عقد المجلس القومى لحقوق الإنسان يوم الأحد الماضى ملتقى المجتمع المدنى، الذى حضره عدد كبير من المشاركين يشغلون مواقع متباينة فى المجتمع من أعضاء مجلسى الشيوخ والنواب، ورؤساء أحزاب، وممثلى جمعيات أهلية، وإعلاميين، وشخصيات عامة. دار النقاش فى قضايا عديدة، من بينها الشباب والمرأة والطفل والهجرة، وغيرها، وظهر الجهد المتميز للمشرف على الملتقى الدكتور محمد ممدوح عضو المجلس، فى حشد هذا العدد من المشاركين المتنوعين.
شاركت فى الجلسة الخاصة بمشاركة الشباب فى مؤسسات صنع القرار. بالتأكيد الشباب ليس مهنة ولا وظيفة، لكنها مرحلة عمرية تتسم بالحيوية، والانطلاق، والرغبة فى المشاركة. كل ما يحدونا فى المجتمع أن تتاح لهم الفرص ولا توصد الأبواب أمامهم. ولا يعنى أن تكون شابا أن تحصل على موقع فى المجتمع، لأن شغل المواقع السياسية يحتاج إلى تأهيل وإعداد قبل مرحلة التمكين. وبالرغم من أن الدولة نجحت فى خلق مساحة للشباب فى البرلمان ونواب الوزراء ونواب المحافظين فى العقد الأخير بما لم يحدث فى أى مرحلة سابقة من خلال خلق أدوات مؤسسية مثل الأكاديمية الوطنية للتدريب وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إلا أن تأهيل الشباب على نطاق واسع يحتاج إلى عمل مكثف فى نطاق مؤسسات الدولة والمجتمع. فى هذا السياق تبدو أربع مؤسسات لها الأهمية. أولا المؤسسة التعليمية التى يتعلم فيها النشء والشباب قيم المشاركة، واحترام التنوع، والعمل المشترك، والتعاون، وقبول الآخر. وثانيا الجمعيات الأهلية التى يكتسب الشاب فى رحابها التطوع، ثقافة وعملا، ويتصل بمبادرات التنمية بكل أشكالها وثالثا الأحزاب السياسية التى تتيح للشباب قنوات مؤسسية للتنشئة السياسية، والتكوين، وممارسة العمل السياسى. وأخيرا المجالس المحلية التى توفر مدرسة تعليم تتصل مباشرة بمصالح الناس، يكتسب فيها الشاب القدرة على فهم المجتمع، وتحديد احتياجاته، والتصدى للمشكلات، والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، هذه الخبرة تؤهله أن يرتقى سلم المشاركة السياسية حتى يصل إلى مؤسسات صنع القرار على المستوى القومى. فى هذه الرحلة الممتدة من الطفولة إلى الشباب يحدث فرز تلقائى بين الشاب الذى يستطيع تحمُّل أعباء العمل العام، والشاب الذى ينشغل بحياته المهنية، ولا تشغله السياسة. فى خبرة المجتمعات الديمقراطية، لا يتولى الشخص المواقع السياسية إلا بعد تأهيل وممارسة عملية، من أقل المستويات إلى أعلاها، بما يمكنه من أداء دوره بكفاءة ووعى. يكفى أن ننظر إلى السيرة الذاتية لأى برلمانى أو وزير فى منتصف عمره فى دولة ليبرالية مثل الولايات المتحدة وأوروبا ستجد عملا تراكميًا وراء الشخص، ولم تطأ قدماه الحقل السياسى مصادفة أو مفاجأة.
بالطبع نتفهم أن تسعى الدولة إلى استحداث آليات لتمكين الشباب فى غضون فترة قصيرة حتى تواجه التهميش والاستبعاد اللتين تعرض لهما الشباب على مدار عقود، نفس الأمر بالنسبة للمرأة والأقباط وذوى الاحتياجات الخاصة وغيرهم، ولكن هذه الحالة مؤقتة بطبيعتها، ويصبح نجاح التجربة رهنا بقدرة مؤسسات الدولة والمجتمع على إعداد وتهيئة الكوادر الشابة بصورة طبيعية وتلقائية. تحتاج هذه العملية التراكمية إلى سنوات من العمل، لكنها تضمن أن يتشكل لدى المجتمع شريحة شبابية قوية قادرة على تحمل أعباء العمل العام، والصمود فى وجه محاولات تشويه الهوية الوطنية، وبث أفكار التطرف. هنا تصبح المناعة التلقائية هى الحصانة الحقيقية.