وماذا عن آليات الحدود لخفض انبعاثات الكربون؟ - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وماذا عن آليات الحدود لخفض انبعاثات الكربون؟

نشر فى : الخميس 10 نوفمبر 2022 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 10 نوفمبر 2022 - 9:25 م
فى الوقت الذى ينشغل فيه العالم بالدورة السابعة والعشرين لقمة الأطراف المتعاقدة لتغير المناخ بشرم الشيخ بأوجه قصور التمويل المقدم للدول النامية ومطالبة الدول المتقدمة باحترام تعهداتها السابقة منذ الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر الأطراف فى ديسمبر 2009 والتى لم يتم الوفاء إلاّ بجزئيات ضئيلة منها، أود أن ألفت الانتباه إلى الآليات الحدودية المستحدثة للحد من انبعاثات الكربون، التى تشرع الدول المتقدمة إلى تنفيذها من خلال فرضها تعريفة جمركية إضافية على وارداتها والتى تؤثر سلبا على الدول النامية وصادراتها.
قد يتبادر إلى الذهن أسئلة عديدة مثل هل تم التوصل إلى هذه الآليات من خلال حوار مفتوح وصريح فى المنتديات ذات الصلة قبل تقديمها وتطبيقها من جانب الدول المتقدمة؟ هل الدول النامية على علم بمدى تأثير هذه التعريفة الإضافية على صادراتها ودخلها من العملة الصعبة؟ هل الدول النامية مدركة بأبعاد هذه الآليات على صناعاتها وتجارتها ودخلها القومى؟
فى حين أن هذا المقال المختصر ليس أكثر من تحذير مبكر للمصدرين المصريين وكذا المصدرين من الدول النامية الأخرى بتداعيات مثل هذه الآليات، فإننا نأمل بأن يؤخذ هذا التحذير على محمل الجد ويدفع الدول النامية لفتح المفاوضات حول هذه الآليات فى المحافل الدولية ذات الصلة مثل منظمة التجارة العالمية واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCC)، بما يساهم فى تفهم الدول النامية لهذه الآليات والهدف منها والسماح لها بإبداء رأيها فى هذا الصدد.
• • •
تعتقد الدول المتقدمة أنها فعلت الكثير من أجل مكافحة انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، مما يسمح لها الآن باللجوء منفردة إلى آليات جديدة يتم من خلالها فرض حواجز جمركية إضافية على وارداتها التى تحتوى على نسب انبعاثات تزيد على تلك التى تسمح بها لصناعاتها المحلية. وتُعرف هذه الإجراءات بلغة منظمة التجارة العالمية بالإجراءات السلبية على التجارة والتى تعاقب المصدرين على مستويات انبعاثات الكربون لديهم، على عكس الإجراءات الإيجابية، التى تهدف إلى مساعدة الدول على الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر من خلال تدابير داعمة، مثل التمويل الإضافى والتكنولوجيا النظيفة والاستثمار الأخضر.
هذا، وأن أحدا لا ينكر أن مصر ــ مثل غيرها من الدول النامية ــ قد تلقت مليارات الدولارات فى شكل استثمارات جديدة فى القطاعات الخضراء لزيادة إنتاج الهيدروجين الأخضر. كما سمحت الحرب فى أوكرانيا لمصر بأن تصبح بديلا جزئيا للغاز، مما يجذب تدفقات استثمارية جديدة. فإن أحدا لا ينكر أن هناك بعض الدعم للدول النامية لمواجهة تغير المناخ ومساعدة اقتصاداتها على التحول. بيد أن هذا بعيدا عن وعود الدول المتقدمة فيما يتعلق بإنشاء صندوق أخضر مع تعهدات بقيمة 100 مليار دولار سنويًا فى كوبنهاجن فى ديسمبر 2009. هذا، وقام سكرتير عام الأمم المتحدة فى شرم الشيخ بالمطالبة بمضاعفتها إلى 200 مليار دولار سنويا.
وإذ تدرك الدول عامة أنه من أجل الوصول إلى متوسط درجة الحرارة العالمية إلى 1.5%، يتعين عليها إجراء تخفيضات فورية وأعمق بكثير للانبعاثات. فإن المؤكد أن متوسط درجة الحرارة العالمية سيظل عند 2.7% على أفضل تقدير فى نهاية هذا القرن ــ فى ضوء أوجه القصور فى مختلف الخطط الوطنية للدول ــ وهو ما يعد كارثيًا بكل المقاييس.
الأمر ما زال محل تكهنات إذا ما كانت الحرب الأوكرانية ستعمل على تعجيل التحول إلى الطاقة النظيفة بمعدلات أسرع وتقلل الوقود الأحفورى أم أنها ستدفع الدول المتقدمة، لا سيما الاتحاد الأوروبى، لتصبح أكثر تسامحًا إزاء استخدامات الوقود الأحفورى، وخاصة الفحم والغاز الطبيعى. وبالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى لم تعد مسألة تغير المناخ مجرد قضية بيئية، ولكن ينظر إليها الآن، وبكل المقاييس، على أنها قضية أمنية وضرورة الإقلال من الاعتماد على النفط. وعليه، تعمل الدول المتقدمة واحدة تلو الأخرى وبشكل منفرد من خلال إدخال الآليات الحدودية للحد من الكربون.
أدخل الاتحاد الأوروبى آلية حدود تعديل الكربون (CBAM)، وأدخلت الولايات المتحدة قانون المنافسة النظيفة (CCA)، وحذت اليابان وأستراليا حذوهما. ولدى البلدان المتقدمة منظورها الخاص بشأن هذه التعريفات الجديدة على حدودها، حيث ترى أنها تساهم فى تكافؤ الفرص بين شركاتها التى تلتزم بمستويات الكربون الصارمة ووارداتها من البلدان النامية التى لا تخضع لمثل هذه المعايير من قبل حكوماتها. وعليه، فإن زيادة التعريفة الجمركية تساهم فى تمكين الشركات الوطنية من المنافسة العادلة فى أسواقها المحلية وكذلك الأسواق العالمية، كما تساهم فى معالجة مصادر الانبعاثات الحرارية فى الدول النامية.
• • •
إذ يتعين علينا الابتعاد عن لعبة اللوم المتبادل بين العالمين والتى أدت إلى تفاقم تغير المناخ على مر السنين وإزاء المواقف المتشددة لكلا الجانبين، فمن الضرورى إيجاد مسار تعاونى جديد بشأن تغير المناخ؛ حيث إن صحت الحجج القائلة بأن الدول المتقدمة هى السبب الرئيسى لتراكم انبعاثات ثانى أكسيد الكربون لعقود، فإنها لا يجب أن تؤخذ كمبرر للدول النامية لاتباع نفس المسار؛ حيث إن ذلك لا يقدم الحلول المستهدفة. فمن الأهمية بمكان أن يشرع العالم النامى فى مسار أنظف من ذلك الذى سلكه العالم المتقدم والذى لم يكن فى ذلك الوقت مدركًا لتأثيره على المناخ والإنسان.
وإذا تم استبعاد الدول النامية عن عمد من المفاوضات بشأن تطوير آليات الحد من الكربون، فلها اليوم كل الحق فى المشاركة فى العمل المشترك المستقبلى والتعاون الحقيقى بين الجنوب والشمال من أجل التحول الأخضر. وتؤمن الدول النامية بالمفاوضات متعددة الأطراف باعتبارها أفضل الطرق للتوصل إلى التوافق فى الآراء والمضى قدما معا لتصحيح مسار تغير المناخ. والسؤال هو ما إذا كان العالم المتقدم لا يزال يؤمن بالمنتديات المتعددة الأطراف؟.
تحذّر عمليات المحاكاة والدراسات الأولية التى أجراها كل من صندوق النقد الدولى والأنكتاد من التأثير السلبى لهذه الآليات الحدودية على صادرات الدول النامية وتضع مصر بين الدول الأكثر تضررًا من الآليات الجديدة للحد من انبعاثات الكربون. فعلى الرغم من أن مصر ليست ملوثًا رئيسيًا، حيث احتلت المرتبة 27 بين دول العالم بانبعاثات حوالى 300 مليون طن من ثانى أكسيد الكربون فى عام 2019 بنسبة 0.75٪ من الانبعاثات العالمية، فإن مصر ستتأثر بشدة فيما يتعلق بقطاعات المرحلة الأولى، وهى الكيماويات والأسمدة والحديد والصلب والمعادن غير الحديدية (الألومنيوم)، التى ستواجه زيادة فى التعريفات بموجب الآليات الحدودية. فوفقًا لحسابات مركز التجارة الدولية (ITC)، فإن 62٪ من إجمالى صادرات مصر البالغة 41 مليار دولار تشمل انبعاثات عالية لثانى أكسيد الكربون. والرقم أكثر إثارة للقلق بالنسبة لصادراتنا إلى الاتحاد الأوروبى؛ حيث إن 79٪ من الصادرات المصرية إلى الاتحاد الأوروبى فى القطاعات المذكورة ستخضع لرسوم جمركية أعلى من خلال آليات مراقبة الحدود، بما سيحد من تنافسيتها فى أسواق الدول الأوروبية.
فإذا كانت الدول المتقدمة جادة بالنسبة لأهداف إزالة انبعاثات الكربون العالمية، فعليها أن تدعم الدول النامية وألا تلجأ إلى الإجراءات السلبية التى تحرم هذه الدول من مصدر آمن للعملة الصعبة. وتعزيز قدراتها على اقتناء التكنولوجيا المتطورة والنظيفة اللازمة لخفض الكربون من صناعاتها، وذلك من خلال تطبيق أكثر مرونة لحقوق الملكية الفكرية (IPRs) وخفض تكاليف الوصول إلى هذه التقنيات. وأخيرًا وليس آخرا، يعد إلغاء أو إعادة هيكلة ديون الدول النامية أيضًا وسيلة مهمة لتقليل العبء المالى الذى يمكن استخدامه لأغراض التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف.
ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات