كله عند العرب اتحاد.. شريطة ألا يكون عربيا - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كله عند العرب اتحاد.. شريطة ألا يكون عربيا

نشر فى : الأربعاء 19 أغسطس 2009 - 10:31 ص | آخر تحديث : الأربعاء 19 أغسطس 2009 - 10:31 ص

 يشغل الوطن العربى موقعا فريدا فى وسط العالم القديم بقاراته الثلاث: فهو يربط بين قارتى آسيا وأفريقيا وتقع نقطة الربط على أرض مصر، حيث تنتمى سيناء إلى آسيا، بينما يقع الوادى والصحراء فى أفريقيا.

وإلى الشمال تقع القارة الأوروبية التى لا تستطيع التحرك جنوبا إلا من خلال أراض عربية. بل إنها لا تستطيع العيش دون علاقة وثيقة معه، تحل محل محاولات انتزاع أجزاء من الوطن العربى لضمها نهائيا كأراض وراء البحار.

ومع التطورات التى تعرضت لها أوروبا بعد الحرب العالمية من حيث التركيز على الوحدة الداخلية والتخلى عن آليات الاستعمار المباشر بالتحول إلى الآليات التى أنشأتها الدول المسيطرة على مسار العولمة، والتى يندرج بعضها ضمن ما يعرف بالاستعمار الجديد، أعاد الاتحاد الأوروبى بناء علاقاته بجيرانه وفقا للصيغة النهائية التى يسعى للوصول إليها.

فالجيران الأوروبيون يجرى تأهيلهم للانضمام إليه ليمتد فى النهاية إلى كامل القارة الأوروبية. فبدأ بالدول الجنوبية الواقعة شمال البحر المتوسط، بعد أن عدلت نظمها السياسية، ثم فتح أبوابه للدول الشرقية حتى لا تعود إلى التفكير فى الاشتراكية، فتضاعف عدد أعضائه فى فترة وجيزة. أما بالنسبة للدول الواقعة فى شرق وجنوب المتوسط فقد طور تعامله معها على ثلاث مراحل. فمنذ ثلاثة عقود هيأ لها ترتيبات اقتصادية تفضيلية فى سياق ما جرى الاتفاق عليه ضمن ما يسمى النظام الاقتصادى الدولى الجديد، إلى جانب ما قدمه لكثير من الدول الأقل نموا، ومعظمها أفريقية، من مساعدات حتى تواصل النمط الاقتصادى الذى ألزمتها به فى فترة الاحتلال، توفر لها المواد الأولية وتشكل سوقا ولو محدودة لمنتجاتها الصناعية.

ومع الانتقال من السوق المشتركة إلى الاتحاد الاقتصادى والنقدى فى وقت انفرد فيه الغرب بالسيادة فى المجالين السياسى والاقتصادى، اعتمد الاتحاد الأوروبى ما يسمى السياسة المتوسطية الجديدة. وحتى يكسو السيادة بغلاف جذاب أعلن الانتقال من مرحلة علاقة تقوم على تقديم المعونات، إلى ما يسمى «الشراكة» بما يوحى بتحول حركة العطاء من جانب والأخذ من آخر، إلى تبادل الأخذ والعطاء. ورغم أن الغاية المعلنة كانت هى إقامة منطقة تجارة حرة فيما لا يزيد على اثنى عشر عاما، فإن اتفاقيات الشراكة تأسست على أساس وصاية على حماية حقوق الإنسان كبديل لشرط إنشاء نظام سياسى وفق صيغة الديمقراطية الغربية، وهو ما تبنته معاهدة روما المنشئة للاتحاد الأوروبى لاتفاقيات الارتباط مع أطراف غير أعضاء. وبديهى أن تنفيذ ذلك الشرط كان يحصر الأمر فى يد الاتحاد الأوروبى تطبقه وفق تفسيرها لحقوق الإنسان، لأنه لا يعقل أن تتعامل معها الأطراف المتوسطية بالمثل.

وقد أوضحت فى دراسة لندوة نظمها المجلس الأوروبى (وهو أوسع نطاقا من الاتحاد الأوروبى) أن المستفيد سياسيا واقتصاديا من الشراكات المزعومة هو الاتحاد الأوروبى، وأن ما يبدو مكاسب اقتصادية يتم من خلال معونات تعيد ترتيب الاقتصادات المتوسطية لتكون ملحقا لاقتصاد الاتحاد الأوروبى، وهو ما تبنته تلك الندوة التى عقدت فى بالما دى مايوركا فى 1996.

ومع ذلك أصرت مصر ودول عربية متوسطية أخرى على إتمام ما يسمى مسيرة برشلونة، التى كانت بديلا للشرق أوسطية التى تبنتها الولايات المتحدة. وكان من الطبيعى أن ينتهى الأمران إلى الفشل.

وفجأة ظهر ساركوزى فى الصورة ليطرح اسما على غير مسمى. فخلال حملته الانتخابية وعد بإنشاء ما سماه «الاتحاد المتوسطى» يضم الاتحاد الأوروبى ودولا غير أوروبية مطلة على المتوسط، كبديل للشراكة الأورومتوسطية الناشئة عن عملية برشلونة وكان الهدف الأول هو أن يكون بديلا لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى، وهو ما رفضته تركيا ولم تقبل الانضمام إليه إلا فى مارس 2008 بعد أن حصلت على ضمانات بألا يعتبر بديلا للانضمام. فأعاد ساركوزى تسميته إلى ما يسمى «الاتحاد من أجل المتوسط» الذى أنشئ منذ عام، فى 13 يوليو 2008 وأعلن ساركوزى صراحة أنه مبادرة من أجل تحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها من الدول الإسلامية!! وروج له بأنه اتحاد سياسى اقتصادى ثقافى يقوم على أساس مبادئ المساواة التامة. وكان من الطبيعى أن يرفض باقى أعضاء الاتحاد الأوروبى العبث بمصطلح «اتحاد» وإنشاء كيان يضعف فاعلية سياساته فى منطقة المتوسط. فأعلن جان بيير جواييه الوزير الفرنسى للشئون الأوروبية أن الاتحاد المزعوم هو «اتحاد من أجل المتوسط»،وأصرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن يضم كل أعضاء الاتحاد الأوروبى. وهكذا تتأكد صفته كأداة لفرض رؤية أوروبا كلها على الدول المتوسطية غير الأوروبية. وأفرغ الاتحاد من مؤسساته ذات الطابع الإقليمى، مثل «بنك الاستثمار المتوسطى»، وتقرر أن يقتصر على مشروعات محددة. وهكذا انتهى العبث بمصطلح «الاتحاد» ليتحول إلى كيان للعبث الأوروبى بشئون دول تختار لموقعها من أوروبا وليس لرابط عضوى بينها، أو لإرادة ورؤية موحدة لها.

ويبدو أن الفيروس عبر المتوسط إلى الجنوب، لتتولى ليبيا الترويج لما يسمى «الاتحاد الأفريقى» لترسخ الزعامة القذافية على القارة. غير أن الأصول هنا تختلف بشكل جذرى عن المنظور الأوروبى. ففى أوائل الستينيات بلغ الحماس أقصاه لدى الآباء الأولين للدول الأفريقية حديثة الاستقلال، فتزعم نكروما وسيكوتورى الدعوة إلى إقامة وحدة أفريقية تقطع الطريق على الاستعمار وتقضى نهائيا على ما رأوه تمزيقا فرضه على شعوب تنتمى إلى أصول واحدة. ورغم أن عبدالناصر نصح بالتريث، فإن المنظمة الأفريقية احتفظت بلفظ الوحدة فى عنوانها دون مضمونها، إلى أن ظنت أن الطريق الأوروبى إلى الوحدة هو الأفضل، فبدأت تقيم تجمعاتها الاقتصادية ليستفيد كل منها بالتقارب بين أعضائه ثم تنضم جميعا فى النهاية إلى كيان واحد. واتضح أن التقارب الجغرافى ربما يحمل من عناصر التنافر أكثر مما يوفر من دواعى الانسجام.

يكفى أن الدول الثلاث أعضاء تجمع شرق أفريقيا التى كانت أشبه بسوق مشتركة فى ظل الاستعمار اشتدت اختلافاتها بعد إقامة تجمعها الإقليمى وعجزت عن أن تبنى نموذجا مشتركا لتنمية مقدراتها. ومؤخرا اتخذت بعض دول تلك المجموعة مواقف متباينة من عضوية الكوميسا، وانساقت مصر إلى اتحاد جمركى لهذا الكيان الذى يمثل أحد أقاليم الجماعة الأفريقية لتكتشف أن المقومات الاقتصادية لهذا الاتحاد غائبة، ومتعارضة مع التزاماتها العربية. بل إن ليبيا كانت من عوامل تجمد الاتحاد المغاربى، وبدلا من أن تعمل على إحيائه،قفزت فوقه إلى اتحاد يراه قذاف الدم يضم وزارات على مستوى قارة تغيب عن كثير من دولها حكومات ترعى شئونها. وتكاد تشم رائحة أموال النفط فى أصوات الذين بايعوا عميد الرؤساء الأفارقة، فى تأكيد لما ينادى به أوباما من مكافحة الفساد الذى يزيد القارة سوادا على سوادها.

لا بد من إعادة الأمور إلى نصابها. والانطلاق يكون من قيام اتحاد عربى قوى، ينقى الجسم العربى من الدخلاء، ويعلى صوت الأمة العربية فى عالم لا بديل فيه للكيانات الإقليمية القوية إلا التفتت والتبعية. وفى ظل قيام اتحاد أوروبى، يلعب الاتحاد العربى دورا خلاقا لإعادة رسم العلاقات بين التجمع الأوروبى فى الشمال والتجمع الأفريقى فى الجنوب. وينشئ بذلك نموذجا جديدا يجمع بين التجمعات الثلاثة فى تكامل بين إقليمى يقوم على تأصيل لأسس تكامل كل من أقاليمه الثلاثة.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات