تعاونٌ على وقْع القنابل - صحافة عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 3:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تعاونٌ على وقْع القنابل

نشر فى : الثلاثاء 16 مايو 2023 - 8:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 16 مايو 2023 - 8:45 م

تزامنا مع قرب انعقاد القمة العربية فى المملكة العربية السعودية، نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب نجيب صعب، تناول فيه أهمية التعاون الإقليمى بين الدول العربية وأنه أصبح ضرورة حتمية لا اختيارا لمواجهة تحديات التنمية المستدامة بكفاءة.. نعرض من المقال ما يلى.
التعاون العربى فى أزمنة الحرب والسلم كان وراء تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، التى سبقت الاتحاد الأوروبى ومعظم التجمعات الإقليمية الأخرى فى العالم بعقود. وإذا كانت التحالفات الإقليمية خيارا جيّدا فى ذلك الزمن، فهى ضرورية اليوم، حيث يتحكّم بالعالم أقطاب كبار، يحرّكون السياسة والاقتصاد، كما الحرب والسلم، ولا يبقى للدول الصغيرة غير الخضوع أو السقوط.
المقصود هنا ليس تقويم تجربة جامعة الدول العربية خلال 78 عاما، بل التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون بين الدول العربية فى جميع المجالات، كشرط للبقاء، دولا وشعوبا، على قيد الحياة. ولئن حملت العقود السابقة خيبات وهزائم، فلا بدّ من البحث عن أُطُر جديدة للتعاون، استنادا إلى تجارب ناجحة فى العالم. الشرط الأول هو التحرر من الشعارات العاطفية التى تدور حول «الأمة العربية الواحدة»، وبناء التحالفات على المصالح الاقتصادية والأمنية، بدعم من الروابط التاريخية والحضارية.
يكتسب التعاون بين الدول العربية أهمية استثنائية اليوم، فى إطار السعى إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومجابهة تحديات التغيّر المناخى. لكنّ ما كان وضعا حَرِجا قبل سنوات قليلة، زادته مضاعفات وباء كورونا وحرب أوكرانيا صعوبة. فعقب الإعلان عن أهداف التنمية المستدامة عام 2015، كتبنا فى تقرير صدر عام 2016 أنه حتى لو توقفت جميع الحروب والنزاعات فورا، فلا يمكن للمنطقة العربية الوفاء بموعد تحقيق هذه الأهداف بحلول سنة 2030، إذا استمرت فى ممارسة الأساليب التقليدية نفسها.
المطلوب مقاربة بديلة تقوم على اعتماد مبادئ التنمية المستدامة، التى تؤمّن التوازن بين النمو الاقتصادى والموارد الطبيعية، كجزء من السياسات والخطط العامة للدولة، لا كعنصر تجميلى مضاف. ولا بدّ من إعادة توزيع بنود الميزانيات بما يخدم تحقيق هذه الخطط بكفاءة، بعيدا عن الهدر والفساد. أما الدول التى تعانى حروبا ونزاعات، فعليها إدخال مبادئ التنمية المستدامة ضمن جهود إعادة الإعمار المرتقبة، لأن حراجة الموقف لا تسمح بمعالجة الخراب كيفما كان بما يراكم الأخطاء، وتأجيل الإصلاح سنوات. لذا، على المنظمات والدول المانحة عدم حصر جهودها فى توفير ضروريات السلامة والحاجات الأساسية للمتضررين، بل استعمال برامج الإغاثة لترسيخ ممارسات جديدة تعزّز أهداف التنمية المستدامة والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، جنبا إلى جنب مع المساعدات الطارئة.
ثمة أهمية حاسمة لاعتماد البلدان العربية مسارا إيجابيّا للتنمية، من أجل تلبية طموحات أجيالها الحالية والمستقبلية إلى حياة لائقة وكريمة. لكن تحقيق هذا يستوجب معالجة سلسلة من التحديات، فى طليعتها الاضطراب السياسى والسِّلم والأمن، وندرة المياه والأرض الصالحة للزراعة، التى يفاقمها ضعف كبير فى الكفاءة، مما يؤدى إلى الاعتماد الكبير على المنتجات الغذائية المستوردة. فالمنطقة، كمجموعة، غنية بالطاقة وفقيرة بالمياه والأرض الزراعية. ويزداد الوضع سوءا مع ازدياد الطلب على الموارد، نتيجة النموّ السكانى المتسارع وتغيُّر أنماط الاستهلاك وضعف الكفاءة، التى ستتفاقم أكثر بسبب تأثيرات التغير المناخى. ولمواجهة تحدّيات الفقر والجوع والأمن الغذائى، أمام البلدان العربية عدد من الخيارات المتعلقة بالسياسات، تشمل تحسين إنتاجية المحاصيل والمياه، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحى المعالجة، وتطوير مصائد الأسماك.
التعاون الإقليمى، المستند إلى المزايا النسبية، هو خيار حتمى، وليس اختيارا طوعيّا، لمواجهة تحديات التنمية العربية بكفاءة، وفى طليعتها تحقيق الأمن الغذائى. ولطالما قرأنا، وكتبنا، قبل انفجار الحرب الأهلية الأخيرة، عن أهمية الاستثمار الإقليمى فى السودان لإنتاج الغذاء، حيث تجتمع الأراضى الشاسعة الصالحة للزراعة مع توافر المياه، كما عددنا هذا نموذجا للتعاون العربى فى قضايا التنمية. لكن التحدى الذى تطرحه الأحداث الأخيرة فى السودان هو هل يمكن اجتذاب الاستثمارات فى غياب الاستقرار الأمنى والسياسى، والقوانين الناظمة البعيدة عن الفساد والمزاجية، التى تضمن حقوق البلد والمستثمرين على السواء؟
بالرغم من الخيبات والحروب والانهيارات، يبقى التعاون الإقليمى أمرا محتوما لتحقيق تنمية مستدامة وثابتة على المستوى العربى، وذلك وفق أُطُر حديثة توفّر المصالح المشتركة ضمن احترام التنوُّع. وفى انتظار أن ينقشع غبار الحروب، على البلدان العربية تعزيز قدراتها الذاتية من غير استنزاف مواردها المحدودة، والعمل الجادّ لتعزيز التعاون الإقليمى فى مجالات التنمية. إنه سباق لا يحتمل المهادنة بين التنمية والحروب، لأن انتصار أى منهما هو موت للآخر.

النص الأصلي

التعليقات