«حديد».. السلخانة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«حديد».. السلخانة

نشر فى : الأربعاء 15 أكتوبر 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 15 أكتوبر 2014 - 8:00 ص

فى أحد المشاهد الطريفة، يهبط محمد السبكى من عربة الترحيلات إلى السجن. رسغه مربوط مع آخر. يسأله الجاويش عما أتى به هذه المرة، فورا يجيب «حلاوة روح».. هذه الدعابة، فى تقديرى، توجه، بأريحية أولاد البلد، عدة رسائل فى آن: تذكر الجمهور بأنه صاحب الفيلم الضحية، الذي غدر به رئيس الوزراء، وأنه لا فارق بين حبس «حلاوة روح»، داخل علبة الصفيح، والزج بمنتجه وراء القضبان.. كما يؤكد، لأعضاء مجلس إدارة نقابة المهن السينمائية، الذين رفضوا التصريح له بالإخراج، أنه موجود في قلب صناعة عالم الأطياف، لن يتخلى عن العمل، وفي مناورة محسوبة بدقة، كتب فى تترات النهاية، أن الفيلم لـ«محمد السبكى»، ولم تفته تقديم التحية للمخرج، أحمد البدرى، الذى قد يكون حقق بعض المشاهد، أو وافق علي كتابة اسمه، إنقاذا لـ«حديد» من المنع.

بعيدا عن مناقشة مدى أحقية ممارسة المنتج أو الممثل أو المصور للإخراج، يأتى هذا الفيلم متسما بملامح لا علاقة لها بكوميديات أحمد البدرى، صاحب «غش الزوجية» و«نمس بوند» و«جيم أوفر».. هنا «حديد»، الملتهب عنفا، ينغمس فى الدم، يستعرض، بالتفاصيل، المعارك، البدنية البالغة الوحشية، تستخدم فيها الأمواس لتشريح الوجوه، السكاكين لطعن الأجساد، القضبان لتكسير العظام، المسامير لفقء العيون، حتي إن الفيلم، يكاد يتحول إلى ما يشبه السلخانة، بالإضافة لتلك الأجواء المعتمة، حيث تدور معظم الأحداث ليلا،، فيجتمع ظلام الطبيعة مع الظلام القابع فى نفوس معظم الشخصيات.

يبدأ الفيلم بداية قوية جدا: لقطات تتقاطع داخل ممرات وعنابر وحجرات السجن، نقلات من أقدام حافية، مشققة الأصابع، لوجوه عليها غضب الله، اللكمات والركلات هى لغة الحوار بين النزلاء.. ومع الإسراف فى تكثيف جرعات العنف، سيبدو المخرج وكأنه يقول لنا «شايفين، أنا باخرج إزاى»، فالمسألة تتحول من الطموح للتعبير إلى الرغبة فى الاستعراض، وهى الغواية التى تمتد من الإخراج إلى معظم عناصر الفيلم، فإلى جانب كاميرا جلال الزكى التى لا تتوقف عن التقافز، يمينا ويسارا، ومن أسفل إلى أعلى والعكس، ثمة طوفان الموسيقى بموجاتها المتوالية، التى وضعها خالد داغر، الذى لا يعترف بالقوة الدرامية للصمت، ولو لدقيقة واحدة.. أما عن المؤثرات الصوتية لطارق علوش، فإنها تمسك بتلابيب كل حركة، فاللكمة تصاحبها قرعة طبلة، وضربة الركبة تأتى مع نقرة كاس، ودفع رأس فى حائط لتهشيم الجمجمة، يتوافق مع كسر «قلة»، وأحيانا زير فخار.

قصة الفيلم بسيطة، مكررة: البطل «عماد حديد» ــ هكذا اسمه ــ فنان تشكيلى يؤدى دوره «عمرو سعد».. يرسم صورة زيتية لحبيبته، نادين، بأداء «درة».. الحبيبة تلح عليه في الزواج، يتمنع، بسبب الفارق الطبقى. هو فقير، وهى ثرية، يزعن لرغبتها، لكن خالها الشرير، الطامع فيما ورثته عن والدها، يعرض مالا على الفنان كى يطلق حبيبته، ولما يرفض، يقوم الخال، رجل الأعمال الفاسد، بإرسال زبانيته، للتنكيل بالفنان، وفى علقة الموت، تفقأ عينه فى مسمار بالجدار، ويلفق له قضية يدخل على إثرها وراء القضبان، وفيما يشبه الانتحار، يقرر الفنان البقاء فى السجن طوال حياته، يتعمد، اقتراف ما يجعل مدة عقوبته تستمر.. هذه المعلومات، ترد عن طريق «الفلاش باكات»، فالفيلم يبدأ حين أصبح الفنان، ملك أو مجرم السجن، يفرض الإتاوات على النزلاء، يعاقب العتاة بالضرب المبرح.. لاحقا، يقاد إلى السجن، الوجيه الأمثل، ماجد بيه «أحمد عبدالعزيز»، بسبب مؤامرة، حاكها ضده، الخال الفاسد.. «ماجد بيه»، بنفوذه، وماله، يتيح فرصة الهرب للفنان المجرم، كى يقتص من غريمهما المشترك.. وفعلا، يصل «عمار حديد» لفيللا الخال، ليرديه قتيلا.

الحكاية، وأبطالها، لم تكن تعنى صناع الفيلم، بقدر ما كان يعنيهم رصد أجواء السجن، على طريقتهم التى تنحو فى اتجاه المبالغة، رغبة فى الإتيان بكل ما هو مبهر، بما فى ذلك النزلاء، من ذوى السحن التى تبارى الماكيير في إبراز ملامحهم الإجرامية. وقد نجح الماكير فى مسعاه، إلى الدرجة التى تحس معها أنك بإزاء وحش، له عشرات الوجوه، والواضح أن المغالاة، والنزعة الاستعراضية، امتدت إلى الممثلين، بما فى ذلك البطل، عمرو سعد، الذى يبدو، في الكثير من مشاهده وكأنه يقول لنا «شايفين، أنا إزاى بامثل بعين واحدة».. حديد، ذاب وضاع من فرط السخونة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات