من يحق له الكتابة فى الشأن المسيحى؟! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من يحق له الكتابة فى الشأن المسيحى؟!

نشر فى : الإثنين 13 أغسطس 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : الإثنين 13 أغسطس 2018 - 9:15 م

بعض الزملاء والقراء وجهوا لى لوما خفيفا، لأنى كتبت خمسة مقالات خلال الأسبوع الماضى عن تداعيات مقتل الأنبا ابيفانيوس رئيس وأسقف دير الأنبا مقار بوادى النطرون.
أسباب اللوم متعددة ومتنوعة، وهى فى مجملها تعكس ــ من وجهة نظرى ــ الحالة التى وصل إليها المجتمع.
السبب الأول من وجهة نظر الملومين هو أنه لا يفضل لكاتب صحفى مسلم، أن يتناول شأنا خاصا بالكنيسة المصرية، لأنه قد يتم فهمه باعتباره تدخلا فى شأن كنسى أو طائفى، والأفضل أن يقوم كاتب صحفى مسيحى بالكتابة عن هذا الشأن. وأصحاب وجهة النظر هذه يتزيدون، حتى يصلوا إلى أنه من غير المستحب أن يقوم صحفى مسلم، بتغطية ملف الكنيسة القبطية، علما بأن أحد أهم من غطوا هذا الملف الزميل والصديق أسامة سلامة رئيس تحرير مجلة روزاليوسف السابق مسلم وملتزم وعلى خلق، وقد غطاه بكفاءة ومهنية وكانت علاقاته مع قادة الكنيسة وما تزال متميزة.
سبب آخر يسوقه هؤلاء، وخلاصته أن الكتابة عن مثل هذه الموضوعات، قد تزيد الأمور توترا واشتعالا فى حين أن المطلوب هو التهدئة.
سبب ثالث يرى أن الكلام فى مثل هذه الموضوعات قد يعطى فرصة للمتطرفين والتكفيريين وكل أعداء الوطن، للعبث بالوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين.
وبعض هؤلاء يقول إنه إذا كان هناك رغبة فى النشر، فالأفضل أن تتحدث دائما عن الإرهابيين الذين يريدون الفتنة، وليس عن أى قضايا فعلية يعرفها الجميع.
ما سبق هو خلاصة رأى بعض الزملاء والقراء، وفضلت أن أعرضها بأمانة حتى نصل إلى توافق حقيقى، هدفه أن أى كتابة يفترض أن تخضع للعقل والمنطق، وأن تكون موضوعية وأمينة. ثم إننى أزعم أننى أكتب عن الكنيسة بنفس المنطق والمنهج والروح التى أتناول بها شأنا يخص الأزهر، أو وزارة الأوقاف المصرية، أو أى جماعات تدعى انها ذات توجه إسلامى، وبالتالى فإن هدفى هو البحث والتحليل لمصلحة المجتمع بأكمله، إضافة بالطبع إلى التزام القوانين والقواعد المهنية ذات الصلة.
الخطأ الكبير الذى يرتكبه أصحاب وجهات النظر السابقة أنهم يعمقون من فكرة عزل الكنيسة والأخوة المسيحيين أجمعين فى جيتو بعيدا عن كل الوطن وقضاياه.
أنور السادات وحسنى مبارك استراحا لهذا التوجه، وخلاصته أن على بابا المسيحيين أن يتولى بمفرده قيادة الطائفة المسيحية بعيدا عن الوطن وقضاياه، على أن يضمن هذا البابا ولاء الطائفة للنظام السياسى. هذه الصيغة ظلت تعمل بكفاءة إلى حد كبير زمن البابا شنودة «١٩٧١ ــ ٢٠١٢» لكنها تعرضت للضعضعة، بقيام ثورة يناير ٢٠١١، والمشاركة الواسعة لقطاعات جماهيرية مسيحية فيها، اكتشفت أن المشكلات التى يعانى منها الأقباط فى مصر، مرتبطة بإصلاح المجتمع بأكمله فى اتجاه ديمقراطى حداثى تنويرى، وأنه لا ينبغى أن يستمر حبس الأقباط فى قفص يمسك بمفتاحه البابا فقط تحت رقابة النظام السياسى.
بعض الإخوة الأقباط ما تزال لديهم حساسية من مناقشة قضاياهم الخاصة، علنا، ويعتبرون ذلك ماسا بهم بل وبعقيدتهم أحيانا. فى حين أن الرؤية المنصفة تقول إنه ينبغى أن يتم مناقشة كل القضايا وبصورة علنية لا فرق فى ذلك بين ما يسمى قضايا إسلامية أو مسيحية فكلها قضايا المصريين، طالما انها بعيدة عن المعتقدات.
القاعدة المنطقية البسيطة تقول إنه حينما يكون هناك راهب فاسد داخل إحدى الكنائس أو الأديرة، فهذا لا يؤثر من بعيد أو قريب فى الديانة المسيحية، مثلما أن فساد شيخ فى الأزهر لا يسىء إلى الديانة الإسلامية. وبالتالى فمن حق الجميع مناقشة كل القضايا بصورة حرة وشفافة وفى إطار قواعد المهنة وقوانينها ومواثيق الشرف المهنية أيضا. الراهب أو الشيخ له وظيفة دينية، لكنه مواطن أولا وأخيرا ويتم معاملته بهذه الصفة طالما ان الامر ليس خاصا بعقيدته، أو معتقداته.
جريمة مقتل الأنبا أبيفانيوس كشفت عن بعض جوانب الخلل فى أحد الأديرة فقط، لكنها لا تسىء من بعيد أو قريب للإخوة المسيحيين وديانتهم، مثلما أن الجرائم التى يرتكبها بعض المسلمين فى تنظيمات متطرفة، لا تسىء إلى الإسلام.
وإلى أن تتضح جميع ملابسات الحادث، فأظن أن الفرصة قد حانت أمام البابا تواضروس لإعادة تنظيم ما لم يكن مرتبا فى الماضى، وإنهاء جيوب التمرد فى هذا الدير أو تلك الكنيسة. ويبقى السؤال حول إمكانية تحقيق ذلك والوقت الذى يفترض أن يستغرقه، وحجم المقاومة الموجودة.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي