نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حسن مدن، تحدث فيه عن عملاقى الأدب اللاتينى - ماريو فارغاس يوسا وغابرييل غارثيا ماركيز، وعلاقاتهما التى تقاطعت فى مسارات عدة سواء أدبية أو سياسية، وكيف خلقت وفاتهما فراغا لا يعوض فى المشهد الأدبى. اختتم الكاتب مقاله بسر اللكمة التى وجهها يوسا لماركيز وأوقعته أرضا فى مدينة مكسيكو عام 1976... نعرض من المقال ما يلى:
أمور عدة، وليس أمرا واحدا فقط، جمعت بين الأديبين الكبيرين ماريو فارغاس يوسا وغابرييل غارثيا ماركيز. الاثنان من القارة السحرية، أمريكا اللاتينية. يوسا ولد فى البيرو، وماركيز ولد بكولومبيا. الاثنان أيضا نالا جائزة «نوبل» للآداب، نالها ماركيز فى عام 1982، ونالها يوسا لاحقا فى عام 2010، والاثنان استحقا الجائزة الأشهر فى العالم عن جدارة؛ فلا خلاف حول أهمية ما خلفاه من أدب عابر للزمن، حيث اعتبرا أهم رمزين للطفرة الأدبية فى أمريكا اللاتينية إلى جانب الأرجنتينى خوليو كورتازار.
لافتٌ أيضا تقارب عمر الاثنين، فإذا كان ماركيز قد عاش سبعة وثمانين عاما (توفى فى عام 2014)، فإن يوسا توفى قبل أيام عن تسعة وثمانين عاما، ليقال إن وفاته تُمثل نهاية حقبة الجيل الذهبى للأدب فى أمريكا اللاتينية، حيث كان آخر ممثليه الكبار.
بدأ فارغاس يوسا كتابته قاصا، حين أصدر مجموعته القصصية الأولى «الأشبال وقصص أخرى» عام 1959، قبل أن يلفت الأنظار إليه بروايته الأولى «زمن البطل» عام 1963، المستوحاة من تجاربه فى أكاديمية عسكرية بيروفية. أثارت الرواية غضب السلطات العسكرية فى بلاده، حتى أنها حرقت ألف نسخة منها، وتلت هذه الرواية روايات أخرى مثل «محادثة فى الكاتدرائية»، «امتداح الخالة»، «شيطنات الطفلة الخبيثة»، «زمن عصيب»، «البيت الأخضر» وغيرها، ويعود الفضل للمترجم القدير الراحل صالح علمانى فى تعريفنا بها.
شىء آخر جمع بين ماركيز ويوسا، لكنه لم يدم، هو إعجابهما بالزعيم الكوبى فيدل كاسترو. كُتب الكثير عن علاقة ماركيز بكاسترو ودعمه لموقف كوبا المناهض للولايات المتحدة، وتنديده بالحصار الاقتصادى المفروض عليها. استمر ماركيز على موقفه، فيما اختلف الأمر مع يوسا الذى بدأ حياته يساريا مأخوذا، هو الآخر، بكاريزما كاسترو، لكنه تخلى، بالتدريج، عن مواقفه السابقة، ما عرضه لانتقادات شديدة، حتى من المعجبين بأعماله، وأفقده دعم بعض زملائه الأدباء فى أمريكا اللاتينية.
انعكس هذا التبدل فى موقف يوسا على علاقة الأديبين: ماركيز ويوسا، ما حمل البعض على القول إنه سبب اللكمة المثيرة للجدل التى وجهها يوسا لوجه ماركيز فى مدينة مكسيكو عام 1976. وظل الأمر بمثابة لغز، لأن يوسا تعهد بعدم الإفصاح عن السبب الحقيقى لقيامه بلكم صديقه، لكن الرأى السائد يستبعد أن يكون الخلاف السياسى بين الرجلين هو السبب، انطلاقا مما روى عن أن يوسا حين حضر إلى مقر إقامة ماركيز الذى كان فى استقباله، عاجله باللكمة وهو يصرخ فى وجهه: «هذه من أجل باتريشا»، ما أوقع ماركيز أرضا، وترك ندبا على أنفه. وباتريشا هى زوجة يوسا التى شكت لماركيز خلافاتها الحادة مع زوجها، فنصحها بالانفصال عنه، ما أثار حفيظة يوسا وقرر الانتقام!