متى يموت الناس؟ - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متى يموت الناس؟

نشر فى : الإثنين 18 أكتوبر 2010 - 10:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 18 أكتوبر 2010 - 10:20 ص

 اتفق تماما مع الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية على أن الناس مش حتموت لو ماكلتش سلطة كما قال فى تصريحه لجريدة «الشروق». طبعا مش حتموت، والدليل أن معظم المصريين تخلوا من زمان عن طبق السلطة، بل ونسوا مشهده على موائدهم، ومع ذلك لم يصبهم مكروه.

ولكن يادكتور سيبك من موضوع السلطة، لأن المصريين تعودوا على الدلع من كثرة ما أغدقت عليهم الحكومة من خيراتها. وهو بالطبع مازاد من تطلعات البعض منهم بدرجة جعلتهم يعتبرون أن غلاء الطماطم مشكلة تستدعى أن يقلقوا مضاجع الحكومة.

وطبعا ليس بخافٍ على سيادتكم أن موضوع تغيير العادات الغذائية، الذى تطالب به يا سيادة الوزير، سوف يحتاج بعض الوقت. فلكى تغير الأسر المصرية من عادتها السيئة مثل الطبخ بالطماطم الطازجة واستبدالها بالصلصلة الرخيصة جدا والتى توفرها لهم الحكومة ببلاش تقريبا، قد يواجه بمعارضة من أصحاب العقول المتحجرة من الأسر التى لا تريد أن تتنازل عن رفاهية الأكل بالطماطم.

ولكن لو افترضنا أن المصريين، خاصة الجاحدين منهم الناكرين لجميل الحكومة التى سمحت لهم طوال السنوات الماضية بممارسة عادة الإسراف فى تناول الطماطم دون رحمة، قبلوا أن يتنازلوا عن الطماطم تماما، فماذا يأكلون؟.

إذا كان بند الخضراوات كله قد زاد بمقدار 51% منذ العام الماضى وحتى الآن تبعا للإحصاءات الرسمية التى أعلنها جهاز الإحصاء الحكومى أخيرا. (وذلك دون أن نشكك فى الرقم، ونقول إن نسبة زيادة الأسعار أعلى من ذلك بكثير).

يعنى لو الناس استغنت تماما عن سلعة المرفهين وهى «الطماطم» وأكلت الملوخية فيكون عليها أن تدفع 50% زيادة عما كانت تعجز عن دفعه العام الماضى فى ظل الزيادات التى لا تنتهى فى الأسعار.

فبعد أن أجبر الناس جبرا على حرمان أطفالهم من رفاهية أكل الفاكهة، لدرجة أنه قريبا جدا سوف يخرج جيل من أطفال المصريين لا يعرف طعم المانجو ولا التفاح بعد أن سبق وخرج «الكيوى» من ذاكرة معظم المصريين باعتباره من الفواكه المنقرضة. بل وسوف يحمد أغلب المصريين ربنا إذا عرف أطفالهم الكانتلوب والموز والبرتقال بعد الآن.

ولكن بعد أن حذفت غالبية الأسر الفاكهة، واكتفت بالخضار فهل يكون عليها من الآن التفكير جديا فى التقاط الصور التذكارية مع كل أنواع الفاصوليا والبطاطس والباذنجان والبسلة والبامية والخرشوف إن أمكن حتى يتسنى لأطفالهم التعرف على هذه النوعيات فى المستقبل القريب، وربما تصبح هذه الصور مجالا للتباهى بين الطبقات فى وقت ليس ببعيد.

نسيت أن أذكرك يا دكتور عثمان بأن الناس سبق لها من قبل أن استغنت طواعية عن أكل اللحوم والفراخ بعد أن وصلت الزيادة فى أسعارها إلى 28% (بكلام الحكومة وإحصاءاتها)، فى عام واحد.

والآن لم يعد أمام الناس سوى البحث عن بند «الحبوب» وعلى رأسها الأرز فربما يصبح طوق نجاة لهم، وسوف تسعفهم المكرونة أيضا، ويسد رمقهم العيش الحاف. والحمدلله أن هذا البند لم يزد (حسب كلام الحكومة) على 17% فى مجمله طوال العام الماضى. وربما من فضل الله على المصريين أن بند (الزيوت والدهون) الضرورى والذى لا غنى عنه لطهو الأرز والمكرونة زاد بنسبة 8% خلال العام، وإلا كان الدكتور عثمان قد اقترح أن يطهو الناس الأرز والمكرونة على البخار كنوع من تغيير العادات الغذائية الباهظة التكاليف.

وإحقاقا للحق علينا أن نحمد ربنا على كلام الدكتور عثمان فهو أوصلنا إلى أن الناس مازالت أمامها فرصة للجمع بين أكل الأرز والمكرونة (بالصلصة)، بالإضافة للعيش الحاف. ولكن المصيبة فى كلام الدكتور على المصيلحى وزير التضامن الاجتماعى الذى «نشن» فى التوقيت الذى اعتبره هو مناسبا للحديث عن رفع الدعم وتغييره من دعم عينى إلى نقدى.

ففى كلامه أمام مؤتمر للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية عقد أخيرا، وتحدث فيه عدد من مسئولى صندوق النقد والبنك الدوليين محبذين التحول من نظام الدعم العينى إلى دعم نقدى تحت دعوى الخوف من تسرب جانب منه إلى غير المستحقين. كان الدكتور المصيلحى متحمسا لهذا الاتجاه واصفا كل من لا يوافقه الرأى بأنه من المستفيدين من فساد هذا النظام.

الدكتور مصيلحى ومسئولو الصندوق والبنك يحبذون لو أن الفقراء فى مصر أخذوا «قرشين» فى جيوبهم، واشتروا بهما احتياجاتهم أفضل من أن يكون لديهم بطاقة تموينية يحصلون بها على الزيت والسكر والأرز والمكرونة والشاى. ولكن إذا كان المسئولون فى المؤسستين الدوليتين يقولون هذا الكلام فى كل بلد يذهبون إليه، ولكل الفقراء فى العالم على السواء دون أن يعرفوا خصوصية كل بلد، فلهم عذرهم حقا.

لأنهم لا يعرفون أننا فى مصر نعيش فى ظل حكومة ترى الارتفاع الجنونى فى الأسعار، وتؤكد أنه غير مبرر، ومع ذلك لا تحرك ساكنا للسيطرة عليه خوفا من أن تضبط متلبسة بخدش حياء (حرية السوق) وهو ما يعرضها للمساءلة من نفس المؤسستين.

مسئولو الصندوق والبنك يقولون ما يريدون، ولكن على الدكتور المصيلحى أن يقول لنا ماذا ستفعل الحكومة لو أن أسعار الزيت والأرز والمكرونة والشاى زادت 100% هل ستزيد الدعم النقدى إلى الضعف؟. أم سيخرج علينا وزير آخر يقول: «الناس مش حتموت لو ماكلتش عيش حاف». بالله عليكم متى يموت الناس؟

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات