ثم ماذا.. إذا مرشح الشعب فاز؟ - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثم ماذا.. إذا مرشح الشعب فاز؟

نشر فى : الخميس 19 نوفمبر 2009 - 12:03 م | آخر تحديث : الخميس 19 نوفمبر 2009 - 12:03 م

 تعددت الحركات الشعبية التى تنادى بفض احتكار الحزب الوطنى لترشيحات الرئاسة، بدءا من إيقاف تمثيلية التوريث وانتهاء بجعل الدستور دستورا مصريا وليس ستارا مسرحيا، حتى يمكن للشعب أن يدفع بمرشحين للرئاسة ينتخب منهم من يراه الأصلح لإدارة دفة البلاد فى مرحلة لعلها من أخطر المراحل فى تاريخ مصر الحديث، ومن أدق المراحل على المستويين الإقليمى والعالمى.

وانبرت بعض أبواق الحزب الوطنى تدعى أن الشعب منشغل بأمور أخرى، ولعل ذلك يعود لإدراكها أن حكومة حزبهم قد خلقت من المشكلات ما يلهى الشعب بمصائب يومهم عن مصير غدهم، كان آخرها شحن الجماهير وراء فريقهم القومى، حتى إن الرئيس نفسه وجد فسحة من الوقت ومن الانشغال بإصدار توجيهات فيما يمس حياة الشعب اليومية، فقام بزيارة الفريق لشد أزره أثناء مرانه.. ولعل بركات هذه الزيارة انصبت على رأس متعب لينقذ الفريق فى الدقيقة الخامسة والتسعين (لعله فأل طيب بطول العمر).

وادعى البعض الآخر أن الوقت لم يحن للتفكير فى الترشيح وهو ما يكذبه العمل على قدم وساق منذ وقت طويل لتلميع وريث اليوم وخليفة المستقبل، الذى أسعدت الجماهير ابتسامة رأوها ترتسم على وجهه لأول مرة لحظة فوز المنتخب المصرى بمباراة عصيبة.

وكما أنه من المؤكد أن القضية لا تحتمل التأجيل، فإنه من الحتمى ألا تكون هى شاغلنا الأول والأخير. لنفرض أنه أمكن للشعب أن يزج باسم مرشح يحتشد وراءه ليصل به إلى سدة الحكم فى نهاية الفترة المباركة الحالية..

فماذا سيجد نفسه أمامه؟ صحيح أن الوضع الحالى يعطى رئيس الدولة سلطات واسعة، إلا أنه من الصحيح أيضا أن فردا بمفرده لا يمكنه أن ينفرد بالحكم شخصيا، بل لا بد له من مؤسسة يحكم من خلالها، وهو يستخدم سلطاته لبنائها على النحو، الذى يمكنه من تنفيذ قراراته وتحقيق رؤيته. وشيئا فشيئا تتحول هذه المؤسسة إلى أداة إيحاء له بالقرارات، التى تخدم مصالحها هى، فتوصل له من المعلومات ما يقود إلى أن تأتى القرارات مرضية لأطماعها وبعيدة عما يحول بينها وبين إشباع شهواتها.

وبحكم أنها قلة مختارة، فإن معظم هذه القرارات لا يحقق مصالح باقى الشعب، سواء العامة أو الصفوات الأخرى، التى تُستبعد عن المشاركة فى صنع القرار أو الاستفادة منه.

وبديهى أن تسعى مؤسسة الحكم إلى تأمين مستقبلها إذا غاب رأسها، حيث تدفع إلى الرئاسة بمن تأتمنه على مصالحها، سواء عن طريق التوريث أو الترشيح، وتتخذ كل ما يلزم لتدعيم اختيارها، مستعينة بالترزية الذين يفصلون كل شىء بالمقاس، بما فى ذلك دستور يفترض فيه أن يعبر عن توافق جماعى تام.

ومن أجل ذلك تنصب مسرحية انتخابات المجالس المحلية والشعبية لتكون الستار، الذى يكسب التشريعات ثوبا شعبيا زائفا، والأداة التى يساندها جهاز الأمن فى فرض إرادتها، وأدوات تنفيذية يترك لها تحصيل ثمن ولائها من الشعب بمعرفتها، بدءا بذوى الحاجة وسائقى المكروباصات، مرورا بصغار أصحاب الأعمال وانتهاء بالمنافسين من كبار الحيتان.

قد يتساءل البعض.. وماذا عن التجارب السابقة؟ إذا عدنا إلى الستينات وجدنا حالة فريدة، إذ أن الرئيس الذى ارتبط به الشعب، وقف إلى جواره عندما كشف أمامه مراكز القوى التى كانت تفرض رأيها متحدثة باسمه.

وعندما طلب فى بيان مارس 1968 أن يعاد بناء الاتحاد الاشتراكى بالانتخاب من القاعدة، التى كان قد استطاع أن يعرّفها بحقوقها ويكسبها إمكاناتها، إلى القمة، حرص من بقى فى القمة على التمسك بأوضاعهم، فكان من اليسير على السادات أن يتخلص منهم بجرة قلم فى انقلاب مايو 1961، ويبنى مؤسسته الخاصة مستندا إلى جهاز الأمن ممكّنا إياه لأول مرة من التحول من حماية الشعب إلى تأمين الحاكم، مستفيدا من حالة الحرب، التى كان الجميع ينتظر حسمها بفارغ الصبر. وعندما تحقق العبور بدأ إعادة بناء مؤسسة الحكم بخطوات محسوبة.

فدخل فى مفاوضات مع العدو، الذى ظل محتلا لأراض مصرية، وهو ما اقتضى تعزيز جهاز وزارة الخارجية، ثم عمد إلى تحجيمه بعد أن لم يجد كبار المخلصين فيه سوى الاستقالة أمام إصراره على معاهدة ظللنا ثلاثين عاما نعانى من توابعها.

وأتبع ذلك بإعلان الانفتاح حتى ينشئ فئة منتفعة من الضائقة الاقتصادية، التى نجمت عن أعباء الحروب التى تفاقمت منذ 1967، ثم وصفهم بالطفيليين، لأنهم تربحوا من مضاربات تجارية وخدمات هامشية دون أن يسهموا فى إعادة بناء القطاع العام، الذى أنهكته سنوات تعذر فيها إجراء الإحلال والتجديد.

وأعلن بورسعيد منطقة حرة تجارية وأصم أذنيه عن مطالباتى بأن تكون منطقة صناعية منتجة، فنشطت عمليات التهريب منها إلى باقى الدولة لتشيع موجة التطلع إلى الاستهلاك الردئ، غذتها تحويلات لعمال شجعهم على الهجرة التى استنزفت المهرة منهم وأبعدتهم عن مجال إنتاج كانت الدولة فى أشد الاحتياج إليه.

وانتهز فرصة شعار «الله أكبر» الذى أطلقه المصريون لحظة العبور، ليغذى الحركات الدينية، التى استهلت عملها باغتيال الشيخ الذهبى رحمه الله، وأتبعتها باغتياله هو شخصيا.

وحينما تولى مبارك الحكم بعده واجه المشكلة الاقتصادية بمؤتمر قُدمت فيه مقترحات عديدة، تخلى فيها الاشتراكيون عن انتهاز الفرصة لإعادة بنائها بصورة سليمة، وقدموا مقترحات تعيد لم الشمل وتوجيه الجهود إلى إعادة البناء.

غير أن فرقة المنتفعين رفعت شعار المشكلة السكانية. ورغم ذلك فقد مضى ثلاثون عاما تفاقمت فيها تلك المشكلة مصحوبة بمشكلات أخرى لعل أخطرها عصيان الأمية على الحل، رغم رفع شعار بناء مجتمع المعلومات، وتولى واحد من المتخصصين فى المعلومات رئاسة الوزارة مؤخرا.

الفيلق الوحيد الذى استفاد هم من يطلق عليهم رجال الأعمال، والأعمال السليمة منهم براء. وحتى يثبتوا أقدامهم تطوع وزير الاستثمار للهث وراء مستثمرين عرب وأجانب، بينما حرصوا على تغذية البيروقراطية الفاسدة حتى تشل حركتهم وينفردوا هم بالساحة. وحينما ثبتت أقدامهم اجتاحوا مجلس الشعب ثم الحكومة، وأصبحوا هم من يملك ويحكم فى مصر.

إذا استطاع مرشح الشعب اجتياز تلك الأوحال ليصل إلى كرسى الحكم، فبأى مؤسسة يحكم؟ أمامنا العام المقبل انتخابات شعبية ومحلية، سوف تكون هى المتحكمة ليس فقط فى الترشيح، بل فى سن القوانين وإجراءات التنفيذ.

فإذا تغاضت عن فوز مرشح الشعب، فهل ستترك له الحرية ليعيد البناء وفق ما يتمنى الشعب؟ إن اعتمادهم فى الكسب على استغلال السلطة وليس على حسن الأداء سيدفعهم إلى ارتكاب الكبائر لكى تترسخ القاعدة التى اجتهدوا فى بنائها، وهى أن تبقى مؤسسة الحكم دائما فى خدمتهم. والأدوات فى أيديهم عديدة..

فجهاز الأمن، بما فيهم الأمن الخاص (وهو الاسم الذى يطلق على البلطجية) فى خدمتهم. وما أسهل من افتعال الأحداث وإلصاقها بالإرهاب. وحركة الاستثمار والإنتاج والتصدير والاستيراد وتوظيف العمال بأيديهم، وما أيسر من التحذير من هروب رأس المال، رغم أن الهروب بأموال الشعب كان ولا يزال هو القاعدة.

إذا كانت المعركة الدائرة تتعلق بالرئاسة، فإن حلها يبدأ من كسب المعركة الأساسية، وهى انتخابات القاعدة، التى سوف تأتى بالرئيس وتحكم من خلاله. دعونا نتخلى قليلا عن الفكر الأوتوقراطى، الذى يتطلع إلى القمة بدعاء الله أن يولى من يصلح، ونكون ديموقراطيين كما نتشدق، فنعمل أولا على إصلاح القاعدة، وهو أمر يطول الحديث فيه وتتعدد جوانب الكفاح من أجله.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات