هنا يرقد الشيخ عبد الواحد - داليا شمس - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هنا يرقد الشيخ عبد الواحد

نشر فى : السبت 18 أغسطس 2018 - 8:30 م | آخر تحديث : السبت 18 أغسطس 2018 - 8:30 م

من الطبيعي أن يعكف الأزهر حاليا على ترجمة كتابين لرينيه جينو أحد أعلام التصوف الإسلامي، وهما "الشرق والغرب" (1924) و"أزمة العصر الحديث" ( 1927) اللذان ألفهما هذا المفكر وعالم الميتافيزيقا الفرنسي، بعد أن أعلن إسلامه عام 1912، بل من الغريب أن يتأخر نقل مثل هذين الكتابين إلى العربية كل هذه السنوات، في ظل رغبة تجديد الخطاب الديني ومواجهة الفكر المتطرف والتحاور مع الغرب. وكان جينو قد اعتنق الصوفية وتوجه إلى مصر عام 1930 ليعيش إلى جوار مولاه الشيخ عبد الرحمن عليش، شيخ الطريقة الشاذلية، ويقضي وقته بين مسجد الحسين وساحة الأزهر في الصلاة والعبادة، ثم تعرف على الشيخ محمد إبراهيم، صديق الشيخ عليش، وتزوج ابنته فاطمة وسكن بيته قرب مسجد الحسين، قبل الانتقال إلى فيلته الجديدة بالدقي، بالقرب من شارع نوال، حيث قضى في السابع من يناير 1951، بعد أن نشر سبعة عشر كتابا بالفرنسية، لا يزال يعاد طبعها كل سنة وترجمتها إلى عدة لغات.
***
يأتي بعض الأجانب لزيارة قبر رينيه جينو الذي اتخذ اسم عبد الواحد يحي بعد اعتناقه الإسلام، وقد دفن إلى جوار حماه وشيخه بمنطقة الدراسة، كما يزور البعض بيته أو "فيلا فاطمة" التي لا تزال موجودة في الشارع الذي يحمل اسم والدها الشيخ محمد إبراهيم، فقط تم تعلية المبنى لكي يتسع لباقي أفراد الأسرة، مع الاحتفاظ بمكتب جينو كما هو، وفقا لوصيته. مكتب خشبي يحمل بعضا من صور الراحل، ووسائد وضعت على الأرض بطول الغرفة لاستقبال الزائرين، وأرفف رصت عليها الكتب التي يصل عددها إلى ثلاثة آلاف، بعضها جاء بالسنسكريتية والأردية والصينية ضمن ثلاث عشرة لغة أجادها العالم الأكبري الذي ولد كاثوليكيا في مدينة بلوا الفرنسية سنة 1886. تحتفظ أسرته أيضا بصناديق مراسلاته مع ستمائة شخصية بارزة من جميع أنحاء الأرض، يتناقشون ويتبادلون الآراء حول أمور عدة منها الفلسفة والعلوم المقدسة والدراسات التقليدية والرمزية.
يعيد جينو تقييم الحضارة المادية الغربية ويتحدث عن قرب زوالها، ويقول إن الأديان كلها هي السبيل لحياة إنسانية تتسم بالمثالية والطهارة، إذ يرى أن الأديان جميعها متكاملة، ولكن ليس في ظاهرها، وإنما يأتي التكامل من خلال المعرفة الباطنية في جميع الأديان التي توصل للحقيقة الإلهية، مجال بحثه الدائم. كان له منهج خاص لإعادة التوازن بين الشرق والغرب، لا يقتصر في تصوفه على النصوص الإسلامية بل يستقي الحكمة والعرفان من الفلسفات الإشراقية المختلفة، خاصة الفلسفات الشرقية الممتدة على أرض تاريخ الهند وإيران وما وراءهما. لذا جاءت مؤلفاته بعكس الصورة التي روج لها المستشرقون حين رددوا أن الإسلام انتشر بحد السيف وأنه لا يثمر روحانية عميقة.
***
ألف عنه الشيخ الجليل، الدكتور عبد الحليم محمود كتابا بعنوان "الفيلسوف المسلم رينو جينو" (مكتبة الأنجلو، 1945)، إذ كان من المقربين منه، بل ووضعه في مرتبة الغزالي وأمثاله في الشرق، وفي مرتبة أفلوطين وأمثاله في الغرب. ونحن لا نعرف عنه الكثير، ولم نسع طويلا لترجمة أعماله مثل "سيادة الكم و علامات الزمن"، "لمحات عن الباطنية المسيحية"، "الصور التراثية والدورات الكونية"، "علم الباطن لدانتي"، "لمحات عن الصوفية الإسلامية والطاوية"، إلى ما غير ذلك.
صمت وعزلة وصبر على البلاء ورضا بالقضاء والقدر، كانت تلك سمات حياته وكذلك خصال الشيخ الأكبر، محي الدين بن عربي، الذي نسبت إليه الأكبرية. وعندما شعر رينيه جينو أو عبد الواحد يحي بدنو أجله قال لزوجته التي أحبها كثيرا: " النفس خلص"، ثم أسلم الروح هو وقطه عثمان في لحظة واحدة. سيرة ومسيرة تستحق الاطلاع والقراءة الذكية لنعرف أكثر عن فيلسوف القاهرة والحكيم الذي عاش بالقرب من الأهرامات قبل منتصف القرن الفائت.

التعليقات