بحر من الأحلام المحطمة والجثث - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بحر من الأحلام المحطمة والجثث

نشر فى : الثلاثاء 18 نوفمبر 2014 - 8:50 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 18 نوفمبر 2014 - 8:50 ص

نشرت مجلة ذا يوريبيان مقالا للكاتب مارك بيجز، صحفى سياسى مستقل من لندن، يوضح فيها كيف تسعى الحكومات الأوروبية للحد من عدد الأفارقة الذين يدخلون أوروبا. ويرى أن تلك مفارقة محزنة لأن هؤلاء هم ما تحتاج إليه أوروبا بالضبط.

يقول الكاتب إن بريطانيا، مثل العديد من البلدان الأوروبية الأخرى، لديها تاريخ طويل ومضطرب مع شعوب أفريقيا: الاستعمار والاستعباد وحرمان مناطق بأكملها من مواردها الطبيعية مع تحجيم الثقافات وقمعها. ويرجع هذ الاستنزاف للقوى إلى زمن بعيد. غير أن بريطانيا أعلنت هذا الاسبوع انها لن تدعم مهمات البحث والإنقاذ لمنع غرق المهاجرين فى البحر المتوسط. وتقول الرسالة التى ترسلها هذه الخطوة: «نحن نفضل أن تموت على أن تقترب خطوة من بلدنا». أن تقترب، وليس أن تدخلها حتى!

وتدعى وزارة الخارجية أنها تسعى لثنى الناس عن محاولة العبور الخطر من أفريقيا إلى أوروبا. ومن المتوقع الإعلان عن السياسة المستقبلية لتشمل إلغاء خدمات الحوادث والطوارئ للحد من النوبات القلبية، وحظر التأمين على السيارات لمنع الناس من القيادة بسرعة وحظر عمليات الإنقاذ لمنع المصرفيين من إغراق العالم فى حالة ركود!

ويشير بيجز إلى أن مثل هذه النشرات الصحفية لم تصدر مؤخرا، غير أن وزير الدفاع قال إن مناطق من بريطانيا تشعر بأنها «أغرقت» بالمهاجرين. ولا شك أن المقارنة بين الناس بغض النظر عن مكان ولادتهم وبين المياه القذرة، التى تنتشر فيها الأمراض الخطيرة والرائحة الكريهة، بينما تعلن الحكومة سياسة تسمح بترك الناس للغرق، ويرى أنه خطاب يدعو إلى الاشمئزاز.

وقد تم سحب البيان (الذى أذيع على الهواء فى التليفزيون) منذ ذلك الحين. ولكنه يعتبر من أعراض أسوأ أنواع القوادة، حيث لن يكون له أو لإلغاء الحماية أدنى تأثير على الهدف المفترض، وهو تخفيض عدد الأشخاص الذين يدخلون أوروبا.

وتعنى عوامل الضغط الداخلية (ساهمت القوى الأوروبية فى خلق الكثير منها) أن أوروبا لا تزال أرض الوفرة نسبيا للغالبية العظمى من الناس فى جميع أنحاء العالم. وإنها لمفارقة محزنة أن يكون أولئك الغارقون فى قاع البحر الأبيض المتوسط هم بالضبط النوع الذى تحتاجه أوروبا: الشباب والديناميكية والعمل الشاق.

•••

ويؤكد الكاتب أن أوروبا، على مدى السنوات العشر القادمة، سوف تفقد سدس قوتها العاملة الشابة، ولن نستطيع تعويضها من دون الهجرة. وسوف يعانى اقتصادها مزيدا من الركود وهى تتنافس مع القوى العاملة الأكثر شبابا وحيوية فى العالم.

ويشرح الكاتب كيف يتركز العديد من المهاجرين الذين وصلوا إلى أرض أوروبا، فى إيطاليا، وهى بلد فى حاجة ماسة لدفعة ديموجرافية. وتعانى سياسة البلاد من انحراف يجعل متوسط معاشات التقاعد أعلى من متوسط الأجور. غير أن الشباب (أغلب المهاجرين من الشباب) الذين يصلون إلى البلاد، يجرى تهميشهم لدرجة أن أطفالهم، المولودين فى إيطاليا، لا يحصلون على المواطنة قبل بلوغهم الثامنة عشر. ولا شك أن إيطاليا بحاجة ماسة لتبنى حماس وروح الناس الذين سافروا مئات إن لم يكن آلاف الأميال ليبنوا لأنفسهم حياة أفضل ــ بدلا من البقاء فى البيت واكتساب المزيد من الشحوم. غير أن من يمتلكون القدرة على مواجهة ما يعتبره العديد من الأوروبيين أمرا غير متصور، يتركون لسيطرة المخمورين فى شوارع نابولى وروما وميلانو.

ويختتم بيجز المقال بقوله، إنه على مدى تاريخ طويل، سارت الهجرة والنمو الاقتصادى جنبا إلى جنب، يقودان بعضهما البعض إلى الأمام. وربما لا تكون الولايات المتحدة المثال الأفضل للعلاقات بين الأعراق، ولكنها صارت القوة الاقتصادية العظمى فى العالم بسبب الحلم الأمريكى وعبارة: «أعطنى جماهيرك المتعبة والفقيرة والضعيفة، التى تتوق إلى التنفس بحرية».

وبدلا من احتضان هذا الشعور، سلمنا أنفسنا وسلمت أوروبا نفسها، مرة أخرى للخوف، وسحبنا وسحبت الجسر وأطلقنا وأطلقت العنان، ليس لنهر الدم كما تنبأ إنوخ باول. ولكن لبحر من الأحلام المحطمة والجثث.

التعليقات