مبادئ السياسة الخارجية لمصر الديمقراطية - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مبادئ السياسة الخارجية لمصر الديمقراطية

نشر فى : الثلاثاء 18 سبتمبر 2012 - 8:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 18 سبتمبر 2012 - 8:20 ص

التوَاقون إلى نظام سياسى مصرى جديد يوفر للمواطنين سبل حياتهم الجارية، ويكفل لهم أساليب التخطيط لمستقبل أفضل، يتطلعون إلى السياسة الخارجية كأداة تسهم فى تحقيق مقاصدهم. ويضاعف من التطلع إلى هذا الدور للسياسة الخارجية إحساس عام بأنها فى العقود الأخيرة ركنت إلى تحليل كسول لعلاقات القوى فى النظام الدولى، وفرطت فى استخدام موارد للقوة لم تعدمها، ولذلك فلقد قصرَت فى المساهمة فى تحقيق طموحات المصريين.

 

●●●

النظام السياسى الجديد بأحكامه الدستورية من جانب، وبعلاقات القوى على أرض الواقع بين أطراف هذا النظام، الرسميين وغير الرسميين، من جانب آخر، سيحدد أسلوب صنع القرار فى السياسة الخارجية وطريقة تنفيذه. على أن ثمة مبادئ تحكم صياغة السياسة الخارجية، بعضها ليس جديدا وبعضها الآخر مستجد. أولى هذه المبادئ هى تلك الواردة فى المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، وقد تبدو الإشارة إلى هذه المبادئ شكلية وقضاء للواجب، غير أنها تكتسب أهمية محددة فى الوقت الحالى، خاصة ما يتعلق منها مثلا باحترام سلامة أراضى الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة واستقلالها السياسى، بمعنى عدم جواز التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، حيث تبوأت منصب الرئاسة فى مصر شخصية تنتمى إلى حركة أممية، هى الاخوان المسلمين، المفترض فى أصل أفكارها عدم الاعتداد بحدود الدول والتطلع إلى روابط غير إقليمية للبنى السياسية. غير أن الزيارة المرتقبة لرئيس الجمهورية للجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو للاطمئنان إلى أن مصر فى عهدها الجديد تحترم النظام الدولى الإقليمى، وإن كان هذا لا ينبغى بالطبع أن يحول بينها وبين السعى إلى ادخال تغييرات واجبة وضرورية على قواعد عمل هذا النظام. قد يقول قائل إن الدول العظمى نفسها لم تمتنع عن أن تنتهك، صراحة أو ضمنا، هذه المبادئ، وهذا صحيح. الرد على ذلك من شقين، الأول هو الاعتراف بأنه فى النظام الدولى، عدم الالتزام الصارم بمبادئ عمل النظام الدولى ترف يتناسب طرديا مع قوة الدول. أما السبب الثانى فهو أن فى احترام المبادئ التى يقوم عليها التنظيم الدولى مصلحة لمصر، ولكل الدول الصغيرة والمتوسطة، فهذه المبادئ هى المرشح لقوة الدول العظمى وهى التى تقيد حرية هذه الدول العظمى وتحرمها من شرعية أن تنفرد بالدول الصغيرة والمتوسطة.

 

●●●

 

والواقع هو أن مصر، بالرغم من استثناءات لها أهميتها، قد احترمت دوما مبادئ النظام الدولى، وهو ما ينعكس إيجابيا على سمعتها وعلى الوثوق بها، ولكلتا هاتين الخاصتين قيمتهما فى النظام الدولى، منعدم السلطة المركزية، الذى يعتمد فى تشغيله أساسا على التعاون وحسن النية. ويثير سابق سلوك مصر فى النظام الدولى مسألة المتغير والثابت فى السياسة الخارجية. المتغير يرتبط بالاستثناءات المشار إليها التى تندرج فى إطار الترويج لحقوق الإنسان والتشجيع على احترامها. فى هذا الصدد، ينبغى أولا التشديد على أن احترام حقوق الإنسان ليس شأنا داخليا بحتا، بل هو من أهداف النظام الدولى كما ترد فى المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة. أما ثانيا فحقوق الإنسان وثيقة الارتباط بالديمقراطية، لذلك ينبغى للسياسة الخارجية لمصر فى عهدها الديمقراطى أن تكون شديدة الحرص على تعزيز حقوق الإنسان، خاصة فى الدول الواقعة فى إقليمها، لأن فى ذلك حماية لنفس نظامها الديمقراطى الجديد. لا ينبغى أن يشعر الإخوان المسلمون أن فى ذلك انتقاصا من فكرهم القائم على الخصوصية الثقافية للحقوق والحريات. التقوقع حول الخصوصية من شأنه أن يبعد مصر عن التيار العام للنظام الدولى، فهل هذا فى مصلحتها، بل هل هو فى مصلحة الإخوان المسلمين أنفسهم؟ المتصور هو أن الإخوان المسلمين طموحون إلى المشاركة بنشاط فى النظام الدولى، وربما إلى التأثير فيه، فهل يتيسر لهم ذلك بالخروج على مبادئ هذا النظام؟ أما القواعد غير العادلة لتسيير النظام الدولى، وهى قواعد تندرج فى القطاعات المختلفة المتعلقة بالسلم والأمن الدوليين، وبالتجارة الدولية، وبالتنمية، وبالبيئة، بل وبالثقافة وحقوق الإنسان ذاتها، فيمكن، بل ويجب، السعى إلى تغييرها بالإشتراك مع الدول التى تشكو من هذه أو تلك، وهى كثيرة. التغيير فى القواعد ينبغى أن ينطلق من الثبات على المبادئ.

 

الثبات يستدعى مبادئ أخرى تفسِر استمرارية فى السياسة الخارجية، أو فى السلوك الخارجى، لمصر الحديثة فى القرنين الماضيين. هذه المبادئ ترتبط بالسعى المذكور إلى تغيير القواعد غير العادلة للنظام الدولى. منذ الربع الثانى من القرن التاسع عشر عملت مصر على تغيير العلاقات الإقليمية والدولية التى تؤثر فيها، حتى أنها نجحت فى أن تقيم نفسها كيانا سياسيا له خصوصيته ثم دولة كافحت حتى أتمت استقلالها. المتأمل يرى وبسهولة الاستمرارية فى السياسة الخارجية المناهضة للاستعمار ولهيمنة القوى الكبرى التى انتهجها خصمان لدودان تواليا على زعامة مصر فى الربعين الثانى والثالث من القرن العشرين هما الوفد المصرى وجمال عبدالناصر. مكافحة الهيمنة ليست تبديدا لثروة غير موجودة، ولا هو تهور يورد التهلكة. الواقع هو أن مثل هذا السلوك الخارجى يرفع من مستوى الموارد المعنوية، بل والمادية، والاعتراف بمكانة مصر فى عوالمها العربى، والأفريقى، والإسلامى، وفى البلدان النامية، يرجع فى جانب كبير منه إلى هذا السلوك، وهو اعتراف يعود بالنفع على مصر فى علاقاتها الدولية. المهم أن ينطلق العمل على ادخال تغييرات على قواعد عمل النظام الدولى، وعلى مكافحة الهيمنة، من احترام مبادئ هذا النظام. هدف التغيير المطلوب باختصار هو دمقرطة العلاقات الدولية ولكى تصبح الديمقراطية مبدأ راسخا من مبادئ النظام الدولى. التغيير يؤمِن لأى نظام أن يتواءم مع بيئته، وهو بالتالى يكفل له الحياة. السعى إلى ادخال تغييرات على النظام الدولى ليس انتقاصا من قدرة مصر على تحقيق أهدافها، وهو ليس عداء لأحد، بل هو تعزيز لهذا النظام.

 

●●●

 

ومن علامات التغير فى النظام الدولى ظهور تفسير العلاقات بين أطرافه على أنها صراع للحضارات. هذا منظور خطير صار يشخص جل الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على أنها صراعات عرقية أو دينية أو مذهبية، ولأن التشخيص أساس العلاج، فإن العلاجات الموصوفة لهذه الصراعات تفشل فى ابرائها، بل وتسهم فى تفاقمها. منظور صراع الحضارات أدى إلى فشل النظام الدولى، وإلى فشل الدول المكونة له، فى إدارة صراعات كل منها. وفضلا على أنه ينشر الفوضى فى النظام الدولى، فإن منظور صراع الحضارات ليس فى مصلحة البلدان النامية، ولا هو فى مصلحة الثقافتين العربية والإسلامية اللتين تنتمى إليهما مصر تحديدا. على السياسة الخارجية المصرية أن تشدد على أن الشعب المصرى، وإن كان يتوق إلى العدل، فإنه يصبو إلى العيش فى سلام يمكنه من مواجهة معضلات التنمية، ومن رفع مستويات معيشته بكفاءة وفاعلية. وهذا تشديد ينبغى أن يواكبه، من جانب، تحرك على المستوى الدولى، ومن جانب آخر، عمل داخل مصر يفكك بنية منظور صراع الحضارات التى انطلت، رغم بهتانها، على كثير من أبنائها.  

 

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات