من طرح البحر - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من طرح البحر

نشر فى : السبت 18 يونيو 2011 - 8:34 ص | آخر تحديث : السبت 18 يونيو 2011 - 8:34 ص

 «ساحل مريوط ساحل ليبيا كما سماه القرطاجنيون قديما، الممتد من الإسكندرية حتى السلوم، قبل أن يدخل فى الأراضى الليبية».. هناك دائما ما يذكرنا بما حدث ويحدث. بقايا آثار رومانية ويونانية مبعثرة، موجودة ولكنها لا تلفت الانتباه بشكل كافٍ.. فنمر عليها مرور الكرام. مقابر وألغام من الحرب العالمية الثانية.

أهالى رفع بعضهم أعلام قديمة لليبيا فى إشارة لمساندتهم للثوار ضد القذافى أو فى إشارة أيضا لأصولهم وانتمائتهم القبلية. بيوت مصمتة «للسكان الأصليين»، مثل علب الكبريت، تنم على مجتمع مغلق لا يدع مجالا سوى لسلطة الأب أو شيخ القبيلة، هو وحده الذى يملك التفاوض حول قطعة أرض مملوكة بوضع اليد. تجمعات سكانية متناثرة، نشاطها الاقتصادى الأساسى هو التهريب، يخرجون عن بكرة أبيهم لصلاة الجمعة، على اعتبار أن هذه نقرة وهذه نقرة. أما القرى والمنتجعات السياحية فتطالعنا من حين لآخر بألوانها الغريبة والمستغربة كالنبت الشيطانى. فرغم اتساع المدى ورحابة البحر وامتداد الصحراء إلا أن معظم ما حدث أو شيد كان عشوائيا ويدل على انعدام الرؤية.

لا يزال وصف الروائى إبراهيم عبدالمجيد فى رائعته الأدبية «لا أحد ينام فى الإسكندرية»، التى تدور أحداثها أيام الحرب العالمية الثانية ينطلى على المنطقة إلى حد كبير: «يرتمى أمام الساحل، البحر المتوسط، أزرق مما هو فى الإسكندرية، شفاف المياه، ظاهر الصخور والرمال رقراق، يغريك أن تفتح كفيك وتقربهما معا، تحفن منه وتشرب، ناسيا أنه ماء أجاج، لكن الساحل دائما، عند كل من يسمع به أو يراه، هو الصحراء فإن. إنه ساحل مهجور تمتد خلفه الصحراء إلى ما لا نهاية ولها من كل ناحية أفق، ولكل أفق سراب».

بالفعل ظل الساحل منسيا لفترة ليست بالقصيرة، وعندما وصلته حمى العمران فى السنوات الأخيرة وصلته كالسراب، إذ تم ذلك بحيث يظل مهجورا، يأتيه بعض المصطافين لإعادة اكتشافه على طريقتهم، دون تنمية حقيقية لمنطقة أهلتها الطبيعية لأن تصبح من أجمل بقاع المتوسط على الإطلاق. انحسرت تدريجيا مساحات التين والزيتون التى طالما علقت بالأذهان عند ذكر مطروح والساحل الشمالى، وظهرت فجأة ملاعب للجولف تصاحبها مبان قبيحة لا تطل على شاطئ! فى حين أنه من المعروف أن مدينة مرسى مطروح، التى تستقبل 5 ملايين مصطاف فى موسم الصيف تعانى تاريخيا من انقطاع المياه، لا توجد عدالة فى توزيع مياه الشرب إذ تستهلك القرى السياحية الممتدة من العلمين حتى مرسى مطروح أكثر من 75% من طاقة محطة مياه الشرب بالعلمين (المصدر الرئيسى لمياه مدينة مرسى مطروح)، كما ذكر من قبل فى الصحف، فما بالك بالجولف!

الساحل صار رمزا للتربح وتخصيص الأراضى وبيزنس تأجير الشواطئ فى عهد مبارك، وبدلا من أن نتحدث عن اسطورة الحب والموت لأنطونيو وكليوبترا، التى كانت مطروح مسرحا لها أو كيف تحولت المدينة إلى مركز لقيادة الجيش الثامن ترمح فيها السيارات العسكرية طوال النهار إبان الحرب العالمية، وكيف لم يفلح روميل فى اختراق جبهة العلمين وخسر المعركة، أفرز المكان أساطير حداثية شخوصها قد يحملون اسم أحمد المغربى أو محمد إبراهيم سليمان أو حتى مارينا.

فهؤلاء قد أثروا فى الساحل أكثر بكثير من الشاعر القديم «ابن مطروح» الذى قيل إن المدينة والمحافظة قد سميت على اسمه، وأحدثوا فى المكان تحولا جذريا قد يمتد معه إلى الأبد، بل ويستفحل إذا لم يتم تداركه، فتفقد مصر بمنتهى «الغشم» منطقة قادرة على جذب المزيد والمزيد من السائحين إذا تم تخطيطها بما يتلاءم مع طبيعتها وشخصيتها، دون محاباة.

فهل من المعقول أن ساحلا بهذه الأوصاف لا يصله سوى قطار مترنح، ننسى أحيانا أنه موجود وقد نشعر أنه لا يتحرك من فرط البطء؟ يضحك السائق الذى يقلنا متهكما: القطار يخرج من الإسكندرية فى الصباح ليصل مرسى مطروح فى اليوم التالى، ثم يبدأ العودة فى اليوم الثالث، فهو يتلقف الركاب الذين يوقفونه على الطريق! يصعب علينا أحيانا أن نتفهم أن الوقت لا يتوقف من أجل أحد.

التعليقات