أى رأسمالية تلك؟ - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أى رأسمالية تلك؟

نشر فى : الأحد 21 أكتوبر 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأحد 21 أكتوبر 2012 - 9:01 ص

حالت المشاغل الكثيرة لقيادات الحرية والعدالة، التى تحكم بلادنا هذه الآونة، سواء استغراقهم فى محاولة إحكام الحبكة الدرامية لإخراج مشهد زحزحة النائب العام، وبعدها أخذ الصور التذكارية معه، أو فى تأديب رؤساء التحرير الخارجين عن الخط السياسى، أو تظبيط كرسى رئيس الحزب على مقاس أحد المرشحين دون الآخر، أو فى تأليف قلوب الإعلاميين قسرا لإجبارهم على عدم السماح بأى نقد للسيد الرئيس فى التليفزيون. حالت كل هذه المشاغل الجسام دون أن يتابع أحدهم مايحدث فى ملف العمال.

 

 

 

هناك بالفعل نقلة موضوعية مهمة فى خطاب الحركة العمالية بعد أن باتت بالفعل تتمتع بإستقلالية نقابية حقيقية على الأرض، بعيدا عن اتحاد العمال الذى هرم، بفعل قياداته التى مازالت صورها مع كل رموز النظام القديم تملأ أرشيف ذاكراتنا. استقلالية الحركة أنضجها الظرف الموضوعى، وثبت أركانها ما تعيشه الأغلبية الكاسحة من العمال من ظروف قهرية فرضها رجال الأعمال، الذين استقووا بهؤلاء الحكام الذين يجاهرون بالعداء للحركة العمالية المستقلة. ويبارك الحكام ورجال الأعمال بقايا النظام القديم الذين لايزالون يتربعون على عروش كافة الأجهزة الحكومية. وهذا الخطاب الجديد يستوجب الانتباه، والالتفات إليه بكثير من الاهتمام.

 

فعندما يقول العمال فى مؤتمر نظمته النقابات المستقلة مؤخرا بالسويس بميدان الأربعين ،الذى كان عنوانا لثورة يناير، للتضامن مع المفصولين من العمال ومنهم 8 من النقابيين فى شركة موانئ دبى بالعين السخنة، وشركات أفيكو، وبلازا للملابس، ومصر إيران، والسويس للصلب، وسوميد وغيرهم. عندما يقول العمال «إذا لم يأت حق العامل بالقانون، فسوف نعيده بالقوة». وعندما يصفق الجميع فى المؤتمر على وقع كلمة لأحد القيادات يقول فيها «وزير القوى العاملة لايستطيع أن يرجع عامل مفصول إلى عمله، وبيساعد رجال الأعمال على نقض الإتفاقيات مع العمال، ويقول لهم اقبلوا التعويض الهزيل. يعنى إيه عامل معاه حكم محكمة بالعودة لعمله، وميعرفش الوزير يرجعه؟. طيب إحنا بنقول لكم العامل المفصول إحنا حنرجعه بإيدينا».

 

ويقول آخر إن «ذبح العمال بحجة المحافظة على الاستثمار هو باطل.أى رأسمالية تلك التى يذبح فيها العمال ويداسون بالأحذية».

 

ويزداد حماس الحاضرين كلما زاد عنف الحديث مثل «إذا رضينا بفصل العمال وكأننا نعمل داخل مصر عند كفيل، فسوف يكملون المذبحة لآخرها. وستكون هذه المعركة هى آخر مسمار فى نعشكم». وطالب آخر برحيل وزير القوى العاملة خالد الأزهرى «حقنا للدماء». ومخاطبا للحكومة قال قيادى عمالى «الذى يقف على مسافة واحدة بين الظالم والمظلوم هو ظالم». وعندما يصل وعى الحركة العمالية إلى تفسير تصميم إدارة موانئ دبى على التنصل من تنفيذ الإتفاقية الجماعية، والإصرار على فصل ممثلى النقابات المستقلة بالشركة إلى أنه يعود بالأساس إلى ما أسموه «معركة إرادات». أى أن الشركة تريد ألا تصبح الحقوق التى حصل عليها عمال السخنة داخل اتفاقية العمل الجماعى عنوانا ناجحا يحتذى به العمال الآخرون فى المواقع الأخرى فأرادت كسر إرادتهم. عندما تعى الحركة العمالية ذلك التلاحم الذى أصبح فيه رجال الأعمال، فهذا يدفعهم إلى الاصطفاف معا وراء شعار أحد القيادات «حق العمال سيعود عندما نقف معا».

 

 

 

وبينما كان الخطاب يسير داخل الحركة العمالية على نحو «مذبحة» و«دماء» و«عودة الحقوق باليد»، «وكسر الإرادة» كان الخطاب على الجبهة الأخرى يسير فى اتجاه أكثر عنفا هو الآخر. ففى تصريحات نارية للصحف طالب بعض رجال الأعمال الحكومة بالإسراع بوضع قوانين تجرم الإضرابات التى تهدد الإستثمار، وباتخاذ إجراءات جذرية ضد الاعتصامات والاحتجاجات. ولم تضيع الحكومة وقتا إذ أخرجت من جعبة قانونييها مشروع قانون مبتكر يقضى بالحبس 5 سنوات وغرامة 200 ألف جنيه على من يعتدى على حرية العمل، أو يحتل الأماكن العامة أو الخاصة، وكذلك على من يحرض أو يدعو أو يروج بالقول أو الكتابة، لأى من الأعمال السابقة. يعنى ببساطة كل من يعترض، أو يعتصم، او يضرب عن العمل يمكن أن يعرض نفسه للمسائلة. خاصة أن إثبات تهم تخريب المنشآت العامة والخاصة، والاعتداء على وسائل الإنتاج ليس بالأمر الصعب. فهناك جماعات منظمة جاهزة بأدلتها من الآن، ومدربة تدريبا جيدا، وإدلة إدانتها محكمة، وقدرتها على تلفيق التهم تفوق بكثير قدرة المحامين المخضرمين. وهذه جماعات تم تجريبها وأثبتت فاعليتها بالفعل عند اللزوم.

 

وهذا معناه أن موقف الحكومة ليس الوقوف فقط على مسافة واحدة بين الظالم والمظلوم، ولكن فى موقف المنحاز للظالم. وإذا كان يساور أحدكم شك فى أن المظلوم هو الطرف الأجير، وليس صاحب العمل فسوف أدلكم على دليل حكومى لاتخطئه العين. ففى تقرير احتفالى لم يرد به جهاز التعبئة والإحصاء سوى أن يشارك دول العالم احتفالها باليوم العالمى «للعمل اللائق» فى أكتوبر الجارى. أقول تقرير احتفالى (لاأكثر ولا أقل) يؤكد على أن العاملين بأجر فى القطاع الخاص فى مصر الذين لديهم عقد قانونى لا تزيد نسبتهم على 43%. أما البقية «معاها ربنا». وهذا الرقم يتدنى للارض عند الحديث على هؤلاء الذين يعملون فى قطاع خاص خارج المنشئات 1.5%. أما المحظوظون الذين لديهم تأمين صحى فى القطاع الخاص من العمال لا يزيدون عن 28%. ومن استطاع أن يحظى بحق التأمينات الإجتماعية من العاملين فى القطاع الخاص وصل إلى 41%. ولكى تكتمل كل فقرات الإحتفال بيوم «العمل اللائق» عن آخرها نقول أن نسبة العاملين الأعضاء فى نقابات فى القطاع الخاص فى حدود 12%.

 

ومن حسن الحظ أن جهاز الإحصاء فى مصر هو الأكثر حرصا بين كافة أجهزة الدولة على مشاركة العالم احتفالاته. لذلك لم تفته فرصة أخرى وهى الاحتفال بيوم مكافحة الفقر فى العالم فى نفس الشهر، فخرج علينا ليبشرنا، كى نحتفل معا، أن نسبة الفقراء الذين يعملون فى القطاع الخاص زادت من 30% إلى 33% خلال عامين فقط (من 2008 إلى 2010). ولكى يكون الاحتفال على قدر المحتفلين نقول أن المقصود بالفقير فى مصر، طبقا لجهاز الإحصاء، هو الذى يصل دخله إلى 256 جنيها فى الشهر. هل نحتاج بعد ذلك أن نثبت للحكومة من الظالم ومن المظلوم، لكى تحدد اين تقف؟.

 

 

 

وبمناسبة الحديث عن المظلومين لا نملك اليوم إلا أن ندعو بالبراءة لخمسة من عمال شركة الإسكندرية للحاويات الذين يقفون صباح اليوم أمام محكمة محرم بك بالإسكندرية لسماع الحكم فى الطعن على حبسهم من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة 10 آلاف جنيه لاتهامهم بالتحريض على الإضراب و«تخريب المنشآت». عندما وقفوا معترضين بعد الثورة على اهدار المال العام لهيئة ميناء الإسكندرية وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات (قطاع أعمال عام) بسبب عقد انشاء وتشغيل وانتفاع بأرض ميناء الإسكندرية لصالح شركة أجنبية. وبالرغم من أنهم يحملون حافظة براءة تحمل رأى جهاز المحاسبات وهيئة مفوضى الدولة فى المخالفات التى شابت العقد مع الشركة الأجنبية، إلا أنها على ما يبدو ليست كافية لإثبات سلامة نيتهم فى الدفاع عن المال العام.

 

ادعوا معى بالبراءة لعمال الحاويات قبل أن يأتى يوما نكون فيه مضطرين للدعاء للعمال بالحبس سنة افضل من خمسة، وبـ10 آلاف جنيه أهون من 200 ألف.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات