ماذا بعد تقرير التنمية البشرية المصرى؟ - محمد علاء عبد المنعم - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا بعد تقرير التنمية البشرية المصرى؟

نشر فى : الإثنين 18 أكتوبر 2021 - 9:30 م | آخر تحديث : الإثنين 18 أكتوبر 2021 - 9:30 م
حظى تقرير التنمية البشرية المصرى 2021، الذى أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، بترحيب واسع داخليا وخارجيا، وربما يعود هذا الترحيب إلى صدوره بعد غياب أكثر من عشر سنوات منذ إصدار آخر تقارير التنمية البشرية المصرية عام 2010، وعلى مسافة تسعة أعوام من نهاية الفترة الزمنية لاستراتيجية مصر 2030. وهو من هذا المنطلق لا يقدم فقط تحليلا لمخرجات عملية الإصلاح فى عديد من المجالات مثل الاقتصاد والحماية الاجتماعية والتعليم والصحة والاستدامة البيئية، ولكنه يفتح المجال لنقاش عام حول ما تم تحقيقه وأهم العقبات والأشواط المطلوب قطعها وصولا إلى تحقيق مستهدفات الحكومة التى حددتها فى استراتيجية التنمية المستدامة ــ رؤية مصر 2030.
ويميز هذا التقرير أمران رئيسيان. أولهما أنه يقدم صورة شاملة للأحداث والسياسات والبرامج الإصلاحية التى شهدتها مصر على مدى عقد كامل من الزمان، ما بين عامى 2010 و2021، وهو بهذا يختلف عن غيره من التقارير السابقة، والتى ركزت على محور معين من محاور التنمية، وكان آخرها تقرير 2010، الذى جاء بعنوان «شباب مصر: بناة مستقبلنا»، والتقارير السابقة عليه أعوام 2008 و2005 وبداية بأول التقارير عام 1994، حيث ركز كل من هذه التقارير على قضية محددة من قبيل صياغة عقد اجتماعى جديد ودور المجتمع المدنى واللامركزية والمشاركة المجتمعية ومكافحة الفقر والإنفاق العام وإصلاح التعليم.
ولا شك أن هذه الموضوعات على درجة عالية من الأهمية، وعكست قضايا رئيسية على أجندة السياسات العامة للدولة وقتها، وربما عكست كذلك القضايا التى رغبت الحكومة فى مناقشتها أو تسليط الضوء عليها، ولكن الصورة البانورامية التى عرضها تقرير هذا العام 2021 تعد هى الأولى بالاهتمام فى هذه المرحلة. فهى تعكس من جانب جاهزية الحكومة للتعاون مع منظمة أممية لطرح تقييم شامل لما تحقق على مدى عقد كامل شهد تبنى سياسات جريئة فى مجالات الإصلاح الاقتصادى وإصلاح منظومة التعليم والدعم والحماية الاجتماعية وغيرها من المجالات على اتساع مساحة العمل العام لم يكن بمقدور النظم السياسية السابقة التطرق لبعضها بنفس الدرجة من الإرادة السياسية والاستعداد لتحمل تبعاتها.
كذلك يعكس تقرير هذا العام استعداد الحكومة لمناقشة شفافة ليس فقط حول أوجه ما تم إنجازه، ولكن أيضا حول جوانب القصور والتحديات. فقد تناول التقرير قضايا وسياسات الإصلاح الاقتصادى وإصلاح التعليم والحماية الاجتماعية والمساواة بين الجنسين والاستدامة البيئية والحوكمة، وحلل مدعما ببيانات حكومية ودولية عديدا من إنجازات الحكومة، منها تحسن مؤشر التنمية البشرية فى مصر، رغم استمرار ترتيب مصر على ما هو عليه، وتحسن أداء التعليم قبل الجامعى وفقا لمؤشرات الإتاحة والقيد بالمدارس وتقليص الفجوة بين الذكور والإناث وإتاحة فرص التعليم لذوى الاحتياجات الخاصة، وكذلك المبادرات المتعددة فى مجال الرعاية الصحية ومنها حملة 100 مليون صحة والقضاء على قوائم الانتظار والحملة القومية للقضاء على الالتهاب الكبدى الوبائى (فيروس سى)، وهى الحملات التى حققت نجاحات مشهود لها عالميا.
***
ومن القضايا ذات الأبعاد المتشابكة التى تناولها التقرير قضية إصلاح منظومة الدعم وتوجيه الفوائض إلى برامج الرعاية الاجتماعية، وهى تعد أساسية ليس فقط لإصلاح هيكل الاقتصاد، ولكن أيضا لضمان العدالة الاجتماعية، فلا يُعقل أن يدفع شخص ما لديه سيارة فارهة نفس سعر لتر البنزين الذى يدفعه شخص آخر لديه سيارة متواضعة تخدم احتياجات أسرة كاملة. هذه المعادلة البسيطة كانت فى قلب الدعوات لإصلاح منظومة الدعم وتوجيهه لمستحقيه على مدى عقود طويلة فى مصر سواء من باحثين ومفكرين مصريين أو من مؤسسات دولية وبحثية مستقلة. ولا شك أن التعامل مع هذه القضية فى حد ذاته يستحق الاهتمام الذى أولاه التقرير لها، خاصة بالنظر إلى سياسات الحكومة الهادفة إلى تحقيق استهداف أفضل للمستحقين من خلال توجيه الفوائض المتحققة من تخفيض الدعم إلى برامج الحماية الاجتماعية. وهى من الأمور التى تتطلب دراسات مستفيضة مستقبلا لتقييم التجربة واقتراح بدائل السياسات اللازمة لتوسيع رقعة المستفيدين من سياسات ترشيد وتحسين استهداف الدعم.
وقد أتاحت هذه السياسات المساحة اللازمة للحكومة المصرية لتمويل القطاعات الاقتصادية والصحية لمواجهة أزمة كورونا، ودعم العمالة المؤقتة التى كانت أحد أكثر شرائح المجتمع المصرى تضررا من الأزمة. ورغم التحديات التى فرضتها الجائحة، كانت مصر من بين عدد محدود من دول العالم، والدولة الوحيدة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التى تمكنت من تحقيق معدلات نمو إيجابى فى عام 2020.
الأمر الثانى الذى يميز تقرير 2021 هو الاهتمام بإتاحة البيانات، وهو أحد الأمور التى تركز عليها تقارير التنمية البشرية التى يصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، فهذه التقارير تسعى إلى أن تكون مرجعا للأكاديميين والباحثين فى مجالات التنمية بأبعادها المختلفة، بحيث تقدم بيانات ومؤشرات يمكن البناء عليها للقيام بأبحاث مستقلة، ومن ثم لا يقتصر دورها على تقديم أبحاث وتحليلات علمية ومحايدة، بل يتجاوز هذا لفتح مجال لنقاشات علمية مبنية على معلومات دقيقة. ومن هنا أجد موقع «مصر: حقائق وأرقام»، الذى تم الإعلان عن تدشينه خلال حفل إطلاق التقرير، خطوة هامة ليس فقط لإتاحة البيانات أمام الجميع وتحديثها باستمرار، ولكن أيضا لتهيئة مساحة أمام الباحثين والدارسين والمجتمع المدنى والصحافة الاستقصائية لدراسة ومناقشة سياسات الحكومة على أساس علمى ومحاسبتها على ما أنجزته.
ولم يخل التقرير من إشارات لعدد من أوجه القصور، منها على سبيل المثال استمرار أوجه عدم المساواة التى تؤثر سلبا على مؤشر التنمية البشرية، واستمرار عدد من التحديات التى تواجه قطاع التعليم، ويأتى على رأسها كثافة الفصول، والحاجة إلى تحسين إدارة قطاع الصحة وتحقيق العدالة الجغرافية فى مستويات الدخل والاستثمارات القومية، إضافة إلى زيادة معدلات الهجرة من الريف إلى الحضر نتيجة الفرص الاقتصادية المحدودة والبنية التحتية غير المهيأة فى بعض المناطق، إلى جانب استمرار تحديات التمويل فى قطاعات التعليم والصحة.

الخطوة التالية
من المؤكد أن تقرير التنمية البشرية المصرى 2021 وثيقة هامة، ليس فقط بالنظر للمجهود البحثى من قِبَل مجموعة واعدة من شباب الباحثين والأساتذة البارزين فى مجالات تخصصهم، ولكن أيضا بالنظر إلى صدوره فى فترة محورية، ليس فقط فى التاريخ المصرى، ولكن فى تاريخ العالم ككل، حيث تجابه المجتمعات والحكومات جميع الآثار السلبية لجائحة فيروس كورونا المستجد، بما فرضته من تباطؤ فى معدلات النمو الاقتصادى العالمى واضطراب سلاسل التوريد وخفض الإنتاج وتهديد الملايين من المواطنين حول العالم بالدخول فى دائرة الفقر، وكذلك بالنظر إلى أهمية الحقبة التى يغطيها التقرير فى مصر، والتى شهدت حراكا سياسيا ومطالب بالعدالة الاجتماعية والمساواة والحرية يجب على الحكومة أن تتفاعل معها وتعيد توجيهها فى إطار الدستور والقانون بما يسمح بتوسيع نطاق المشاركة السياسية والاجتماعية وإتاحة المعلومات وضمان الشفافية والمساءلة عن أعمال الحكومة.
ومن هنا فإن الكُرَة الآن فى ملعب الحكومة والمجتمع المدنى والأكاديمى، فقد تحقق إصدار التقرير كوثيقة أممية تطرح تحليلا لما تم إنجازه من إصلاحات وما استمر من عقبات فى عقد اضطرم بالتغيرات والتحديات، أما إضفاء الحياة على هذه الوثيقة فهو يتطلب التفاعل معها، خاصة أن الصورة الشاملة التى قدمتها الوثيقة تحتاج إلى دراسات متعمقة لكل جانب من جوانبها، فعلى سبيل المثال، تحتاج استراتيجية إصلاح التعليم إلى دراسات متعمقة لتقييم ما حققته، وتحتاج سياسات ترشيد وتوجيه الدعم لمستحقيه إلى دراسات مستمرة لمتابعة الأداء وتقييم الأثر وضبط البوصلة. وهى أنشطة تحتاج إلى دراسات علمية مستندة على بيانات حديثة لدعم عملية صنع وتنفيذ السياسات العامة، وهى المهام التى يجب أن تضطلع بها الجامعات ومراكز الأبحاث وغيرها من الجهات المهتمة بالعملية السياسية، بما فيها الأحزاب السياسية.
وأجد دعوة الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، لإشراك طلبة الجامعات فى أنشطة تتناول موضوعات تقرير التنمية البشرية المصرى 2021 دعوة واعدة لضخ دماء المشاركة وتنمية القيادات السياسية وتحفيز الاهتمام بالشأن العام بين طلاب الجامعات المصرية، فقد أبرز عدد من الصحف دعوة الوزيرة فى اجتماع المجلس الأعلى للجامعات فى سبتمبر الفائت بخصوص إقامة مسابقات بحثية بين الشباب الجامعى هدفها صياغة سياسات عامة للتعامل مع قضايا ملحة تواجهها الحكومة، من قبيل قضايا الصحة والتعليم والاقتصاد والإصلاح الإدارى والاستدامة البيئية والمساواة بين الجنسين، إلخ.
وبما أن السياسات العامة هى محور العملية السياسية، فإن قدرة الحكومة والمؤسسات العامة الحكومية وغير الحكومية على تدعيم قدرة الشباب على فهم والاشتباك مع قضايا السياسات العامة ستكون خطوة أساسية لتدعيم الحوكمة والشفافية وكفاءة مؤسسات الدولة، وسيكون العمل على مثل هذه المبادرات ركيزة لتهيئة جيل من الشباب على دراية بقضايا الوطن وقادر على المشاركة الفعالة فى صياغة مساره.
محمد علاء عبد المنعم عضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
التعليقات