مصر.. وتجمع البريكس.. وبنك التنمية الجديد - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر.. وتجمع البريكس.. وبنك التنمية الجديد

نشر فى : الأحد 16 أبريل 2023 - 8:15 م | آخر تحديث : الأحد 16 أبريل 2023 - 9:42 م
قد لا يتفق الكثيرون مع توجهى فى هذا المقال، وقد أكون على صواب أو خطأ. غير أن الأهم هو الابتعاد عن أحلام اليقظة والتريث فى توقعاتنا فيما يتعلق بالدول الخمس المعروفة باسم البريكس باعتبارها تجمعا سيحقق نظامًا اقتصاديًا عالميًا جديدًا. فإننا نتابع فى الآونة الأخيرة الحركة النشطة لتجمع البريكس، والتى تضم كلا من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، والتى تُعرف بالاقتصاديات الصاعدة. كما نتابع عن كثب الاهتمام المتزايد بهذا التجمع من جانب الدول النامية والمتقدمة، وخاصة الولايات المتحدة. وقد يكون هذا مؤشرا على أن هذا التجمع أصبح من القوة التى تجعله يفرض نفسه على الساحة الدولية إلى حد استفزاز الولايات المتحدة، لما تراه فيه من تهديد محتمل لسيادتها كقوة عظمى منفردة.

هذا، ويعكس تشكيل مجموعة البريكس مرة أخرى التقليد المعروف لرؤساء الدول الذين طالما أرادوا إثبات استقلال وحرية بلادهم. فبينما التقى قادة كل من مصر والهند وإندونيسيا وغانا ويوغوسلافيا (ناصر، نهرو، سوكارنو، نكروما، وتيتو) فى أعقاب الحرب الكورية لموازنة الاستقطاب الثنائى للعالم خلال الحرب الباردة وقاموا بتأسيس حركة عدم الانحياز، جاءت دول البريكس لتأكيد نموذجها الاقتصادى المستقل، متحدية النموذج الرأسمالى ومستهدفة إعطاء الاقتصاديات الناشئة صوتًا فى مؤسسات الحرب العالمية الثانية التى تهيمن عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها.

ومن الطريف أن فكرة تجمع البريكس ولدت خلال قمة مجموعة الثمانى لعام 2008 فى سانت بيطرسبرج الروسية، عندما كانت روسيا لا تزال جزءًا من النادى المغلق للدول المتقدمة قبل طردها، وكانت كل من الهند والصين مدعوين على هامش القمة باعتبارهما اقتصاديات رائدة. فاجتمع رؤساء كل من روسيا والهند والصين واتفقوا على إنشاء تجمع خاص بالدول ذات الاقتصاديات الصاعدة وعقدوا فى العام التالى أول قمة بدعوة البرازيل للانضمام. وأحد لا ينكر أن مصر كانت تتوق للانضمام إلى هذه المجموعة منذ نشأتها. فتنافست مع كل من نيجيريا وجنوب أفريقيا للانضمام، ووقع الخيار على جنوب أفريقيا مع التعهد بالتوسع فى المستقبل. وتم تدشين التجمع الجديد حاملا أول حرف من اسم كل دولة من الدول الخمس (BRICS).

وظل تجمع البريكس شبه منغلق على نفسه خلال السنوات الماضية، وهى الفترة التى كانت الصين تعد نفسها كقوة اقتصادية على الصعيد الدولى. فكان الشاغل الأكبر لدول تلك المجموعة هو إثبات قدرتها على النمو والتطور وفقا لنموذج مستقل غير الذى تفرضه الدول الغربية أو الاتحاد السوفيتى آنذاك. نموذج يجمع بين الاثنين ويحافظ على الدور الأساسى للدولة وفى نفس الوقت يقوم بتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار والنمو. وهو ما شهدنا تطوره بنجاح فى كل من الصين والبرازيل والهند.
• • •

على الرغم مما اكتسبته مجموعة البريكس من قوة اقتصادية، استمر تهميشها فى سياق الحوكمة العالمية. فلم تلق دعوتها للإصلاح آذانا صاغية وتم تجاهل نداء رؤسائها بتناوب المديرين التنفيذيين للمؤسسات المالية المتعددة الأطراف، خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين. وعندما تبددت آمالهم فى إحداث التغيير المطلوب، قررت دول البريكس إنشاء بنك التنمية الجديد الخاص بها ليعكس مرة أخرى استقلاليتها وقدرتها على تمويل عمليات التنمية بها وبالدول النامية الأخرى وفقا لمبادئها بعيدًا عن المشروطية ونموذج التنمية الذى تروج له مؤسسات التمويل بإيعاز من الولايات المتحدة وحلفائها. والغرض من هذا البنك هو موازنة النظام الاقتصادى الدولى ومنح الدول النامية الشعور بالاستقلال فى مسار التنمية الخاص بها دون أن تكون ملزمة بتبنى أساليب تفرض عليها من الخارج.

تم إنشاء البنك فى يوليو 2014 ومقره شنغهاى بمساهمة كل دولة من الدول الخمس بحصة متساوية من رأس المال المكتتب به والبالغ 50 مليار دولار، ولكل منها صوت متساو، ومفتوح للعضوية لكل من الدول المتقدمة والنامية. بيد أنه لم يحظ باهتمام كبير عند إنشائه ولم تسارع الدول فى الانضمام إليه، حيث يبدو أن المشاريع كانت مقصورة على دول البريكس خلافًا لوعود إقامة مشاريع تنموية فى الدول النامية ككل. ولم ينضم لعضويته حتى الآن سوى بنجلاديش ودولة الإمارات العربية فى عام 2021، وانضمت مصر مؤخرًا فى فبراير 2023.

وعلى الرغم من أن مصر فى وضع جيد لتعبئة موارد البنية التحتية ومشاريع التنمية، بصفتها عضوًا فى عدد من بنوك التنمية الدولية (البنك الدولى، البنك الأوروبى للإنشاء والتعمير (EBRD)، البنك الأفريقى، البنك الإسلامى للتنمية والبنك العربى للتنمية الاقتصادية فى أفريقيا) فإن من حق مصر أن تطرق على جميع الأبواب للحصول على التمويل الذى تحتاجه لتنميتها، خاصة إذا كان بشروط ميسرة. وفى حين أنه من السابق لأوانه الحكم على مزايا الانضمام إلى بنك تنمية آخر، فمن المفترض أن مصر قد تدارست بعناية إيجابيات وسلبيات عضويتها، مع التأكد من أن الاستفادة من انضمامها يتناسب مع مساهمتها المالية المكتتبة.

ومن المهم لفت الانتباه إلى أن انضمامنا إلى بنك التنمية الجديد، لا يعنى أننا نتعامل مع وكالة للتنمية الحكومية، التى تقدم أموال المساعدة الإنمائية الرسمية الميسّرة للغاية مع استحقاق خمسين عامًا وفائدة أقل من 1٪ والمعروفة باسم الـODA، إنما نحن بصدد التعامل مع بنك يقترض من السوق على غرار بنوك التنمية الأخرى للمحافظة على رأس ماله وقدرته على التوسع، والتى عادة ما تقل تكلفة اقتراضها عن البنوك التجارية، مما يسمح لهذه البنوك تقديم شروط أفضل قليلا من أسعار السوق.

غير أن بنك التنمية الجديد لا يتمتع بنفس الامتيازات للاقتراض من أسواق رأس المال، حيث لا تزال عضويته محدودة للغاية بخلاف بنوك التنمية الأخرى التى لديها عدد أكبر من الضامنين من الدول الغنية والصناعية فى العالم. ويمكن التكهن بأن انضمام مصر قد يعمل ضمنيا على تسهيل التجارة بالعملات الوطنية. فقد أضاف البنك المركزى الروسى الجنيه المصرى إلى قائمته لأسعار الصرف مقابل الروبل. كما تتجه كل من الصين والهند إلى توقيع اتفاقيات تجارية مع مصر بالعملات المحلية. وقد يكون هذا فى حد ذاته الميزة الكبرى لمصر فى وقت هى فى أمس الحاجة إلى عملتها الصعبة.
• • •

هذا، ولم تستهدف مجموعة البريكس منذ نشأتها تغيير النظام الاقتصادى الدولى القائم أو التصادم مع أى من القوى الاقتصادية، إنما أرادت إدخال بعض الإصلاحات من أجل موازنة القوى الاقتصادية التى تغيرت بعد الحرب العالمية الثانية والحصول على صوت مسموع فى مؤسسات التمويل الدولية إثباتا لاستقلاليتها وحرية الفكر بعيدا عن عباءة الولايات المتحدة وحلفائها. ومن المؤكد أن هذه المجموعة حريصة على علاقاتها مع الغرب، حيث لا تزال القوى الغربية تمثل السوق المفتوحة لمنتجات دول البريكس وتصدر لها التكنولوجيا المتقدمة.

ومع ذلك، فإن الاتجاهات الجديدة لمجموعة البريكس فى توسيع وتعزيز التعامل بالعملات الوطنية وتهديد دول الخليج بتبادل النفط بعيدًا عن الدولار، مما يشير إلى الرغبة فى تقليص اتفاقية البترول مقابل الدولار، أثار ثائرة الولايات المتحدة والتى لم تتردد فى شن هجوم عنيف على المجموعة معلنة أنها لن تسمح ــ ولو بالقوة – بالمساس بالدولار أو إلحاق الضرر باقتصادها واعتبرت الولايات المتحدة التوجه للتعامل بالعملات المحلية إجراءً عدائيا مباشرا ضدها.

وفى هذا الصدد، هناك عدة أسئلة يصعب التنبؤ بالإجابات الصحيحة عليها الآن، على سبيل المثال:

1ــ هل ستسمح الولايات المتحدة لتجمع البريكس بالزوال من تلقاء نفسه، مثلما اندثرت حركة عدم الانحياز عندما فقدت سبب وجودها؟ أم أنها ستستمر فى شن هجماتها على هذا التجمع الناشئ حتى قتله فى مهده؟

2ــ ما مدى عمق النزاع بين الصين والهند ومدى أثره الداخلى على بقاء المجموعة؟

3ــ إلى أى مدى تستطيع روسيا فى ظل تراجع قوتها الدولية والإقليمية فرض تعاملها بالروبل؟
وغيرها من الأسئلة التى تجعلنا نستفسر عن قوة واستمرارية تجمع البريكس وقدرته على تغيير النظام الاقتصادى الدولى.
ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات