها على دول مجلس التعاون الخليجى، ومن ثم بدلا من أن تقتصر المواجهة السعودية على إيران، سيحاط الخليج بحزام وتكتل إقليمى معاد ولن يقتصر هدفه على حماية ذاته، وإنما سيشكل رأس حربة ضد دول المجلس وسيعمل على تثوير الجماعات الشيعية الداخلية ومناصبة أنظمة الحكم العداء.
لذلك فإن تمسك السعودية بالإطاحة ببشار، هو موقف يتوارى خلفه باقى الأهداف السعودية، حيث إن هناك مجموعة من الأهداف التى تعتقد المملكة بأنها ستتحقق تلقائيا بمجرد تحقيقه، بل بمجرد إعلان النظام فى دمشق اعتزام رحيل الرئيس.
***
وعلى الرغم من أن التدخل العسكرى الروسى يبدو فى الظاهر ضد الموقف السعودى، فإنه حقق خدمات أساسية للمملكة من عدة زوايا، منها ما يلى:
1. تحريك الخطاب الدولى بشأن رحيل الأسد: فحتى الآن لم يتبلور موقف دولى قوى بشأن مستقبل بشار الأسد، والخطاب الأمريكى متفاوت وغير قاطع فى ضوء التصريحات الكثيرة والمتضاربة للإدارة، وهنا أدى التدخل الروسى إلى طرح الموقف السعودى على الطاولة مجددا، وفرض على أنصار المملكة الدوليين الاصطفاف معها حول هذا المطلب.
2. قطع الطريق على الاستفراد الإيرانى: هناك تباينات هيكلية مقبلة بين الموقفين الروسى والإيرانى، تجعل الموقف الروسى يقترب من السعودى، إذ يتفق البلدان حول الإبقاء على سوريا موحدة، وهو ما يصب فى المصلحة السعودية، فى منع تشكل سوريا إيرانية أو شيعية، وذلك على خلاف السياسات الإيرانية الممارسة على الأرض.
3. شرعنة المعارضة وتسريع الحل السياسى: لم يكن فى حسبان المملكة أن تمتد الأزمة السورية لـ 5 سنوات، وكانت التقديرات الخليجية منذ 2011 تشير إلى قرب سقوط الأسد فى خلال أسابيع أو أشهر. وبالتدخل الروسى فى 2015 تسارعت خطوات الحل السياسى وأصبحت فصائل المعارضة المسلحة الذين دعمتهم المملكة شركاء على مائدة التفاوض (مؤتمر الرياض الجارى).
4. وقف ابتزاز المملكة من الفصائل المسلحة: أدت السنوات الخمس 2011 – 2015 إلى اختلاط قوى الجهاد والثورة بالقوى المعتدلة بقوى الإرهاب فى سوريا، وقد تعرضت السعودية لهجمات دولية شديدة فى الأشهر الأخيرة بسبب ذلك، ويساعد التدخل الروسى على إجلاء موقف المملكة واختصاره فى مطلبها الواضح وهو إنهاء حكم بشار، وإنهاء مسلسل الاتهام بدعم الجماعات المتطرفة.
لذلك على الرغم من الاختلاف فى الموقف السعودى مع روسيا بشأن سوريا، إلا أن هناك فوائد حققتها السعودية من هذا التدخل (على الأقل حتى الآن)، ويبدو أن تصور المملكة لمستقبل علاقتها الاستراتيجية مع روسيا يفرض عليها تقليص الخلافات معها؛ فالتصور السعودى لا يستهدف فقط التفكير فى روسيا كشريك اقتصادى، وإنما كشريك مستقبلى فى أمن الخليج وفى ضبط التوازن فى العلاقة مع إيران، وذلك فى ضوء تراجع الشراكة الخليجية مع الولايات المتحدة، وبوادر أفول العصر الأمريكى فى الخليج، وملامح التقارب الغربى مع إيران. وهذا التفكير من المرجح أنه يدور فى دوائر النخبة والحكم فى المملكة، وليس فى الوسط الاجتماعى المعادى والرافض لروسيا (الشيوعية الملحدة)، وبالتأكيد سوف يأخذ أى مشروع للشراكة بين روسيا ودول الخليج العربية فترة طويلة قد تمتد لعقود لأنها تحتاج ــ فيما تحتاج إليه- إلى تمهيد التربة الداخلية السلفية والأصولية للشريك الروسى، الذى توجهت صوبه منصات العداء الجهادية الخليجية سابقا فى ساحات أفغانستان والشيشان.
لذلك، على الرغم من التدخل العسكرى الروسى فى سوريا فلم ينعكس ذلك على مستوى التقدم فى علاقات المملكة بروسيا، ما بدا من موقف المملكة المتوازن من حادث إسقاط تركيا للطائرة الروسية، حيث اكتفى وزير الخارجية السعودى بدعوة تركيا وروسيا للتحلى بضبط النفس. كما أن التدخل الروسى لم يحل دون عقد اللجنة السعودية ــ الروسية المشتركة دورتها الرابعة ومنتدى الأعمال والاستثمار السعودى الروسى فى موسكو فى نوفمبر 2015، والذى جرى خلاله التوقيع على اتفاقات ومذكرات تعاون عديدة فى مجالات متنوعة، وإبرام اتفاق لإنشاء صندوق استثمارى بقيمة 4 مليارات دولار. وهو ما يعنى أن التفكير السعودى فى روسيا يتجاوز الموقف الروسى من سوريا، وربما يهدف لتشجيع روسيا على تبنى موقف المملكة من الأسد، وأن تصبح قوة توازن وتحالف إقليمى إن لم يكن كبديل عن الغرب فى أمن الخليج، فعلى الأقل كقوة توازن مع الغرب فى حالة ازدياد التقلب فى مواقف «الحليف العازف» (الولايات المتحدة).
***
وفى الأخير، تشير تطورات المشهد السورى إلى أن السعودية وروسيا مرشحتان لعمل كبير فى سوريا بعد التخلص من عقدة بشار، هناك جبل من قضايا العمل المشترك فى سوريا، لكن يحد من ذلك أن الصراع الدولى فى سوريا لا يقتصر على روسيا والمملكة، كما أن هناك عشرات القوى الجهادية ــ الإرهابية التى ترعرعت فى سوريا، ولا يعرف إلى أى ميدان تتجه بمعاركها التالية، وهو ملف يحتاج ليس فقط لتعاون روسى سعودى كثيف، وإنما لخطة عمل وتحرك دولية أكبر وأشمل.
والمؤكد أنه وسط كل تلك التناقضات، هناك خط استراتيجى للمصالح فى سوريا، تتقاطع فيه مواقف مصر والسعودية ودول الخليج وروسيا، ويرجح أن تتمكن هذه الدول ــ لو اتفقت على تسوية ماــ أن تفرضها فى سوريا، ليس لأنها لديها كل قدرات وإمكانات الفعل، ولكن لأن لديها على الأقل التوليفة الأقوى والقوة المعنوية والسياسية التى تمكنها من أن تشكل رأس الحربة فى جهد دولى أكبر لاستعادة سوريا، وانتشالها من المشروع الإيرانى الأكبر، الذى تراه دول الخليج العربية الخطر الأساسى عليها.

رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام

اقتباس
التفكير السعودى فى روسيا يتجاوز الموقف الروسى من سوريا، وربما يهدف لتشجيع روسيا على تبنى موقف المملكة من الأسد، وأن تصبح قوة توازن وتحالفا إقليميا.
معتز سلامة رئيس وحدة الدراسات العربية و الاقليمية بمركز الدراسات الاستراتيجية بالاهرام
التعليقات